مشاكسة
قاسم قاسم
في الفضاء الرحب، حيث الامتداد لا ينتهي، شقّ المشاة طريقهم نحو المرتفع، ليطاولوا تلك الغيمة التي راحت تلوّن السماء بهالة من الرقص.
وفيه أطلّ الوادي مرحّباً من البعيد، مادّاً بساطه الأخضر موزّعاًَ ترابه على عربشات دوالي العنب، حيث الرؤية دهشة لا تخطر على البال، فيما ساعد الهواء اللطيف في ترطيب صعوبة الوصول، للذين كابدوا بشقّ النفَس لاجتيازه، إلى أن انخفض تحيّة لهم. وحين بلغوا مرتفعه، قدّم لهم الضيافة من نسمة جاءت من قطعة ثلج عاندت الذوبان، وكأنّها كانت تنتظر قدومهم منذ فصل الشتاء. ولمّا أمطروها بنظراتهم، لم يصدّقوا تلك «المستحية العارية» على خفر، وما أن تساءلوا عن سرّ بقائها، حتى أمدّتهم بانتعاشة لطّفت حضورهم، فاستفاقوا بعد تعب، وارتاحوا على نغمة الأبيض، ثم تابعوا كلحن موسيقيّ راح يداعب الحصى المتناثرة، فيما أطلّ شجر الزعرور، هاتفاً ومرحّباً، ومتمنّياً لهم العودة، حيث حبّاته ستتيح لأصواتهم أن تشدو ولقلوبهم أن تضجّ بالحنين.
في حين أصرّت الأوراق اليابسة في المنزلق على المشاكسة، فبسطت وجودها على التراب، وكأنّها تغار من ملامسة من أحياها، حتى أنها نصبت شباكها بالتعاون مع الأغصان اليابسة للإيقاع ببعض المشاة، ولم تدرِ أنّ الألم، أشدّ من التعب.
إلّا أنّ الطريق البنّي محاط بجمال الطبيعة جعل الوجع يتراجع، حين بلّل بقطرة ماء منسيّة في خزّان مهمل، فأمطر العضلة بزخّة أشفت ما حصل، وببَرَكة من صاحبة الرداء الأحمر أمضى النهار على وهم مضى.