في يوم المسرح العالميّ… «صحوة» على خشبة مسرح الحمراء
دمشق ـ لورا محمود
يقول الكاتب المسرحيّ السوري سعد الله ونوس: «سيظلّ المسرح رغم كلّ الثورات التكنولوجية ذلك المكان النموذج الذي يتأمّل فيه الإنسان شرطه التاريخي والوجودي معاً. فميزة المسرح الذي تجعله مكاناً لا يضاهى هي أن المتفرّج يكسر فيه محارته كي يتأمل الشرط الإنساني في سياق جماعي ويعلمه غنى الحوار وتعدّد مستوياته، فالمسرح ليس تجلّياً من تجلّيات المجتمع المدني فحسب، بل هو شرط من شروط قيام هذا المجتمع، وضرورة من ضرورات نموّه وازدهاره».
ولأنّ المسرح يدلّ على مدى تطوّر الشعوب وعمقها الثقافي الحضاري، قدّمت مديرية المسارح والموسيقى في سورية عرضاً مسرحياً بعنوان «صحوة» من إعداد وإخراج كفاح الخوص على خشبة مسرح الحمراء في دمشق، احتفاءً بيوم المسرح العالمي.
الأحمد
في تصريح للصحافيين، تحدّث وزير الثقافة السوري محمد الأحمد قائلاً: بداية، لا أحبذ أن يكون أي صنف من صنوف الثقافة له احتفالية ليوم واحد نسمّيه عيداً، فالسينما والمسرح والكتاب وكل صنوف الثقافة والفنّ هي عيد يستمر ويتجدّد. واليوم، لمناسبة عيد أو يوم المسرح العالمي أستطيع أن أقول إنّ التجربة المسرحيّة في سورية كانت ثرية في الماضي وثرية في الحاضر وستبقى ثرية في المستقبل. ونحن في وزارة الثقافة ننظر إلى المسرح كقيمة أكيدة تتغلغل في وجدان الناس لأن الفنّ المسرحي فنّ لا يشبه أي فن آخر.
وتابع الأحمد: ربّما تكون السينما أكثر وصولاً وبلوغاً إلى جماهير معينة لكن دائماً علاقة المسرح بالمتلقي علاقة لها نَفس خاص. والمسرح السوري اليوم يعود إلى ألقه، ففي العام الماضي والعام الحالي كسبنا عودة بعض الأسماء الكبيرة الى المسرح فشاهدنا عملا كبيرا للفنان أيمن زيدان وغسان مسعود واليوم تكتمل العروض التي تحقق نجاحات جماهيرية في سورية ونجاحات نقدية في الخارج.
وأضاف الأحمد: نحن في وزارة الثقافة نستطيع القول أن جميع الأعمال التي قدّمناها ولا أتحدث عن الفترة التي توليت فيها وزارة الثقافة كان الهامش بالتعبير دائماً يتّسع فإذا تابعنا الأفلام السورية نرى أنها كانت تتمتع بهذا الهامش والأمر ينطبق على المسرح والكتاب والفنّ التشكيلي. هذا إن دلّ على شيء يدل على أن سورية بلد متين ثقافياً وحضارياً وتاريخياً ومن يملك هذا التراث المتجذّر لآلاف السنوات من الحضارة لا يخشى من أن يعبّر بحرية كبيرة وهذا ما نفعله اليوم على جميع الأصعدة الثقافية وهذا يدل بأننا أمة تتمتّع بماضٍ عريق وحاضر عريق ومستقبل عريق.
وهنّأ الأحمد أهل المسرح وأهل الثقافة السورية بيوم المسرح العالمي وقال :ليس خافياً على أحد بعد انتصار سورية وهي تنتصر كل يوم سيكون هناك إعادة إحياء لمبانٍ تضرّرت وإحياء لمبانٍ جديدة ونحن بالاتفاق مع الوزراء المعنيّين كوزير الأشغال العامة والإسكان ووزير الإدارة المحلية والبيئة اجتمعنا لنضع تصوّر لعودة المسارح. ونحن عندما نقول صالة سينما يجب أن تكون صالة مسرح أيضاً فلا فرق كثيراً بينهما. وفي خطّة إعادة الإعمار نحاول أن يكون لدينا في جميع المباني الهامة صالات سينما ومسرح لأنني أعتقد أن المشكلة الحقيقة التي تعرّضت لها السينما وكذلك المسرح هو قلة الصالات فعدم انتشار الفيلم السوري والمسرحية السورية كما نبتغي لهما بسبب عدم توافر صالات وهذا ما سنعمل عليه مستقبلاً وهذا ما نؤسس له في وزارة الثقافة.
وعن عرض مسرحية «صحوة» وما قدّمته من رسالة لفت الأحمد أكبر رسالة ممكن أن تخرج بها بعد متابعة هذا العرض المسرحي أن سورية كانت دائماً منتصرة وتمتلك طاقات ومواهب حَمت البلد وكما استطاع الجيش السوري أن يحمي حدود البلاد، كذلك قام المثقف سواء كان مسرحيّاً أو تشكيليّاً أو سينمائياً أو كاتباً استطاعوا أن يقدّموا الحماية المطلوبة لهذا البلد، فكما نعلم أن الاستهداف لم يكن استهداف منحصر بالحجر لقد كان الاستهداف ثقافياً، ونحن نردّ عليهم اليوم كلّما أنتجنا مسرحيّة أو فيلم سينمائي أو أقمنا معرضاً تشكيليّاً أو طبعنا كتاباً، ونؤكد أن سورية ماضية ومستمرة وتستند إلى تجربة عظيمة.
جلول
وعن الاحتفالية قال عماد جلول مدير المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة: نحتفل بالمسرح طوال العام، وفي يوم المسرح العالمي نحْيي هذه المناسبة بتقديم احتفالية نستقطب من خلالها جمهور المسرح ليكون مع المسرحيّين في هذا اليوم كنوع من تبادل الوفاء حيث لم تتوقف عروضنا طوال سنوات الحرب على سورية وظلّ الجمهور مواظباً على حضورها ليكون البطل الأول في هذه المواسم المسرحيّة.
وأضاف جلول: استقطبت المديرية نجوم الفنّ السوري ليكونوا موجودين في الموسم المسرحي وقدّموا عروضاً مسرحيّة أشبه بهدية للجمهور السوري أمثال الفنانين القديرين غسان مسعود وأيمن زيدان الذي سيبدأ بروفات عرضه المسرحي الجديد قريباً لتكون ضمن المستوى الفني الذي اعتدنا على تقديمه من هذا الفنان الكبير.
الخوص
بدوره، قال مخرج المسرحيّة الممثل كفاح الخوص لـ«البناء»: نحن مستمرون بالعمل المسرحيّ مهما كانت الظروف سواء جيدة أو سيئة لأننا مؤمنين بدور هذه الخشبة وبدورها الحساس المباشر مع المتلقي وبدور الرسائل المهمة التي يستطيع المسرح نقلها وهذا ما يمّيزه عن باقي الفنون وبالفعل المتلقي يكون موجوداً ليستقبل هذه الرسالة.
ونوّه الخوص أن المسرح من واجباته أن يطرح الأسئلة ويضيء الأماكن المظلمة، أمّا الحل فهو عند صاحب الحلّ الذي يملك الحلّ الفعلي نحن نسلّط الضوء على بعض المواضيع التي تبقى أفكار في الذهن ووجهات نظر نقدّمها على المسرح .
وعن العرض والشخصيات لفت الخوص أن العرض هو مجموعة نصوص وشخصيات لها مقابل في حياتنا اليومية كريتشارد الثالت وأوفيليا وإدغار وإدموند الأخ الشرعي وغير الشرعي ونقوم بنسج هذه الكومة المسرحية التي يعيش فيها هذا الممثل المسرحي الذي أفاق.
وقال: في العرض هناك فرح وضحك ومن المفروض أن يكون هذا دور المسرح فلا يستطيع المشاهد أن يأتي ليرى ما يشاهده في المنزل لا بدّ أنّ نقدك اليوم شيء يخرجنا من حالة الحزن إلى الفرح.
والي
وفي سؤال طرحته «البناء» على مديرة المسرح القومي الممثلة أمانة والي عن رأيها بأنّ ممثل التلفزيون عندما يمثل مسرحاً، فهو قادر أنّ يشدّ المشاهد أكثر، أجابت والي وهي إحدى بطلات المسرحية: عندما يعرف الناس النجم التلفزيوني ويصبح هذا النجم مسرحياً، فهو يستقطب الكثير من الجمهور. وممكن أن يأتي الكثيرون كي يشاهدوه. لكنني لا أؤمن بالنجم الذي يعمل بالتلفزيون دائماً ولا يعمل بالمسرح أبداً، وفجأة يقرّر أن يمثل مسرحية. فممثل التلفزيوني يمكن أن يكون مهلهلاً إذا لم تكن لديه خبرة مسرحية كبيرة. فأنا منذ تخرجي إلى اليوم أعمل بالمسرح إضافةً إلى عملي في التلفزيون. فالمسرح يريد استمرارية وكما تنقطعي عنه ينقطع عنك.
وعن الموجة السينمائية والمسرحيّة اليوم وهل هي بمثابة توجيه صفعة للدراما كي تنتعش وترجع كما كانت، قالت والي: نحن اليوم بحالة انتعاش كاملة والانتعاش يمكن أن يُعدي الفنّ ونحن متفاءلين فقد قضينا سبع سنوات عجافاً نريد بعدها أن نقدم شيئاً مهمّاً ونقدّم آمالاً وأحلاماً لجيل الحرب ليتنفسوا، فإذا توقفت الحرب قليلاً سينتعش الاقتصاد، بالتالي ينتعش كل شيء وأنا من موقعي كممثلة أرى الجزء الملآن من الكأس، وقد قبلت أن أكون مديرة مسرح قومي كي أقدم شيئاً وأن أغير وأن أحسّن، وكلٌّ من موقعه قادر أن يغيّر ويحسّن.
وأضافت والي: نحاول أنّ نقدم كل ما نستطيع اقتصادياً وفنّياً ونحاول أن نشرك الفنانين والفنيين الكبار والصغار وأن نقدّم مِنحاً للمسرحيين الجدد وهناك بعض المغريات للمسرحيين الكبار. وأحاول قدر الإمكان أن استجلب أيّ أحد لديه شيء يريد أن يقدّمه على المسرح، والوزارة تساعدني ومدير المسارح أيضاً. لذا أنا متفائلة .
الجراح
وقال الممثل القدير محمد خير الجرّاح الذي قام بدور «جبران» في المسرحية: مسرحية «صحوة» عمل يستعرض مفاصل مهمة بالمسرح العالمي وفي الوقت عينه يحاول أن يحكي عن ممثل المسرح ومعاناته في كل أنحاء العالم وخاصة محلياً.
وأضاف الجراح: يعتمد العرض على أداء الممثل. فالممثلون جميعاً في العرض مؤمنون بالقصة. الوجع الكبير الذي يعانيه ممثل المسرح يجب أن يحكى عنه لأنهم ممثلون مسرح حقيقيون كانوا بهذا التآلق الكبير. وجبران هو ممثل المسرح الذي يعاني.
وعن النقد الذي تناولته المسرحية رأى الجراح أنه من الضروري أن يكون هناك نقد حقيقي، فنحن لا نسبّ ولا نذمّ أحداً، بالعكس نحن نسلّط الضوء على الملاحظة ونقدّمها.
ولفت الجراح إلى أن الذي يعمل مسرح اليوم وخاصة الأسماء الكبيرة هو بمثابة فشة خلق ، فشروط المسرح ضعيفة وهذه المبادرات من باب الحماسة ليفرغ الممثل طاقة ويملأ الفراغ، وهذا أمر جيد، لكن السبب ليس جيداً، فيجب أن يكون السبب بأننا نريد أن نقدّم مسرحاً بالفعل.
يذكر أن المسرحية إعداد وإخراج كفاح الخوص وتضمّ مجموعة من الشخصيات يؤدي أدوارها الفنانون: أمانة والي بدور «الليدي ماكبث»، محمد خير الجرّاح بدور «جبران»، وئام الخوص بدور «الزرقاء»، وسيم قزق بدور «رتشارد الثالث»، حسن دوبا بدور «إدموند»، فرح ديبات بدور «أوفيليا»، وخوشناف ظاظا بدور «حفّار القبور»، مع مشاركة فرقة «آرام للمسرح الراقص». ويضم فريق عمل المسرحيّة: ريم الخطيب تصميم الديكور، سهى العلي تصميم الأزياء، أدهم سفر تصميم الإضاءة، منوّر العقاد تصميم المكياج، زهير العربي التصميم الإعلاني، وراكان العضيمي تنفيذ الصوت.
لم يقتصر الاحتفاء بيوم المسرح العالمي على احتفالية دمشق، بل كان موجوداً في عدّة محافظات هي اللاذقية وطرطوس والسويداء وحلب والحسكة وستستمر العروض لأيام عدّة.
ويحتفل العالم باليوم العالمي للمسرح في يوم 27 آذار من كل سنة، حيث تقام جملة من الأنشطة والاحتفاليات الخاصة بهذه المناسبة التي جرى العرف أن يتم اختيار شخصية إبداعية ومسرحيّة لكتابة كلمة خاصة، بهذه المناسبة تلقى في اليوم ذاته ويتم تعميمها على جميع المؤسسات المسرحية في العالم وتم اعتماد هذه الاحتفالية من «المعهد الدولي للمسرح» عام 1961، إلّا أن هذا العام تضمن خمس كلمات لخمسة مسرحيّين من أنحاء العالم تم قراءة مقتطفات منها في بداية العرض من قبل الفنان كفاح الخوص.