لبنان الديون على مستقبل الوطن
بلال رفعت شرارة
نعم، أنا على الأقلّ تتملّكني نظرية المؤامرة ويحكمني الشكّ وسوء الظنّ واستميحكم عذراً، لأني أربط الأمور ببعضها ولا يمكنني أن أنظر الى العناوين اللبنانية بمعزل عما يجري في المنطقة، وأنا أخالف بالتالي الخبير المالي وليد أبو سليمان اعتباره أنّ لبنان يضع نفسه دائماً وكأنّ العالم يتآمر عليه ويثير مؤامرة التوطين، كلما طُرح مشروع استثماري في البلد.
بالإشارة إلى أنني لستُ خبيراً في المجال المالي، والحمد لله، فإنني كخبير سياسي هل أنا كذلك؟ أبدي مخاوف شبه حاسمة من أنّ لبنان بدأ فعلاً انطلاقاً من مؤتمر سيدر يتقاضى ثمن مشروع التوطين القديم – الجديد الإنكليزي المنشأ الذي فشلت حكومة الرئيس ميقاتي في تمريره، ويجري تمريره الآن عبر حكومة الحريري المغلوبة على أمرها والمغلولة اليدين والمحكومة إلى ديون عالية راكمتها الحكومات السابقة والباحثة عن سبل لا تؤدّي بها إلى إعلان الفشل السياسي، وعن وسائل لا تأخذها بها إلى الإعلان عن تفليسه شاملة الأمر الذي أوقعها في كمين الإقامة بدل العقار والاقتراض القروض الميسّرة والهبات و الهبات لدعم فوائد القروض وترهن برأيي المتواضع البلد مقابل توطين اعتماداً على شخصية سياسية حكومية ضعيفة.
وبخلاف رأي الخبير الاقتصادي الذي يعتبر الحديث عن التوطين مجرّد فزاعة، وأنّ أغلبية النازحين السوريين هم من الطبقه الوسطى وليس بإمكانهم التملك وشراء منزل بنصف مليون دولار، فإني أوجّه الانتباه إلى أنّ المقصود بداية هو توطين الفلسطينيين وليس السوريين، إذ تعتقد الأوساط الدولية انّ «إسرائيل» استكملت مخطط إحباط حلم العودة وأنّ إرساء صفقة العصر يحتاج إلى إلقاء فضلات التسوية من اللاجئين في دول العالم، خصوصاً دول الجوار، بعد أن دمّرت مخيماتهم في الأردن ولبنان وسورية تقريباً وباتوا في العراء وقد أنجزت لجنة حكومية لبنانية مسحاً لأعداد الفلسطينيين الذين لا زالوا يقيمون على الأراضي اللبنانية. طبعاً دون أن تسجل عائلات بأكملها أسماءها إلى تلك القيود . ويرتكز مشروع التوطين على:
1 ـ وقوع لبنان تحت عجز مالي كبير.
2 ـ إنّ لبنان بطن رخو لتمرير مشروع التوطين، ويأتي ذلك بعد أن فشل مشروع التوطين شمال سيناء ومشروع الوطن البديل على حساب الأردن، وإقامة مملكة متحدة محكومة بملك واحد وجيش واحد في الضفتين ومجلسي نواب.
أنا هذه هواجسي وأعتبر أنّ بعض مؤسسات الرأي العام الإعلامية اللبنانية تضلل اللبنانيين وتغرقهم بالتفاؤل بالمستقبل وتفرط بالحديث عن أن نجاح سيدر فاق التوقعات حضوراً ومشاركة، وانّ هذا المؤتمر سيؤسّس لدعم وإجراء الإصلاحات وتحديث القطاع وإدارة المالية العامة ووضع رؤية الاستقرار والنمو وخلق فرص العمل وسيمكن الحكومة من وضع برامج استثمارية في البنى التحتية وتطويرها وكذلك استراتيجية لتعزيز وتنويع القطاعات المنتجة .
أنا من جهتي أؤيد ما ذهبت إليه بعض العناوين من أنّ باريس 4 هو استعمار بحلة جديدة وأنّ الحكومة تبيع البلد للدائنين والمستثمرين وأنّ شروط سيدر هي الحلة الجديدة للاستعمار . وأشير استناداً إلى وسائل الإعلام إلى أنّ المناقشات والشروط في باريس ٤ عُرضت بعيداً عن الصحافة، فبعد إلقاء وزير خارجية فرنسا ورئيس الحكومة اللبنانية كلمتيهما، أُخرج ممثلو وسائل الإعلام من القاعة الرئيسية إلى غرفة معزولة وقطع بث وقائع المؤتمر عنهم. وقالت مصادر صحافية إنّ أكذوبة باريس 4 أظهرت وكأنها يسّرت القروض للبنان فيما هي – القروض – متاحة في أيّ وقت وأنّ القسم الأكبر من مبلغ الـ 4 مليارات التي التزمها البنك الدولي مدرجة ضمن برنامج الإقراض السنوي، وقالت عناوين صحافية إنّ مؤتمر سيدر حلّ مشكلة الاستثمارات وبقيت مشكلة السياسة العامة، وفي العناوين أنّ الـ 11.5 مليار دولار الموعودة للبنان تتضمّن 10 مليارات و200 مليون قروض.
أقول إنّ البطريرك الراعي له الحق في التحذير من أخطار التوطين حتى ولو أنه لم يربط تلك التحذيرات بـ سيدر ، بل بالمادة 50 من الموازنة متجاوزاً التغنّي بإنجازها سريعاً، والكلام عن أنها الأقلّ عجزاً والأسرع في حركتها الرسمية بين الحكومة والمجلس وصولاً إلى إقرارها. لغبطة البطريرك الحق في بث المخاوف من أنّ المادة 50 من الموازنة تثير القلق وقوله: تخيفنا جداً وكلّ الشعب اللبناني المادة الخمسون التي أضيفت بسحر ساحر في موازنة العام 2018 وهي أنّ كلّ عربي أو أجنبي يمكنه أن يشتري وحدة سكنية في لبنان يمنح إقامة دائمة له ولزوجته ولأولاده القاصرين . وسأل غبطته: أهذه مقدمة لاكتساب الجنسية والتوطين الجو انتخابي ؟
أقول نحن، جرى إفقارنا وإغراقنا بالديون وبالسياسات المالية الفاشلة، وأصبح عملنا وشغلنا خدمة الدين العام وتمّ خلق مشكلة أمام ترسيم حدودنا البحرية وتقييد حريتنا باستخراج ثرواتنا البحرية وحتى البرية، ومن ثم وضعنا أمام خيار الإعاشة المالية ومدّنا بأوكسيجين مالي على الشكل الذي أشرنا اليه لإنعاشنا مقابل…؟
بالأمس كانت الديون على مستقبل أولادنا، وليس نحن فحسب، وغداً ستتوسّع قاعدة الديون وخدمتها لتقع على أحفادنا أيضاً. اللهم نجِّنا من الشرير…