ثقافة الاعتذار!

ثقافة الاعتذار!

الحياة تتحفنا بتذوّق مشاعر الفقد المريرة والتي لم نكن مهيّئين لنتجرّع علقمها. فقد يحدث أن تضبط قلبك متلبّساً بمشاعر أسى على فقد أحدهم، وتستذكر مواقف جرت بينكما تمنّيت لو قلت فيها: «أنا آسف» على تصرّف ما أو كلمة قلتها كانت سبب القطيعة بينكما. لكنّهم لم يعلّمونا في مناهجنا أو حتى في منازلنا ثقافة الاعتذار!

قرأت معلومة تقول إنّ الكنديين هم أكثر شعوب الأرض استخداماً لعبارة «أنا آسف»، وهم يستخدمونها من باب اللباقة وتطييب خاطر الشخص المقابل، وليس بالضرورة للاعتراف بالخطأ! بل إنّهم في عام 2009 أقرّوا قانوناً يدعى «Apology Act قانون الاعتذار»، وينصّ القانون على أنّ اعتذار طرف للآخر عند وقوع حادث لا يمكن استخدامه ضدّه في المحكمة كدليل على إقراره بالذنب، حيث إنّ كثيرين من الكنديين يعتذرون كسلوك مهذّب، لا لأنهم مخطئون!

والشيء بالشيء يذكر أنّ أكثر ما يستند إليه المحامون في أميركا كدليل إدانة هو اعتذار المدّعى عليه خصوصاً في حوادث الطرق!

باعتقادي، إنّ الشعوب العربية تملك الكثير من القيم والأخلاق النبيلة التي يفتقر إليها كثيرون من شعوب الأرض، والسبب أنّ الإنسان العربي يملك من الكبرياء الكثير، وهو خُلق محمود في مجاله، مذموم في غيره!

«أنا آسف» تعني أنني أريد الاحتفاظ بك بغضّ النظر عمّا بدر منك من تصرّف سيّئ أو كلام جارح. فقد وصلنا عن حَفَدة نابليون أنّ الذنوب المعترف بها، تغتفَر جزئياً.

عندما تقدّم اعتذاراً عن خطأ بدر منه هو، على أمل أن ينجلي معدنه النفيس ويقول لك: لقد التبس عليك الأمر. أنا من أخطأت. عندئذ تدرك أنّ تصرّفك كان نبيلاً، فمشاعر الحبّ تحرث في مروج الاهتمام وتسقى بغيث الصفح والاعتذار.

عندما يتهادى شريط الزمن في مشيته متخلّياً عن طبعه المتعجّل وتأخذك الذكريات إلى أشخاص لم ترهم من زمن بعيد للسبب نفسه تقول: «لماذا لم يعتذر أحدنا للآخر؟ لماذا لحظتذاك لم يلمع في مخيّلتي قول الأديب يوسف إدريس إنّ الحياة قصة قصيرة، طالت طويلاً؟ لماذا لم تسعَ الروح إلى الوفاق؟ لماذا لم نضيّق الخناق بالعناق؟».

ثقافة الاعتذار تعني جرعة سعادة مجانيّة. ما أسعد من حباهم الجليل بقدرة إعادة شحن مشاعر الحبّ وتنمية ثقافة الاعتذار، كناقة لا تحتاج سوى إلى جرّة ماء وقليل من العشب لرحلة الحياة، حتّى وإن كانت هذه الرحلة شاقّة وطويلة.

لذا، لا تأخذ عزّة النفس أبعد ممّا ينبغي، رمِّمِ الكبرياء فوراً، فهؤلاء بشر لا يمكنك العثور عليهم كلّ يوم. إنّ الذي يعتذر لا ينحدر، وإنّما يتسامق، فهنيئاً لمن ملك ثقافة الاعتذار وعمل بها.

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى