الفرق بين الرغبة والقدرة

د. رائد المصري

يجري استحقاق الانتخابات النيابية في لبنان بتوقيت حسّاس والنظام الدولي يمرّ بأصعب مخاض له منذ الحرب العالمية الثانية، وكأنّما هناك سباق نحو المجهول حول كيفية إنتاج خريطة نيابية لناحية شكلها وتحالفاتها وقدرة اللاعبين المحليين على توفير المناخ السياسي الذي يعزّز فريقاً إقليمياً أو دولياً يمكن الاتّكاء عليه، إذ إنّ الإثنين عاجزان وفاقدان قدرة التأثير محلياً ودولياً، بعد محو آثار الدرب الطويل وضياع الطريق بفعل التخريب الذي صنعته أيادي العولمة الرأسمالية المتوحّشة وأدواتها الإمبريالية والتي فقدت اليوم شرعيتها الاقتصادية ولا تأثيراً سياسياً لها أو أممياً لا بالمونة ولا بالواسطة ولا حتى بالقوة والقدرة العسكرية الأميركية التي اعتاد عليها هذا النظام الهجين المشوّه. وإليكم الأمثلة عن أزمة كوريا الشمالية وملف إيران النووي وأزمة سورية في عامها الثامن وكذلك اليمن وأخيراً العراق ولبنان في استحقاقهما الجاري هذا العام…..

فالرّغبة في التدخّل والتأثير في الاستحقاق البرلماني في لبنان سعودياً وأميركياً، كانت واضحة منذ البداية، لكن القدرة على ذلك باتت محدودة، ليس بفعل عامل السيادة الذي يتلطّى به بعض السياسيين وحرصهم عليه بقدر ما بات يعرف محدودية هذا الدور الإقليمي للمملكة في لبنان، خصوصاً بعد أزمة احتجاز الحريري فيها وانعدام الثقة بها وممانعة الأخيرة وحذرها من إرسال الجمال المحمّلة بالأموال لحلفائها، في الوقت الذي تعلم فيه علم اليقين أنّ كلّ هذه الريوع بعد الانتخابات ستصب في المصلحة السياسية للمقاومة وحلفائها، لأنّها وظّفت من باب حماية لبنان أمنياً واقتصادياً وسيادياً بعد طرد القوى التكفيرية…

فكان مؤتمر روما الأخير محاولة يائسة على طريقة الحريرية السياسية الكلاسيكية لربط لبنان بسياسات البنك الدولي، مجدداً ومراكمة الديون المالية لجرّه إلى تسويات وتقديمه تنازلات خطيرة جرى إدراج أخطر بنودها في صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية والتنازل عن ثروات لبنان في نفطه وغازه، رهناً لأداة العولمة التي تعفّنت وهي البنك الدولي ، ولذلك يجري الاقتتال على توسيع الخرق في المساحة السياسية لحزب الله من خلال هذا الاستحقاق النيابي، وإظهار ولو بعض مؤشرات الضعف في بيئته الحاضنة، خصوصاً في بعلبك الهرمل، وبعدها لإخراج المقاومة وإبعادها عن فعل التأثير السيادي للبنان من خلال اللوحة البرلمانية المتشتّتة لإعادة ربط البلد بمقوّمات النظام الدولي الإمبريالي الجديد الذي يقوم عماده على مندرجات وحيثيات صفقة القرن التي بدأت تكشّر عن أنيابها وأظافرها في فلسطين والقدس….

وبالدفع ذاته ساق وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس اتهاماته لإيران بالتدخل في الانتخابات العراقية، مشيراً إلى أن لديهم أدلّة على استخدام المال في الانتخابات للتأثير في المرشحين والتأثير في الأصوات، بحسب زعمه..

الولايات المتحدة الأميركية التي لا زالت تعيش فوبيا روسيا وتدخّلاتها، اتّهمت إيران بأنّها تحذو حذو روسيا بالتدخل في الانتخابات العراقية على غرار محاولة روسيا التأثير في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة لمصلحة ترامب…

تصويب وزير الدفاع الأميركي على إيران من وراء حديثه المتقدم، إنما يظهر قلق الولايات المتحدة المتزايد من إمكانية أن تُسفر انتخابات 2018 عن نتائج تعزّز نفوذ محور المقاومة في العراق، مع ما يعنيه الأمر من دور أكبر لقادة هذا المحور والحشد الشعبي في رسم معالم العملية السياسية واتخاذ القرارات المهمّة في هذا البلد، لذلك شرعت الولايات المتحدة في الاشتغال على تعويم تيارات مدنية وليبرالية لتمكّنها بالتحالف مع شخصيات مستقلة وغير محسوبة على إيران خوض هذا الاستحقاق، بعد أن فشلت سياسات أميركا ولجأت إلى استخدام المؤسسات غير الحكومية لخرْبطة البيت الشيعي العراقي… وهي محاولات يائسة شهدناها في لبنان مؤخراً لكن وجب الحذر…

هنا لا بدّ أن نشير للمسؤولية الوطنية الكبرى التي تحمّلتها بعض الأحزاب والقوى السياسية في لبنان، خصوصاً الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث وغيرهما من الأحزاب التي سهّلت إنتاج مرشّحين للندوة البرلمانية وصاغت توافقات وقدمت تنازلات في سبيل مصلحة البلد العليا. وهي مواقف تسجّل لهم في ظلّ هذه الهجمة الشرسة بأقبح وجوهها على محور المقاومة في استهداف ممنهج وخبيث بأدوات أرادوها ناعمة عبر المؤتمرات الدولية بحجّة تدعيم الجيش اللبناني في الظاهر، لكنها تختزن في بواطنها الكثير من السموم والتآمر والتلفيق في محاولات لإعادة عقارب الساعة الدولية والإقليمية الى الوراء لإجراء تسويات مذلّة على حساب حقوق شعوب المنطقة وخيراتها وعلى حساب فلسطين وقضيتها ومن هنا إلى السادس من أيار ستكون للحديث تتمة…

أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى