غصن من مؤتمر العمل العربي في القاهرة: لمواجهة استحقاقات المرحلة بحركة نقابية موحّدة

أكد الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب غسان غصن استمرار الاتحاد «في دعم القضايا المصيرية وحقّ الشعوب في التحرُّر»، مشدّداً على «أنّ استحقاقات المرحلة لا يمكن مواجهتها إلا بحركة نقابية موحّدة لا بالشرذمة والتشتيت».

ولفت غصن، في كلمة ألقاها خلال الدورة 45 لمؤتمر العمل العربي في القاهرة، إلى «أنّ الدورة الحالية تكتسب أهمية كبيرة، خاصة أنها تبحث عدداً من الموضوعات المهمة على رأسها تقرير المدير العام لمكتب العمل العربي فايز المطيري، وعنوانه: «ديناميكية أسواق العمل العربية.. التحولات ومسارات التقدم»، كلها ملفات تتمحور حول أهمية العمل العربي المشترك في كافة المجالات، وأيضاً مواجهة أخطر تحدي يواجه الوطن العربي وهو البطالة والسعي نحو خلق فرص عمل حقيقية ولائقة. وهو ما يؤكد حرص منظمة العمل العربية، تنسيقاً مع الشركاء الاجتماعيين، ودعواتها المستمرة إلى الربط بين التنافسية والتشغيل بما يؤدي إلى الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية والبشرية، ودعواتها إلى المزيد من العمل العربي المشترك لمواجهة تفشي ظاهرة البطالة الخطيرة».

وأشار إلى أنّ الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب «ساهم إلى جانب منظمة العمل العربية والشركاء الاجتماعيين خلال السنوات الماضية في وضع التصور وتقديم الاقتراحات التي تخدم تلك الأهداف، منطلقاً من الثوابت التالية:

أولاً: التأكيد على أنّ العمل قيمة إنسانية وحضارية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية ونفسية يجب إيلاؤه مكانة متقدمة في مضامين التنمية وتوفيره بكفاية وعدل.

ثانياً: التنبيه إلى أنّ آثار البطالة لا تقف عند حدود فقدان الدخل وهدر الطاقة الإنتاجية والاستثمارات الإنتاجية بل تتعدّاه إلى ضعف الانتماء والشعور بالتهميش وتهديد السلم الاجتماعي والأمن القومي الوطني والعربي.

ثالثاً: التركيز على قرارات مؤتمرات العمل العربي المتعاقبة بشأن تسيير تنقل الأيدي العاملة العربية بين البلدان العربية، لا سيما أصحاب الكفاءات بشكل خاص وزيادة الاعتماد على اليد العاملة العربية، وكذلك تحسين جودة التعليم.

رابعاً: تمويل برامج منظمة العمل العربية لدعم التشغيل والحدّ من البطالة وفقاً لمكونات الشبكة العربية لمعلومات سوق العمل والمرصد العربي للتشغيل والبطالة.

خامساً: دعم برامج توظيف الوظائف وتحسين إدارة العمالة المتنقلة.

سادساً: المواءمة بين مخرجات التعليم والتدريب واحتياجات سوق العمل لتشغيل الشباب العربي، ودعم قدرات المنشأة الصغيرة».

مواجهة التحديات الاقتصادية والإنتاجية

وأضاف: «إننا في الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب نرى أنّ تحقيق أهداف تقرير المدير العام، ومواجهة التحديات الاقتصادية والإنتاجية الراهنة تحتاج إلى مجموعة أسس ومنها:

ـ ضرورة تبني نمط جديد للتنمية يوازن بين الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية مثل التوزيع العادل للدخل وخلق فرص العمل والتخفيف من حدة الفقر والنمو المستدام.

ـ إعطاء دور أكبر لوزارات العمل ولممثلي العمال وأصحاب العمل في رسم سياسات تنموية تلبي حاجات سوق العمل.

