سورية: من يرسم الخط الأحمر الجديد؟
عامر نعيم الياس
«استعدّي يا روسيا الصواريخ قادمة» هذا ما قاله الرئيس الأميركي دونالد ترامب في آخر تغريداته على تويتر، تعليقاً على نيّة بلاده وكلّ من باريس ولندن استهداف سورية بحجة استخدام السلاح الكيميائي. الرجل يقاتل روسيا مدفوعاً بضغط من صقور الإدارة والنخبة اليمينية المحافظة الحاكمة، التي تعرف نقاط ضعف الرئيس وتدفعه لرفع مستوى التهديد والخطاب السياسي إلى مستوى شخصنة الصراع، في مرحلة إعادة تشكيل صورة المشهد الدولي العالمي.
«الخطّ الأحمر» الذي يشكل محور كلّ ما سبق هو تعبير أطلقه الرئيس الأميركي باراك أوباما في 20 آب 2012 خلال خطاب له، في محاولة حينها لامتصاص ضغوط الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه، كي يساهم بشكل ملموس أكثر في دعم ما يسمّى «الربيع العربي في سورية»، حينها قال الرئيس الأميركي الأسبق «إن رأينا استخداماً للسلاح الكيميائي فإنّ هذا سيغيّر المعادلة… وسيكون هناك خطٌّ أحمر لتجاوزه نتائج كبرى». المعادلة التي خطّها أوباما أصبحت أحد أعمّ أدوات الحرب الدبلوماسية على سورية، هي التي تقف وراء كامل الصراع الدبلوماسي في أروقة مجلس الأمن الدولي والذي يبدو أنّ آخر فصوله خطّها الفيتو الروسي الثاني عشر في العاشر من الشهر الحالي. هذه المعادلة تهدف إلى التلاعب بنوايا الخصم والضغط عليه عبر ملف إنساني مرتبط باستخدام سلاح محرّم دولياً وذلك بقصد الردع، عبر الإشارة إلى عبور متعمّد لعتبة غير مقبولة من قبل الخصم، وإلى وعد بإجراءات محدّدة عملية إذا حصل ذلك، عند هذه النقطة وعلى المحك في آب من عام 2013 تراجع الرئيس الأميركي باراك أوباما عن استهداف سورية على خلفية فبركة ملف كيميائي في الغوطة الشرقية.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تبنّى عقيدة أوباما، وجعل الملف الكيميائي على رأس أولويات حكمه، طوّر المفهوم وأنشأ في 23 كانون الثاني الماضي ما سمّي «الشراكة الدولية للإفلات من عقاب استخدام السلاح الكيميائي» وأعرب عن استعداد بلاده للمشاركة والردّ بشكل حازم على ايّ استخدام للكيميائي في سورية «إنْ توافر الدليل».
نحن اليوم في مواجهة «الخط الأحمر» الذي أتى على رأس الحرب الدولية الدبلوماسية على سورية منذ العام 2012، واليوم وصلت كافة الأطراف إلى أعلى مستوى من التصعيد واختبار الإرادات الذي لا يبدو أنه سيمضي دون تنفيذ إجراءات الرّدع، هذه الإجراءات ممثلةً بضربة عسكرية لا تعرف حتى اللحظة مدى قوّتها ومدى شموليتها، هل هي ضربة موضعية على نمط ما يمكن تسميته توسيع قائمة ما جرى في مطار الشعيرات في نيسان من العام 2017؟ أم نحن أمام ضربة تستهدف مراكز القيادة والتحكم في العاصمة دمشق وغيرها من المدن الرئيسية في سورية؟ هل نحن أمام ضربة جماعية تشارك فيها كلّ من باريس ولندن؟ كيف سيكون ردّ فعل حلفاء سورية؟ ماذا عن موقف أنقرة التي قالت عنها صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية أنها شكّلت إلى جانب روسيا وإيران ما أسمته «الكتلة الشرقية»؟
إنْ حصل الاعتداء الأميركي، فإنّ الردّ الروسي عليه شبه مؤكد، فسورية ليست وحدها وليست ساحةً مفتوحة لتدخل عسكري أميركي غربي، والمعركة في الميدان السوري ليست معركة ذات بعد محلي وحتى إقليمي، هي صراع متعدّد المستويات في مرحلة إعادة تشكيل صورة العالم، وإعادة تقاسم النفوذ على المستوى الدولي، وهذا أمر يدفع الجميع لمراقبة التطوّرات عن كثب، بانتظار من سيرسم الخطّ الأحمر الجديد، الذي لن يكون هذه المرة ضاغطاً على الدولة السوريّة والحلفاء كما خطّ أوباما.