«داعش» وهم تغذيه أموال الخليج

جمال العفلق

إنه مشروع حدود الدم الذي رسمته المصالح الصهيونية منذ عقود للمنطقة، اليوم توج بـ«داعش» الوهم، كيان إرهابي قوامة مرتزقة وممول من حكومات تملك أموالاً طائلة.

تلك الحكومات الفاسدة أخلاقياً وسياسياً الخادمة للمشروع الصهيو ـ أميركي الهادف إلى تعزيز أمن ما يسمى «إسرائيل» والضامن الوحيد لاستمرار الحياة في اقتصاد أميركا الاحتكاري الذي بُني على حساب الشعوب الفقيرة والدول النامية.

فعناصر «داعش» ليست لديهم عقيدة دينية أو مذهبية أو سياسية وما انتشارهم على الأرض إلا عملية رسم حدود جغرافية تتم وفق مصالح وأوامر استخبارية مصدرها واشنطن والموساد الصهيوني، وما نسمعه من تصريحات تصدر من تركيا أو السعودية أو قطر هي فقاعات صابون لا معنى لها، لأن اللاعب الأساسي هي أميركا نفسها التي تريد إلهاء الرأي العام الداخلي الأميركي والرأي العام العالمي بأنها غير مسؤولة عن هذه الأحداث الدموية وأنها تتحاور مع الحلفاء الوهم حول كذبة محاربة الإرهاب.

الجميع يعلم تماماً أن من يحكم الخليج ويخطط سياسته الخارجية هي الإدارة الأميركية نفسها ولو عدنا إلى زمن ليس بالبعيد نسبياً هو زمن حكم الشاه لإيران لوجدنا أن سياسة الخليج اتجاه إيران كانت تحت عنوان إيران الجار والصديق، ولكن الأمر تغير بعد الثورة الإيرانية لتتحول إيران إلى خطر ويجب معاداتها ومنع توسعها! لأن أميركا كانت تطلق على حكومة الشاه في سبعينات القرن الماضي اسم شرطي الخليج الذي كان يؤمن مصالحها النفطية في المنطقة. وبسقوطه وانتصار الثورة الإيرانية وإعلان موقفها من ما يسمى «إسرائيل» كان يجب أن تتحول السياسة الأميركية من خلال مكاتبها وخصوصاً في الرياض كونها تمثل الكتلة الأكبر والمتحكمة بالخليج.

ولهذا كان يجب صنع «داعش» الوهم اليوم بعد تعزيز فكرة الإسلام الأميركي كما تحب أن تسميه أميركا وبمال خليجي وعناصر مرتزقة أكثرهم جاؤوا من مناطق يسيطر عليها المال الخليجي الذي أفسد أصحابه وحولهم إلى وحوش بشرية لا تدرك حجم الجرائم التي يمارسونها بحق الإنسانية. فالسعودية مثلاً تتفاخر بأنها طرحت مشروع إنشاء أربع مدن صناعية في السعودية بقيمة سبعين مليون دولار سيتم على مراحل في حين أنها دفعت، أي السعودية نفسها، مئات الملايين من الدولارات وفوراً لحساب «داعش» ودعم الإرهاب لتدمير سورية وخنق المقاومة التي تحارب المشروع الصهيوني، ومن أجل تحقيق هدف أميركا والصهيونية في تنفيذ مشروع التقسيم الذي ما زال هو الشغل الشاغل لتلك القوى. فضربات التحالف الجوية لم تضعف «داعش»، وبنفس الوقت فرصة القضاء على «داعش» ممكنة لو أن أميركا فرضت على تركيا السماح للأكراد بدعم إخوانهم في عين العرب حيث الصمود الأسطوري لكوباني.

اليوم يثبت أن «داعش» الوهم يمكن قهره على رغم الضخ والدعم الذي يتلقاه من قطر والسعودية وتركيا… ولن نكون واهمين إذا قلنا أن أميركا أيضاً تدعمه وترسم له تحركاته العسكرية على الأرض.

أما الطرف المعني بهذه الحرب ما زال يمارس سياسة التكتم والعمل بصمت من دون تلك الفقاعات الإعلامية. فالتنسيق الروسي الإيراني السوري يعتمد على تحقيق نتائج عملية لا فقاعات إعلامية، فضرب البؤر الإرهابية في الداخل السوري هو المهمة الأولى لمنع أي تمدد جديد لتلك العناصر الإرهابية أو السماح لها بالتواصل. فالثقل الحقيقي للجبهة السورية سيكون على محور الجنوب حيث تتربص «إسرائيل» منتظرة الفرصة لدفع عناصرها لدخول دمشق.

وقد استطاع حلف المقاومة اليوم تحديد إطار المعركة وتحجيم دور تلك العناصر انطلاقاً من حدود لبنان إلى حدود الأردن عبر غوطة دمشق، فقد تطول المعركة أو تقصر فالزمن ليس عاملاً مهماً بقدر النتائج التي يجب أن تتحقق على أرض الواقع.

فـ»داعش» الوهم يُضرب اليوم ويُستنزف على رغم الدفع الخليجي والتسويق الأميركي له لأن فكرة المناطق العازلة التي تقترحها تركيا إذا ما طبقت ستكون فاتحة الحرب الجديدة التي ستعيد الاصطفاف من جديد… وستدفع كل من تركيا والسعودية الثمن قبل سورية.

واختيار السعودية اليوم توقيت إعلان حكم الإعدام بالشيخ النمر هو دليل تخبط وتسارع نحو الهاوية لا دليل قوة، فالسعودية تعلم اليوم إنها مصدر الاحتقان المذهبي وهي التي ستُجبر بالنهاية على الرضوخ لأن العالم لم يعد يحتمل هذه البدائية البذيئة في التعامل مع الدول.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى