الممثّلة سهير نصر الدين لـ«البناء»: الممثّل يستحقّ المشاركة لإثبات قدراته… لكنّ مافيا الإنتاج لا تسمح بذلك
حاورتها: رنا صادق
ابنة القماطية في جبل لبنان، جهدت وعمدت أن تكون حرّة لا تقيّدها الحواجز والاحتكارت في عالم الدراما والتلفزيون، لأنها حتّى الآن لم تفقد يوماً همّتها وعزمها. الممثلة والمدبلجة اللبنانية سهير نصر الدين صنف آخر من عالم التمثيل، تفرّدت بحضورها الجميل وحلّت ضيفة في أعمالٍ عدّة منذ سنتين حتّى اليوم.
مشاركاتها قليلة، وشهرتها ليست واسعة، لا تقصيراً منها أو قلّة خبرة، بل بسبب احتكار عالم الإنتاج بعضَ الممثلين ذوي المظهر «المفخّخ» وتقديمهم إلى الجمهور، من دون السماح لأصحاب الخبرة والاختصاص بالمشاركة ودخول عالم التمثيل من وسعه.
نعم، عالم التمثيل في لبنان صعبٌ ومحتكَر، وهذا أمر ليس بجدبد على لبنان عموماً، وقطاع الفنّ والتمثيل خصوصاً.
«البناء» التقت الممثلة سهير نصر الدين للتعرّف إلى آخر أعمالها المدبلجة ومشاركاتها التمثيلية.
درست في «ثانوية سوق الغرب» حتى الاجتياح «الإسرئيلي»، ثم انتقلت مع عائلتها إلى بيروت، وهناك درست في الجامعة ـ كلّية العلوم الاجتماعية، وتركت التعليم بعد وفاة والدها.
حزنها على والدها تدفّق من بريق عينيها، ورجفة يديها، حيث لم يترك خلفه الحزن فقط، بل ترك شابة قوية، مليئة بالطموح، وذات كبرياء. ثمّ درست التمثيل وعملت في مجال مسرح الأطفال.
سهير نصر الدين، الموهبة التي لم تُستغلّ بعد في زمن باتت الكماليات والشكليّات تطغى على الموهبة والجهد في المنافسة. لم يَحْبُها الله بموهبة التمثيل فقط، بل خصّها بموهبة الصوت الجميل، غنّت لنفسها من نفسها، وداوت بصوتها جروحها وواست آلامها، إلى أن خاضت تجربة العمل في الدبلجة.
تتلذّذ سهير في سماع صوتها وراء الميكرفون. ذلك الشغف لصوتها، الذي يأتي معه حضوره وبروزه.
التمثيل بالنسبة إلى سهير نصر الدين متعدّد المسارات والاتجاهات، ليس موهبة فقط، بل تعبير عن المعاناة التي يمرّ بها الفرد من خلال الأدوار التي يقوم بها الممثّل. مع العلم، حسبما تذكر، أنّها لم تؤدِّ دوراً يمثّلها، لكنّ ذلك لا يلغي أن يجسّد الممثل كلّ شخصية. أي بعبارة أخرى، تعتبر أنّ الفرصة الحقيقية للتعبير عن ذاتها لم تأتِ بعد ولن تأتي.
الدور الأبرز الذي يعبّر عن ذات سهير نصر الدين هو الدور المفعم بالألم والمعاناة والصبر وما إلى هنالك من مشاعر تعلّم الإنسان استمداد القوّة من ذاته ليشعّ أملاً ونضوجاً. فهي تعتبر أن حياتها منذ رحيل والدها تأخذ اتّجاهاً مظلماً إلى حدٍّ ما.
تجاربها
لسهير نصر الدين تجارب مع قناة «المنار» وشركة «مركز بيروت الدولي للإنتاج الفنّي» قبل عام 2006، ثمّ فيلم «أهل الوفا» للمخرج اسماعيل نجدت أنزور، ومسلسل «الغالبون»، وأخيراً «بلاد العزّ».
مشاركتها في مسلسل «بلاد العزّ» بدور «وداد» أضاءت على سهير القديرة، تلك المرأة الثائرة التي تدعم ثوّار منطقتها، كان لها زوج قويّ وشجاع وله سلطة، لكنه يموت أو بالأحرى يُغيَّب، ثم يأتيّ رجل تركيّ الأصل صديق زوجها يطمع بها وبثروتها التي ورثتها عن زوجها، ويحاول سرقتها. هذا الدور أعطاها حافزاً جديداً لأداء الأدوار المماثلة، وتجسيد شخصية شبيهة بتلك التي شغلت الناس في «بلاد العزّ»، حيث أغرمت سهير بـ«وداد».
وتقول سهير نصر الدين عن الدور: هذا العمل أعطاني دفعة نحو الأعلى، سمح لي أن أشارك بعضاً من حقيقة الواقع في تلك الحقبة. ووقوفي إلى جانب الممثل القدير أحمد الزين منحني فرصة للظهور أكثر، وزاد من ثقتي بأدائي. أنا راضية عن العمل وكلّي أمل أنّ هذه الأعمال التاريخية ستُخلّد، وستبقى إرثاً حقيقياً.
«بلاد العزّ» عُرض في رمضان الماضي على قناة «المنار»، وعُرض لاحقاً على قناة «الجديد»، ويعرض حالياً على قنوات شتّى. يحكي حكاية الثوّار في منطقة بعلبك ـ الهرمل، وكيفية قيامهم بثورتهم تلك إبان الاحتلال الفرنسي للمنطقة. حيث يتناول المسلسل الفترة التاريخية الممتدة بين عامَي 1925 و1927 في البقاع حين تصدّى الثوّار للاستعمار الفرنسي، وهو الكفاح الذي شكّل اللبنة الأولى لاستقلال لبنان. كما يتناول المسلسل التأثير الذي أحدثته الهجرات اليهودية في تغيير خارطة العالم العربي. ويزيل تلك الصورة النمطية عن منطقة وُصمت زوراً بعار تجارة المخدّرات.
أعمال تاريخية
وردّاً على سؤال حول توجّهها نحو التمثيل في المسلسلات التاريخية، تقول: من حيث القيمتين الفنّية والإبداعية، الأحسن هو العمل التاريخي، وأكثر ما كان يبعدني عن التمثيل هو الإنتاج الهابط والمواضيع السخيفة التي تطرح، والتي لا تمثّلني بتاتاً، وذلك خوفاً على اسمي وسمعتي. لذلك اتجهت نحو الأدوار التي أقتنع بها فكرياً ونفسياً وعملياً.
وتضيف: أعمل على تحسين عملي، وأغربل حتى أحصد الأنجح والأبرز. لذلك، إنّ الأداء الذي أقدّمه هو فنّي وعملي الحقيقي، والأهم أنّه يعبّر إلى حدٍّ ما عن ذاتي.
شركات الإنتاج باتت كالعصابات، تعتمد بعضاً من الممثلين، من دون السماح لذوي الخبرة والاختصاص أن ينالوا فرصَهم في الظهور، الأمر الذي يحكم عمل الممثل كثيراً، ويعيق مسيرة سهير وغيرها من الممثّلين المحترفين.
المشاركة في فيلم «بالغلط» كانت تجربة ذات فرادة من حيث المشاركة إلى جانب زياد برجي وطاقم العمل كلّه. عمل جديد من نوعه، مميّز، النصّ متكامل، باختصار أمتعتني المشاركة فيه.
وأضافت: إنّ العمل مع رائد سنان رائع، هو شاب قويّ جادّ ويستحق ما وصل إليه حتى اليوم.
الدبلجة…. والدراما السورية
في الدبلجة، بدأت سهير مشوارها بدبلجة الرسوم المتحرّكة، ثم خاضت موجة العمل بالمكسيكي. أما الأعمال التركية فتُدبلَج باللهجة السورية كما هو معروف، عملت بدبلجة الأعمال البرازيلية، الهندية وغيرها من الأعمال. «واليوم، الدبلجة خفّت كثيراً، لكننا نعمل في الشقّ الوثائقي وفي أفلام الكرتون».
من الأعمال المدبلجة التي شاركت فيها: «أصحاب الكهف»، «أميرة الروم»، «آليس في بلاد العجائب» فيلم 1951 ، «ثانوية الاستخبارات»، و«جامعة المرعبين»، «خلف حائط الحديقة»، «السنافر»، «مات هاتر»، «ألف ليلة وليلة»، و«يوسف الصدّيق» في دور «تياميني».
هذه الفترة زادت الدراما اللبنانية بسبب الدراما السورية، هذه الدفعة كان سببها المشاركات والأعمال السورية التي تركت بصماتها على الدراما اللبنانية. وأهم من ذلك، المسلسلات المختلطة التي زادت من عفوية الأعمال، لأن الممثلين السوريين لديهم عفوية وصدق.
صرخة
«ثمة إقفال على الفنانين من قبل شركات الإنتاج»، هذه صرخة سهير وزملائها الذين يواجهون «بلوك» نُصب بينهم وبين الفرص. الفرص المواتية للظهور أكثر، وتحقيق الذات أكثر.
وتقول في هذا الصدد: لا يعطوننا فرصة ليتعرّف الجمهور إلينا. المنتجون بغالبيتهم لا يريدون ممثلين حقيقيين، يريدون ذوي المظاهر المفخّخة، التي يستجدون من ورائها تحريك غرائز المشاهدن لا أكثر. الفنان لا يعرف سوى التمثيل، المتخرّجون يتم إلغائهم. حرام الذي يحصل.
فرصة
ختاماً، تشارك الممثلة سهير نصر الدين في مسلسل «طريق» إلى جانب الممثلة نادين نجيم وعابد فهد، ومسلسل «عندي قلب» إخراج أسامة حمد وإنتاج شركة «صدى» بدور «فدوى»، وهذا الدور جديد وجريء، فيه معاناة. بنت فقيرة كانت تتسوّل، وتلتقي صدفةً شخصاً سيئاً، يجرّها إلى مجتمه الملوّث والمظلم، مستغلّاً براءتها.
هي صرخة تطلقها الممثلة سهير نصر الدين اليوم، ومعها عشرات الممثلين والممثلات الحقيقيين، الطامحين إلى الظهور بما يليق بقدراتهم ومواهبهم ودراساتهم. لا أن يأتي المنتجون بطارئين وطارئات على مهنة التمثيل، وجلّ ما يملكونه جسداً… وسيليكون!