هيام حموي… وخمسون سنة عبر الأثير الإذاعيّ: أحلم بلقاء السيّدة فيروز

لورا محمود

في صوتها حنين يلامس مساءاتنا الدمشقيّة الجميلة، تلك التي تحفّزنا على الحلم في وطن نحبّه وتعشقه، فحملته في قلبها وسافرت به وأثرت بهويّتها الدمشقيّة على كلّ مكان حلّت به وعملت فيه، فقرّبت المسافات والثقافات بما كانت تقدّمه من برامج تحمل الهمّ الثقافي، واستطاعت بصوتها أن تهذّب مسمعنا وتجعل منه ورقة بيضاء جاهزة لتلقّي أيّ معلومة وفهمها بهدوء وبلا تكلّف. كيف لا؟ فهو صوت له خصوصيته التي تخرج من الروح والقلب، لذا كنّا عبر الأثير نشعر أنها حاضرة كلّها لا بصوتها فقط.

هي هيام حموي الهائمة في روح الشعر والأدب والكلمة، ومن لا يعرف برامجها «ذهب الزمان» و«فتافيت السكّر» و«مسرح المستحيل» و«راديو رومانس» و«تاكسي أف أم»؟ إعلامية نظّفت ذائقتنا السمعيّة ولبست الحبّ ونقلته لنا فعاشت فينا، وصوتها الحنون كدمشق باق كبصمة الأصابع لا مثيل له ولا يشبهه صوت.

الإعلامية هيام حموي احتفت بها «جمعية تاء مبسوطة» من خلال استقبالها في صالونها الثقافي، في ذكرى مرور خمسين سنة على بدء عملها في الإذاعة، التي كانت فيها صوت سورية الحقيقيّ في «إذاعة مونتي كارلو» و«إذاعة الشرق» واليوم عبر أثير «إذاعة شام أف أم» في جلسة حملت الكثير من الأبعاد الثقافية والاجتماعية والإنسانية، وقدّمتها رئيسة مجلس إدارة «جمعية تاء مبسوطة» ديانا جبّور.

هيام الأهل والزواج

بدأت حموي حديثها عن حياتها الشخصية، فهي لم تتزوج ولم تكن لديها رغبة في إنجاب الأولاد، والإذاعة لم تمنعها من الزواج. وقالت: تفرّغت لهذه المهنة التي أحبّها، ولو كنت أفكّر بالزواج لكنت تفرّغت للعائلة فقط. وهذه قناعاتي، أنا لا أحبّ أن أتحدّث كثيراً عن نفسي، ولا أريد أن يظنّ أحد أنني أروّج لهذه الأفكار. هذه أفكاري التي تخصّني وتناسبني وليس على أحد أن يفعل مثلي. ومن الصعب أن يقبل أحد بهذا إلّا مقابل تنازلات، لكنّني لم أتنازل عن شيء أبداً ولست بوارد أن أتنازل. فأنا صادقة مع نفسي جداً وأعيش مع قناعاتي وخياراتي. أما أهلي فأنا فخورة بهم وبتعاملهم المتفهّم والنادر معي.

هيام والإعلام والإعلان

ورأت حموي أنّ الإعلام وسيط لنقل معلومة من شخص إلى آخر أو لنقل حالة عامة. وقالت: لم أبحث يوماً عن نجوميّة الفنان أو الضيف الذي أحاوره بقدر ما يقدّمه هذا الضيف من شيء جميل وذي فائدة ومتعة للناس، وإلّا لا داعٍ لاستضافته. وإن لم يكن لديّ شيء مهم أقدّمه إلى الناس أضع أغنية جميلة وأدع المستمع يستمتع بأغنية تعدّل مزاجه.

وصفت حموي وسائل التواصل الاجتماعي بالكارثة الكبرى، وأضافت: كان الهدف منها تسهيل العمل والحياة، وإذ بها تسيء إلى الحياة المهن وكلّها، وخصوصاً الإعلام، وأصبحت تتحكّم بحيواتنا.

وتحدثت حموي عن المسابقة الأولى التي قدّمتها في إذاعة «مونتي كارلو» خلال شهر رمضان، عندما قال لها مدير الإعلانات يجب أن يكون الرابحون فقط من المملكة السعودية، باعتبار المسابقة برعاية «جبنة البقرة الضاحكة» التي توزّع فقط في السعودية، فقلت له: «هل من المعقول بعد كمّ الرسائل الذي أتت من الدول العربية كلّها أن يكون الرابحون فقط سعوديين؟ فحاولت أن أقدّم حلّاً وسطاً يظهرني أنا ومؤسّستي بشكل لائق، وهذه من الأمور التي كنت في الحقيقة أعاني منها.