ـ إنشاء أسس الحماية الاجتماعية الوطنية التي تقدم باقة أساسية من ضمانات الأمن الاجتماعي بهدف التخفيف من حدة الفقر ومن الهشاشة والإقصاء الاجتماعي بغية تحقيق هدف طويل الأمد هو تأمين تغطية شاملة للأمن الاجتماعي، ويتعين على الحكومات أيضاً تحقيق مستويات أعلى من الحماية وفق المعايير العربية والدولية مع الحفاظ على قيمة المعاشات التقاعدية إضافة إلى إعانات البطالة والأمومة ومأسسة الحوار الاجتماعي كإطار استراتيجي لتحسين حوكمة أسواق العمل.

ـ الاستثمار في تعليم العمال وتدريبهم وفي بناء مهاراتهم ذات الصلة بالطلب في سوق العمل، واعتماد برامج سوق عمل فاعلة، وتعزيز التلمذة المهنية.

ـ تعزيز تفتيش العمل لضمان الامتثال لمعايير العمل الدولية المرتبطة بظروف العمل».

واعتبر غصن «أنّ ديناميكية أسواق العمل العربية «التحولات ومسارات التقدم» هي فكرة تؤمن بأهمية رأس المال البشري في ظلّ التطورات السريعة الحاصلة في بيئة العمل التي تتبنّى الابتكار كما أنها دعوة مباشرة كي تبقى المشاريع الصغيرة والمتوسطة ضمن أولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلداننا، لأنها ستكون قاطرة النمو الاقتصادي في المرحلة المقبلة، وتساهم في تأمين فرص العمل اللازمة بما يواكب الزيادة السكانية المطردة واضعين أمام نصب أعيننا أنّ رأس المال البشري مورد رئيس لأي دولة وأساس إبداعها وسرّ نجاحها، خاصة أنّ التطورات السريعة الحاصلة في بيئة العمل العربية أو أي بيئة عمل تدفع المؤسسات الرائدة إلى الاهتمام بمفهوم الابتكار، ما يُعزّز الحرص على إسعاد موظفيها وتأمين مناخ ملائم وبيئة مشجعة لهم، وصولاً إلى استخدام مواهبهم الابتكارية للبقاء وسط بيئة تنافسية، فالابتكار دائماً يؤمن فرص عمل جديدة للدولة، ويساهم في زيادة إنتاجيتها وخفض النفقات».

التشغيل ومكافحة البطالة وحماية الأسواق

وشدّد على «أنّ التشغيل ومكافحة البطالة وحماية الأسواق العربية هي في نظرنا أبرز التحديات الجسام التي شغلتنا، وشغلت اهتمامات منظمة العمل العربية الفريدة التكوين فى منظومة مؤسسات الجامعة العربية، التي تشمل أطراف الإنتاج الثلاثة «حكومات وأصحاب أعمال وعمال»، نظراً لوجود تحديات جسام تهدد المنطقة العربية في العقدين الماضيين، حيث كان موضوع التشغيل والبطالة يتصدّر أعمال مؤتمرات منظمة العمل العربية، وفى مقدمة منتدياتها وبرامجها، وخاصة أنّ أزمة التشغيل في تفاقم، ومعدلات البطالة إلى ازدياد. كما أنّ البطالة تتفشى في كلّ مكان حول العالم ، ولا سيما بعدما اجتاحت العولمة بلدان العالم أجمع مخلفة آثارها السلبية في مختلف أقطاره نتيجة عولمة الأنشطة المالية واندماج أسواق العمل وتعاظم انتشار الشركات متعدّدة الجنسيات العابرة للقارات، فى مقابل تراجع دور الدولة في الاستثمار والتشغيل وترسيخ قواعد اقتصاد السوق، حامية لمصالح المستثمرين، مقيدة بإصلاحات فرضتها عليها إملاءات صندوق النقد والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية تأثر بها التشغيل فقلت فرص العمل بعد أن تنازلت الدولة عن قطاعاتها الإنتاجية لصالح الخصخصة التي أدت إلى تسريح مئات الآلاف من العمال، ناهيك عن تخفيض الدولة الإنفاق الاجتماعي ورعايتها الحماية الاجتماعية ما أدى إلى اضطرابات اجتماعية غالباً ما يكون منشؤها البطالة والفقر».

وتابع: «لقد جاء الربيع العربي الذى انعكس في شكل سلبي على أسواق العمل فأدى إلى ارتفاع معدلات البطالة في البلدان العربية من 14 في المئة العام 2010 إلى 17 في المئة في مطلع العام 2017 حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل ما يزيد عن خمسة عشرين مليون شاب، وفقاً لإحصائيات منظمة العمل العربية متوقعة أن يرتفع هذا العدد في آفاق العام 2020، متزامناً مع تراجع مؤشرات النمو، خصوصاً في دول الربيع العربي وازدياد عجز الموازنات، وتدهور الميزان التجاري وانخفاض الاحتياط النقدي وتدني قيمة العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم وكلفة المعيشة. وهذه العوامل السلبية دفعت إلى تفاقم مشكلات الفقر وزيادة عدد الرازحين دون خط الفقر الأدنى. وبعيدا عن العاصفة الهوجاء التي أطاحت بالمراكز المالية في الدول الرأسمالية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية والتي طالت أنواع اقتصادات دول الخليج العربي وأسواق آسيا الناشئة، والتي تلاها الانهيار السريع لأسعار النفط وتواضع الاستثمار الإجمالي وفق مؤشرات صندوق النقد العربي».

الإرهاب يهدّد اقتصاد الدول وعمالها

ولفت إلى أنّ ظاهرة الإرهاب «لا تهدّد دولة بذاتها بل الوطن العربى برمته، لا بل العالم أجمع، لا سيما أنّ الإرهاب يستهدف المصانع ويقصف المنشآت والمؤسّسات التجارية وهى جميعها مصدر رزق العمال، وكانت نتائج هذة العوامل كارثية حيث تزايدت البطالة، وفقاً لتقديرات صندوق النقد العربي الذي كشف أنّ معدل البطالة بين الشباب فى الدول العربية بلغ 28 في المئة مقابل 12 في المئة على مستوى العالم».

وأعلن «أنّ البطالة أكثر شدة فى حالة الشابات العربيات حيث تبلغ 43 في المئة مقابل 13 في المئة فقط على المستوى العالمي»، موضحاً أنّ بطالة الشباب فى الدول العربية «تتركز فى أوساط المتعلمين الذين يصلون فى بعض الدول نسبة تصل إلى 40 في المئة من إجمالي العاطلين عن العمل وفي الداخلين الجدُد في سوق العمل».

وأكد «أنّ كفاح الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب عن طريق منظماته وقياداته العمالية المنتشرة في جميع البلدان العربية، مصحوب بدقّ ناقوس الخطر الذي يهدّد الطبقة العاملة العربية، وينذر بكارثة تتطلب سرعة المواجهة، فعدم الاستقرار الذي أصاب منطقتنا العربية مؤخراً أمنياً واقتصادياً وسياسياً، أدى إلى نشر الفوضى والتفكك، ما هدّد بشكل مباشر مصالح العمال العرب الذين يدفعون ثمن ذلك من حياتهم وأرزاقهم، فتشير التقارير إلى أنّ حجم الخسائر التي أصابت العالم جراء الإرهاب والعنف والتطرف والحروب كبّدت الاقتصاد العالمي 13.6 تريليون دولار فى السنة الواحدة، وذلك بسبب الأنفاق على الميادين المرتبطة بالعنف والصراعات المسلحة وفق تقرير أعده معهد الاقتصاد والسلام وهو يعادل 13.3 في المئة في النتائج المحلى الإجمالي العالمي».

ولفت هذا التقرير إلى «أنّ تكاليف العنف تعادل عشرة أضعاف قيمة المساعدات الإنمائية الرسمية العالمية، وأكثر في القيمة الإجمالية لصادرات الغذاء العالمية».

ورأى «أنّ فقدان الأمن والاستقرار وتفشي الإرهاب والنزاعات المسلحة والاستثمار فيه لتحقيق مصالح وأطماع بعض الدول النيوليبرالية، وفرض العقوبات الاقتصادية على الدول الممانعة للاحتلال والرافضة للهيمنة والاستعمار يصيب مباشرةً العمال ومحدودي الدخل والفقراء ولذلك نرى أنّ غياب التضامن الدولي الفعلي لمكافحة الإرهاب وفضّ النزاعات العسكرية ومعالجة التخبط الاقتصادي والاجتماعي وإحقاق العدالة الاجتماعية، أدّى إلى مزيد من التوترات وفاقم الأزمات المعيشية التي تعاني منها الدول. فبدلاً من اعتماد سياسات تحقق الأمن الغذائي وتحارب الفقر وتهتم برأس المال البشري من خلال الاستثمار في ميادين التعليم والتدريب وتعزيز مهارات العمال والعناية بالصحة يجري الإنفاق بمليارات الدولارات على التسلح ودعم بؤر التوتر وتمويل الإرهاب، ولا نقصد هنا إرهاب داعش والمنظمات المتطرفة المماثلة فقط، بل أيضاً الإرهاب الإسرائيلي الذي يمارس أبشع أنواع العنف والتطرف دون تحرك دولي يوقف هذا النزيف الذي تسيله إسرائيل في الأراضي العربية المحتلة بدعم من بعض الدول وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية الراعي الرسمي للإرهاب حول العالم، والتي تستفز العرب بقراراتها التعسفية ومطالبها الابتزازية المخالفة لكافة الأعراف والاتفاقيات الدولية وإعلانها أنّ القدس عاصمة لإسرائيل وهو ما نرفضه وندينه بشكل قاطع».

وأكد رفض «كلّ ممارسات الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي العربية المحتلة، ونقف مع فلسطين وشعبها ضدّ الغطرسة والعنف الإسرائيلي وندعو كلّ القوى هناك إلى الوحدة في مواجهة الاحتلال»، كما أكد «أنّ القدس عاصمة أبدية لفلسطين»، مجدّداً «رفض كلّ أشكال التطبيع السياسي والاقتصادي مع العدو وحلفائه». وندّد بالعدوان الأميركي و»الإسرائيلي» والقصف العشوائي على العاصمة السورية دمشق واستهداف سيادتها، «من خلال تمويل الإرهاب ومؤازرته العسكرية واللوجستية»، معتبراً «أنّ هذا العدوان المستمر ما هو إلا محاولة مفضوحة لجرّ المنطقة إلى حروب إقليمية مدمّرة، من شأنها أن تلحق الكوارث بمصالح شعوبها، وأن تستنزف طاقاتها، في دوامة لا يستفيد منها سوى المشروع الأميركي الصهيوني».

ودعا الأمم المتحدة ومجلس أمنها «إلى مواجهة سياسة العربدة التي تتبعها حكومة الاحتلال في قطاع غزة والضفة والقدس، والجولان السوري وانتهاك سيادة لبنان على أرضه وثرواته النفطية. وأن تتحمّل مسؤولياتها واتخاذ العقوبات الزاجرة، بما يردع سياسة العدوان»، كما دعا جامعة الدول العربية «إلى اتخاذ موقف حاسم ضدّ هذه الممارسات».

لتعزيز وحدة النقابات والطبقة العاملة

وأكد استمرار الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب وأمانته العامة «في دعم القضايا المصيرية وحقّ الشعوب في التحرُّر، وحقها في حياة كريمة وإننا نسعى دائماً إلى تعزيز الوحدة النقابية ووحدة الطبقة العاملة لأنّ استحقاقات المرحلة لا يمكن مواجهتها إلا بحركة نقابية موحّدة لا بالشرذمة والتشتيت، وأننا نعمل من أجل تطوير بنية الحركة النقابية وترسيخ تضامنها وتحصين استقلاليتها وتعزيز ديمقراطيتها وتعميق ارتباطها بمصالح العمال، كل ذلك لأننا نؤمن بأنّ بناء نقابات موحدة قوية ومتماسكة ديمقراطية ومستقلة هو الركيزة الأساس في بناء حركة نقابية فاعلة ما يمكننا من مواجهة كل التحديات ومواصلة النضال من اجل الدفاع عن حقوق عمالنا ومكتسباتهم المشروعة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى