حين يسيطر الجنون على السياسة فلطبول الحرب صوتها المسموع
سعد الله الخليل
فشلت جهود المندوبة الأميركية في مجلس الأمن الدولي بإقناع نظيرها الروسي بتبنّي النسخة الأميركية لمشروع القرار في مجلس الأمن، فسقط مشروعها بالفيتو الروسي والامتناع الصيني عن التصويت، ولتسقط معه المتاجرة الرخيصة بملف استخدام الأسلحة الكيميائية من خان العسل إلى خان شيخون فدوما، والتي باتت مسمار جحا في تبرير العدوان على المنشآت العسكرية السورية، فبعد سنوات من الاتهام الغربي لسورية باستخدام الأسلحة الكيميائية تسقط هذه الادّعاءات في المحافل الدولية، بما لا يقلّ عن سقوطها على الأرض السورية باستحالة الإثبات وتقديم الأدلة الدامغة على صدق الاتهامات، خاصة أنه من المستحيل بمكان إخفاء معالم جرائم استخدام الأسلحة الكيميائية على أراض تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية، وبالتالي فمن المفترض أن جمع أدلة إدانة الحكومة السورية ميسّرة في حال توافرها.
قبل إسقاط مشروع القرار الأميركي في مجلس الأمن أسقطه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس بإعلانه غياب الأدلة الموثقة باستخدام تلك الأسلحة في دوما.
السقوط الأكبر أتى بإعلان منظمة حظر استخدام الأسلحة الكيميائية استعدادها لإرسال بعثة خبراء معنية بتقصي الحقائق إلى مدينة دوما لإجراء تحقيق في الهجوم الكيميائي المزعوم بناء على دعوة السلطات السورية للتحقيق.
يحق لمندوبة أميركا نيكي هايلي أن تصف يوم إسقاط الأعذار الكيميائية باليوم الحزين، فمن غير المقبول أميركياً أن تسقط مشاريع حربها في سورية هذا السقوط المذلّ المشين سياسياً، بعد أن سقط أخلاقياً باعتماد أساليب الكذب الرخيص لتحقيق أهداف سياسية تدعم المجموعات الإرهابية المتهالكة على الأرض السورية.
بدخول قرار المنظمة حيّز التنفيذ وبوصول مفتشيها الأراضي السورية تحقق الدولة السورية ما دعت إليه منذ اتهامها بحادثة خان العسل عام 2013، بتحقيق نزيه يضع النقاط على الحروف ويكشف زيف ادّعاءات واشنطن، فالحالة الصحية للمدنيّين الخارجين من دوما بعد أيام قليلة من الادّعاء باستخدام السلاح الكيمائي كفيلة وحدها بإسقاط الكذب الأميركي قبل سقوطها بالفيتو الروسي، ولعلّ إخلاء المدينة من إرهابيّي جيش الإسلام وبدء دخول قوى الأمن الداخلي وحفظ النظام إلى المدينة زادت بسقوط المزايدات الأميركية.
تصاعد حدّة التهديدات الأميركية بتوجيه ضربات ذكية لسورية يعدّ ترجمة حقيقية لمسارات الجنون السياسية التي تشهدها الساحة السياسية التي تمرّ بأدق مراحلها منذ طيّ صفحة الحرب العالمية الثانية، والتي بدت خطورتها مع تولي دونالد ترامب سدة الرئاسة الأميركية وجنوحه الجنوني نحو الحرب والمواجهة مع أصدقائه قبل خصومه.
يميل الكثيرون للمقارنة بين ظروف إعلان الحرب على العراق والهجمة الأميركية على سورية بالتهديد بتوجيه ضربة عسكرية أميركية لمواقع محدّدة على خريطة الأهداف الأميركية باستخدام أسلحة ذكية.
تبدو ظروف الغزو الأميركي للعراق 2003 مشابهة لما تمرّ به المنطقة، من حيث الاستثمار في الملف الشائك نفسه، وما يخلقه السلاح الكيميائي من مساحة واسعة للمناورة بالتدخل، سمحت بوصول فرق التفتيش المخترقة أميركياً لغرف النوم الرئاسية في العراق كمنصة للتدخل العسكري في وقت لاحق، وهو ما يسعى إليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل مباشر بعد إغلاق سورية وروسيا كلّ المنافذ لخلق ظروف تفتيش في سورية مشابهة لما فعلته بعثة هانز بليكس في العراق، حيث يأمل ترامب أن يحقق بعضاً مما حققه جورج بوش الإبن في العراق، حيث يتشابه الرئيسان بالجنوح للحرب والجنون ذاته كالسمة الأوضح في سلوكيات ترامب، ما قد يدفعه لمغامرة تقلب الموازين خاصة في ظلّ اعتماده على جناحين يشاطرانه الجنون ذاته، الأول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الجاهز للمغامرة العسكرية بالتعاون مع شريكه الجديد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان جناح ترامب الثاني. هذان اللذان يشاركان سيد البيت الأبيض الرغبة الجنونية بإشعال نيران حرب يعتقدان أنها تسقط سورية وإيران في الضربة القاضية، وهذان الجناحان يشكلان الخطر الأكبر في دفع ترامب للتهوّر في سورية، وكانا غائبين عن المغامرة الأميركية في العراق بوجود إيهود أولمرت في تل أبيب والملك عبدالله في الرياض واللذين لم يشكلا رغم التبعية الأميركية الواضحة عامل قوة في دعم حرب جورج بوش في العراق، بعكس الدعم اللامحدود لإبن سلمان ونتنياهو لخيارات ترامب.
سقطت ذرائع الحرب بالاستخدام السوري للسلاح الكيميائي، لكن مجانين الحرب ما زالوا يقامرون على الأرض السورية، على أمل تحقيق نصر يكسبهم حرب السنوات الثماني، فيما يأمل الكثيرون أن يعلو صوت العقل وقوة الردع الضاربة بلجم المجانين عن المغامرة القاتلة في سورية.. وليبقَ لطبول الحرب صوتها المسموع عند حدود قنابلها الصوتية.