«بروباغندا»… لعب فوق الطاولة بعيداً عن حساب الخسارات

مجدولين الجرماني

في ما يبدو أنّ بيوت السرّ لم تعد كذلك بل تخفّفت من ثيمتها بعدما صار اللعب علنياً ومن فوق طاولة الحكاية، «بروباغندا»، العنوان دلالاته فيه ولا يحتاج إلى تفسير، ما عدا ما سيأخذه من منحى لتحقيق ذاته الذي قام من أجلها.

فالحكاية بدأت توّاً من هنا وفي هذا الزمن تحديداً بعدما اكتملت علائقها، والتي أشي بأنّها تجاوزت حبوها على الأرض بل ولدت كاملة ما دام هذه الولادة أتت واقفة على ثلاث قوائم، وهي كفيلة بأن تجعلها خفيفة الحركة وفي الاتجاهات كلّها، والتي أسمّيها صراحة «الدعاية، الترويج الصحيح، التبشير».

لنقل إنّ رواية «بروباغندا» الصادرة عن «دار بعل السورية» لكاتبها رامي جميل القاضي، جاءت محمولة على ما ذكرته أعلاه، أي بمعنى أعمّ، هي تدوين لحوادث موجّهة بعناية ومركّزة همّها الأوحد، هو التأثير على سلوكيّات أشخاص بعينهم أو مجتمع كامل، لجعل منه أسيراً لها أولاً، ثم عبداً أجيراً يؤتمر لأمرها بعد إسقاطه في فِخاخها.

ببساطة «بروباغندا» هي عرض المعلومات بهدف التأثير على المتلقي المستهدف بشكل مباشر، والتي تفتح مزاد الأسئلة في ذهنية القارئ التي عصفت بها إرهاصات الحالة انطلاقاً من:

ـ لماذا يستخدم الحقد الطبقي كوسيلة وأداة في الإرهاب؟

ـ لماذا يستخدم الفقر كوسيلة في تفجير وطن؟

ـ وما المبرّر أنّ يُقسّم هذا الوطن، ألا يتّسع لنا كلنا؟

كانت تلك الأسئلة وحدها كافية لكشف النوايا، وهي بسيطة وبديهية وليست مركّبة، نتلمّسها عن كثب من خلال حكايات السوريين الذين وقعوا في فخّها وبشكل مباشر، حين استعمل العدوّ سلاحاً فتّاكاً ومناسباً لهذه المرحلة والحقبة التي تمر بها البلاد، ألا وهو الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي للسيطرة التامة على العقول والذي يفضي في النهاية إلى بيعنا سلاحهم ومخدراتهم والسيطرة على مكوّنات الأرض والسماء. إذاً، كما أسلفنا القول، الدلالة واضحة، وهي تشير إلى دور الإعلام الموجّه للتلاعب بأفكار وعقول البشر للوصول إلى الأهداف بأقل خسائر من الطرف الآخر.

حاول الكاتب تسليط الضوء على مهمة الإعلام والإشارة إلى رؤوس الأموال التي ضخّت في هذا الأمر ودورها في استقطاب الشباب وجرّه إلى تدمير بلده ومن دون وعي بالمشاركة مع أياد خفيّة خارجية للسيطرة على الوطن وتقسيمه وامتصاص خيراته عبر جملة مهمة لم أستطع تجاوزها بالسؤال: «من وضع السكين بيدنا، كان يعلم أننا سنطعن بها خاصرتنا»؟

فنّياً، أقول مرّ السرد سلساً بسيطاً متخفّف من الإيحاء أو الترمير لبيان الحالة، دعم تشكيل المرويّة البنائي من خلال اكساؤها بعدد من الأفكار الفلسفية والتي اعتمدها الكاتب ليعمّق المعاني ويربطها كتفصيلات بين الماضي والحاضر وبين جيل الشيوخ الفلاسفة والشباب القليل الخبرة والتجربة في الحياة، وهي إشارات تشي بإلمامات الكاتب الفلسفية والتي تجلّت بشكل وصايا أو تعليلات على ألسنة أبطاله: «لم تهزم الجلّاد يا ولدي فكيف بنا سنهزم الموت»، «من فرّط الأمل وقلّة الحيلة نعطي القدر فرصة أخرى مرغمون نحن لا أبطال»، «لا تحدثني يا أبي عن العصافير البريئة على الغصن فأحدثك عن كلاب الصيد المتربّصة خلف الأشجار».

ثم يعود بنا متسائلاً: «كيف نقود بعضنا ونحن بمجموعنا مجرّد قطيع تائه؟»، ليعود مرة تالية إلى استنتاج الحالة بقوله على لسان «نعمان»: «لقد تآمرت حبّات القمح على سنابلها ونجت من مجازر الحصاد لكنها ستنتهي في آخر المطاف طعاماً للغربان، الأرض المزروعة بالخوف لن تنبت فيها قامات ممشوقة ولن يرفع فيها رأس ولن تغل فيها سنبلة».

ثم ينحو مرة ثانية إلى كتاب وصياه ليبث قارئه بالسلاح المضاد: «الويل الويل لمن حمل حجر خطيئته وسار به يهدّد الآمنين، فالحقّ أنّ من يحمل سكين خطايا الآخرين كي يذبحهم بها سيأتي يوم يحمل فيه سيف ذنوبه ويغرسه في صدره منتحراً». يقيناً ذهب الكاتب وبشكل مباشر كشريك في هذه الحرب إلى المواجهة المباشرة، حيث بينت علائق مرويّته إلى أنّه حاول جاهداً وبكلّ إمكاناته اللعب مع خصمه بذات السلاح، حين جهد لتبيان نيّة عدوّه وما يتربّصه لأبناء بلده وذلك من خلال رسائل الوعي التي تركها هنا علّ في لحظة تعطي سنابلها الذاوية قمحاً، وهنا وجب التنويه إلى أن فكرة المرويّة بذاتها ليست جديدة أو مبتدعة بل كانت جاهزة وتم الاشتغال عليها بعناية لإسقاطها على الوضع السوري تحديداً من خلال بناء الشخصيات والحدث، وهذا ما كانت تعتمد عليه وكالات الاستخبارات العالمية عبر كتاب الأميركي «كيف تعمل الدعاية البروباغندا» لكاتبه جازون ستانلي، والذي يشي إلى أنّ المرويّة تقولبت في خطّ الكتاب عينه، هذا إضافة إلى ما ابتدعه الكاتب اللبناني عبد الحليم حمّود في كتابه الذي صدر قبل فترة والمعنون «فنّ غسل الأدمغة».

كاتبة سوريّة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى