الجيش البديل: وصفة أميركية جديدة
عامر نعيم الياس
واضح أنّ تعدّد مسميات الميليشيات المسلحة في سورية أربك الجميع، فمع تحوّل «الجيش الحرّ» إلى فصائل محلية وتناثره بين زواريب الجغرافيا السورية، وسيطرة التسميات الإسلاموية على الكتائب المسلّحة كعنوان لفكر إقصائيّ، برزت الحاجة بالتزامن مع الحرب الأميركية الجديدة على «الإرهاب»، إلى إعادة صوغ المفاهيم الناظمة للتعامل مع الملف السوريّ. فالكلام عن «المعارضة المعتدلة» استنفد صلاحيته في التداول السياسي محلياً ودوليّاً، ولا بدّ من إيجاد مسمّىً آخر، وهو «الجيش البديل»، لتصوير «المعارضة السورية» كطرف متماسك وممثل شرعيّ لدولة مفترضة تشكّل «التعدّدية الديمقراطية» عمادها، وربما تندرج تصريحات ما يسمى «رئيس الحكومة الموقّتة» أحمد الطعمة في هذا السياق، عندما أشار إلى سعيه لتشكيل جيش سوري جديد لقيادة الحرب داخل سورية وحماية مقرّات الحكومة الموقتة ومؤسساتها! الأمر الذي يؤكد وجود توجّه جديد لطرح هذا الملف على بساط التداول السياسي والإعلامي في الحلف المعادي للدولة السورية.
كينيث بولاك، الخبير في الشؤون السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط، وفي مقال له نشر في مجلة «الشؤون الخارجية» بعنوان «جيش لهزيمة الأسد»، يدفع باتجاه تبنّي ما يسمّيه بالحل البديل، وهو يرتكز على «تشكيل جيش سوري بالهيكل والعقيدة التقليديين، يكون قادراً على هزيمة النظام والمتطرّفين، وترسيخ دعائم الاستقرار في سورية بعد انتهاء الحرب، فضلاً عن ضرورة أن تدعم الولايات المتحدة ذلك الأمر بالموارد والمصداقية الكافية». ويضيف بولاك الباحث في معهد بروكينغز: «الأهم في تلك الاستراتيجية، ضرورة تركيز الإدارة الأميركية على ضرورة استمرار التدريب في المدى البعيد، إذ يجب أن يستمر على الأقل لمدة سنة، يبدأ بالتدريب على المبادئ الأساسية للقتال، ثم يتطور إلى الخدمات اللوجستية والدعم الطبي والمهارات العسكرية المتخصّصة». فهل ما ذكره بولاك قابل للتطبيق، أم أنّ الأمر لا يعدو عن كونه وصفة استنزاف جديدة؟
طرح الرئيس الأميركي باراك أوباما في سياق استراتيجيته السورية الخاصة بالحرب على تنظيم «داعش»، فرضية تدريب «المعارضة المعتدلة» باعتبارها قادرة على إدارة المعركة في سورية بعد انكفاء «داعش». بدأ الأمر مع الإعلان عن قبول الرياض تدريب جزء من المعارضة على أراضيها لمدة سنة، ثمّ إعلان واشنطن أن أنقرة قبلت أن تحذو حذو السعودية في برنامج التدريب. وبالتوازي مع ذلك، برز معطيان جديدان عقّدا الأمور على «المعارضة المعتدلة» التي تحتاج سنةً على الأقل لبدء العمل على الأرض، والمعطيان هما:
دخول الأكراد على خط حماية مناطقهم برعاية أميركية على خطى إحياء أحلام الاستقلال والانفصال تحت مسمّى الحكم الذاتي كمرحلة أولى.
انكفاء ائتلاف واشنطن عن توجيه أيّ ضربة لـ«جبهة النصرة»، بالتوازي مع الغطاء «الإسرائيلي» سياسياً وإعلامياً لتلميع صورة الجبهة التي لا تشكّل خطراً على أمن الكيان في جنوب سورية، تلك المنطقة التي شهدت تقدّماً ملحوظاً لـ«النصرة» والكتائب المرتبطة بها بإسناد عسكري من «تل أبيب».
هذان المعطيان يطرحان علامات استفهام أخرى حول مناطق عمل «الجيش البديل» ودوره الذي يفترض به أن يكون جامعاً للمكوّنات السورية المعارِضة المختلفة. من أين ستكون نقطة البداية بعد «سنة على الأقل» من الآن، أين سينتشر؟ هل يمكن دمج التشكيلات السورية المعارِضة في جيش نظاميّ؟ ما هي عقيدة هذا الجيش الذي يستثني تلقائياً مكوّنات الشعب السوري الأخرى؟ هل نجحت التجربة الأميركية في تشكيل جيش عراقي موحّد، وماذا عن ليبيا؟ في حال شُكّل هذا الجيش، ما هو البرنامج الزمني المتوقع لانتشاره على مجمل الأراضي السورية بعد انتصاره المفترض على كلّ من العصابات المحليّة، و«جبهة النصرة»، و«حركة حزم»، و«حركة أحرار الشام» و«داعش»، فضلاً عن الجيش العربي السوري؟
من غير المنطقي أن هذه الأسئلة لم تخطر بحسبان باحث في معهد «بروكينغز»، لكن الارتباك الأميركي وتضارب الأجندات في ما يخصّ سورية، فتحا الباب واسعاً أمام سيناريوات تهدف في مجملها إلى رفع منسوب الفوضى والتدمير وإطالة أمدهما.
وهنا يقول بولاك في سياق حديثه عن الجدول الزمني: «يحتاج الجيش من سنة إلى سنتين لإعداد الألوية الأولى المطلوبة، وبعد دخول الجيش السوري الجديد إلى الأراضي السورية، فإن تعزيزه بأفراد جدد وتدريبهم قد يحتاجان من سنة إلى ثلاث سنوات أخرى لهزيمة قوات الأسد والقضاء على الميليشيات الأخرى المنافسة. وبعد انتهاء الحرب وإقرار السلام، سيبدأ الجيش إعادة تنظيم نفسه طبقاً لمعطيات الدولة الجديدة واحتياجاتها في المدى الطويل، بما فيها القضاء على العناصر الإرهابيين المتبقين، وقد يتطلب هذا الأمر سنوات طويلة».
كاتب سوري