هيام والمواقف المحرجة

وعن بعض المواقف المحرجة التي تعرّضت لها وخرجت منها بذكاء قالت حموي: عندما تغيّرت إدارة «مونتي كارلو» وجاءت إدارة جديدة، وُضعت سياسة جديدة، فأصبح عندهم مراسل في «تل أبيب»، وأصبحوا يهتمون بأمور كانت بإدارة أنطوان نوفل، ممنوع تخطّيها وهناك حدود لها، فحتى «معهد العالم العربي» الذي كنّا فرحين به وبما يستضيف من فعاليات ثقافية في باريس أيضاً وضعت اليد عليه. ففي عام 1991 كانت هناك سيدة «إسرائيلية» تذهب إلى المناطق الفلسطينية وتعتني بالأطفال الفلسطينيين وتشتري لهم الكتب والدفاتر بحجة أنهم يجب ألّا يتركوا المدرسة، وقامت مخرجة مغربية بإخراج فيلم عن هذه السيدة وتريد عرضه في «المعهد العالم العربي»، وكانوا يريدون الترويج للفيلم والقيام بمقابلة مع السيدة «الإسرائيلية» والمخرجة المغربية. ومن بين عشرة زملاء ومن مختلف الجنسيات تقوم الإدارة بانتقائي فرفضت واقترحت زميل فرنسيّ لديه جواز سفر «إسرائيلي» ليكلّف بالمهمة.

هيام وأهمّ الشخصيات

وقالت حموي: أهم ما قدّمته في إذاعة «الشرق» حوار مع الدكتور عبد السلام العجيلي، فهو إنسان لا يشبه إلّا السوريّين وكلامه مؤثّر. وحوار مع الممثلة المصرية سعاد حسني حيث التقينا في «مهرجان سينما»، وقلت لها إنني أريد استضافتها فرفضت، فاقترحت عليها أن تكون هي المذيعة وأنا مساعدة لها، فأحبّت الفكرة ووافقت. كانت مقابلة مؤثّرة وبدت حسني على حقيقتها بخفّة دمها وذكائها وعمقها وهي من المقابلات التي أحبّها جداً.

وتابعت: هناك شخصيات تمنّيت لو التقيت بها، كالرئيس الراحل حافظ الأسد. وأحلم بلقاء السيدة فيروز وحتى اليوم لم تحدّث هذه المعجزة.

هيام ونزار قبّاني

وتحدّثت حموي عن لقائها بالشاعر نزار قبّاني عند دعوته إلى باريس، حيث كلّفت بإجراء لقاء معه في الإذاعة. وذهبت لاستقباله في الفندق بعد وفاة زوجته بلقيس وصدور كتاب عنها، وتقول: وجدته رجلاً حزيناً جداً، ومهموماً. فعرّفته بنفسي من إذاعة «مونتي كارلو» ورغبة الإذاعة في إجراء حوار معه، فأجابني: لا رغبة لديّ في الكلام، والحزن الذي في أعماقي وضعته في القصيدة. فاحترمت رغبته وحزنه وعدت إلى الإذاعة، واقترحت أن تسجّل قصيدة بلقيس وتبثّ بشكل متقطّع على مدار اليوم.

وتابعت حموي: بعد وفاة محمد عبد الوهاب عام 1991 كنّا نقوم ببرنامج عنه، واتصلت بالدكتور صباح قبّاني وتكلّم وقال لي: لماذا لا تكلّمي أخي نزار؟ وفعلاً كلّمته وسجّلت له ما قاله، إنّما استوقفني اهتمامه واحترامه الكبير لما سيقوله بعبد الوهاب، حيث طلب أن أمهله ساعة ليكتب ما يريد التحدّث به، وبعدذاك طلب منّي المجيء إلى لندن لإجراء مقابلة لأنه كان عندئذٍ مستعدّاً لذلك، وطلب أن أحضّر الأسئلة وأرسلها إليه، فذهبت إلى مديري وطلبت أن أجري مقابلة مع نزار قبّاني، وقال لي: ما أهمية هذا الشاعر؟ قلت له: وكأنك جمعت أندريه بروتون مؤسّس الحركة السريالية وجاك بريفير أرقى شاعر فرنسي، وإذا منعتني من الذهاب سأذهب على حسابي الشخصي وأعطي المقابلة لإذاعة أخرى. فقال: لا، اذهبي. وطلبت منه ألا نحذف أيّ شيء من كلامه، فوافق وبعدئذ ذهبت إلى لندن ووصلت إلى الفندق، وكان تاركاً لي كتاب «قصّتي مع الشعر» لأنه سألني إذا كنت قرأته فأجبته أنني لم أجده في مكتبات باريس، فقرأت الكتاب وأضفت بعض الأسئلة وذهبت على أساس أن تكون المقابلة لمدة ساعة، لكنها استمرت لأربع ساعات فاقترحت على الإدارة أن نبثّ المقابلة في حلقات متتالية فوافق مديري الفرنسي على أن تكون برعاية جهة معيّنة فرفضت، لأن نزار قباني يجب ألا يكون برنامجه برعاية أحد، وهذا احترام لشخصه. واسمه وكان لي ذلك وبثّت الحلقات من دون رعاية.

محليّ وعالميّ

وعن الفرق بين العمل في إذاعة محلية والعمل في إذاعة عالمية قالت حموي: لديّ مقولة وأعتبرها فلسفة «كلّ مؤسّسة تشبه مديرها»، فإذاعة «مونتي كارلو» كان مديرها رائعاً، وكانت منتشرة. وعندما تغيّرت إدارتها تغيّرت طبيعتها كمؤسّسة. وينطبق الحديث حتى على إذاعة «الشرق». وأنا لن أتمكّن من العودة والعمل في مؤسّسة محلية، لو أنّ مديرها لا يوافق على المناخ الذي أعمل فيه عادة. ومدير إذاعة «شام إف إم» احترم المساحة الكبيرة التي أعمل خلالها، وأشكره على الحرّية التي منحني إياها.

الراديو اليوم

وردّاً على سؤال «البناء» حول أهمية الراديو اليوم في ظلّ الانتشار الكبير للتلفزيون والإنترنت، وهل الأجيال اليوم ستعود لتحبّ الراديو كما كانت الأجيال السابقة، أجابت حموي: في الوقت الحالي الأمر صعب، ولكن بإمكاننا نحن المخضرمين أن نقف في مواجهة المدّ الغربي والوقوف في وجهه. فالناس سعداء اليوم بتكريس حالة النجومية وجمع المشاهدات والمتابعات، والتي قد تكون مسيّسة وغير حقيقية في حالات كثيرة. لكنّني أؤمن أنّ الناس سيعودون إلى الراديو، وهذا ما أعمل على تقديمه منذ عشر سنوات، وهو «متحف الصوت» حيث أعيد الناس للاستماع إلى الراديو، إضافة إلى العلاج عبر الصوت، وهذا بحاجة إلى دعم.

الرسالة المطلوبة

عن ظروف العمل خلال الأزمة وهل استطاعت تأدية رسالتها قالت حموي: لا أعرف إذا كنت قد أدّيتها، ولكنّني كنت دائماً أقول لفريق العمل: علينا أن نخرج من الحالة المفروضة علينا ونتخيّل أننا نستطيع الدخول في مرآة، وننتقل منها إلى كوكب آخر. رغم ما يحيط بنا من أجواء كانت صعبة ومخيفة، فكنت أقدّم برنامجي وأطَمْئِن المستمع. وكنت أسعى دائماً لأن أوصل فكرة بأننا سنبقى ممسكين بأيدي بعضنا طوال الفترة السابقة.

بطاقة

هيام حموي إعلامية سورية من مواليد دمشق عام 1946، عاشت فترة من حياتها في مدينة حلب، وأكملت تعليمها في مدرسة «الفرنسيسكان»، وتخرّجت في قسم اللغة الفرنسية في جامعة دمشق، وحازت درجة الماجستير، بدأت رحلتها الإذاعية في الإذاعة السورية القسم الفرنسي في أواخر الستينات من القرن الماضي، ثمّ سافرت إلى باريس لتكون من أوائل الذين ساهموا في تأسيس إذاعة «مونتي كارلو» عام 1972. ثمّ انتقلت إلى «إذاعة الشرق» التي تُبثّ من باريس. عملت بعدئذ مراسلة كمتعاونة مع الموقع الإلكتروني «سي أن أن عربية» في باريس. درّبت في عدد من المحطّات الإذاعية والتلفزيونية. وفي عام 2007 انتقلت إلى العمل في إذاعة «شام أف أم» في دمشق، وتتولى إدارة البرامج في الإذاعة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى