عشية القمة العربية: ترامب يدير الخلاف القطري السعودي
روزانا رمّال
كان من المفترض أن تؤدي زيارة الأمير تميم الى الولايات المتحدة الأميركية دورها الذي يتكفل تدريجياً برأب الصدع الموجود بين السعوديين والقطريين على خلفية القضية الأساس، وهي تبني مشروع الأخوان المسلمين المعارض بشكل كامل للقوى الخليجية الأخرى. وهو ما يجعل قطر غالباً إحدى أكثر الدول إثارة للجدل وأكثرها قدرة على نسف الثقة بينها وبين جيرانها بسبب شكوك دائمة حول ولاء كامل للمشروع التركي وخروج عن الحيثية العربية في أدق الظروف، كما يصفها خصومها الذين ليسوا فقط دول الخليج، بل تُضاف اليهم مصر لتصبح قطيعة قطر حالة يتوجب التعاطي معها كواقع حتى نهاية الحروب المفتوحة في سورية واليمن وليبيا ومعرفة الخيط الأبيض من الخيط الأسود الذي يتكفّل وضع حد للطموح التركي فالقطري!
كل هذه الرؤى هي نتيجة استنتناجات خليجية تصدّرتها المملكة العربية السعودية التي ادركت خطورة الإمارة الصغيرة على محيطها. وكانت هناك دعوات سعودية وسيناريوات للهجوم العسكري على الدوحة كأحد الحلول القادرة على حسم هذه الهواجس ونسفها. التعاطي مع قطر أيضاً تشوبه معضلة العلاقة الجيدة مع إيران. فالأخيرة اول المستفيدين من الخلاف الخليجي مع الدوحة بدون أن تدرك الدول المقاطعة أن طهران قادرة على نسج ثقة من نوع آخر تخفي وراءها كل ذيول الماضي والصراع الكبير في سورية ما يجعل من قطر حليفاً أساسياً في إتمام الاتفاقات وسير بنودها. والعلاقة هذه حسب المعلومات لم تكن وليدة الخلاف القطري الخليجي، بل هي ربما وليدة علاقة سابقة أتاحت للتواصل غير المباشر مع إيران عبر الميدان السوري في محطات تبادل أسرى بين القوى المدعومة من قطر وتلك المدعومة من إيران وحلفائها. وهذا شكل بالنسبة للسعودية إنذاراً كبيراً.
لكن ترامب الذي يحاول الإيحاء أنه » يفشل« في إقناع الطرفن بالمصالحة والذي يكرّر غالباً هذا الحديث الذي يؤكد فيه رغبته لحل هذا الخلاف، هو أكثر المستفيدين منهـ فأحد اسباب تسلح القوات السعودية وتدعيم خياراتها العسكرية هي إمكانية ان يتم خرقها بمكوّن خليجي له امتدادته التركية القادرة على هزّ العصب الخليجي وتحريك الشارع وتقليب القوى المعارضة التي تشكل البحرين وحدها بوابة عبور نحو إمكانية تطبيق هذا الخيار التغييري. ولهذا يسعى ترامب للاستفادة من هذا الخلاف الذي أتاح له تسويق سلاحه الذكي الجديد للأمير السعودي الطامح لتعزيز قدرات وزارة الدفاع التي يتسلم إدارتها واستطاع ترامب بيع كم هائل من هذا السلاح نتيجة زرع مخاوف تتمحور حول نظرية المؤامرة والتطويق الذي صارت تشكله العلاقة القطرية الإيرانية. وبالتالي فإن كل شيء وارد بالنسبة للسعوديين الذي ينكبّون لإيجاد حل لإنهاء حرب اليمن مقابل قلق ازاء علاقة الدوحة بطهران بعد أي تسوية، فكيف يمكن للسعودية ان تتفوق خليجياً وتتصدر العلاقة التي تشوبها مخاطر خلاف إيديولوجي »الوهابية الاخوانية«؟
بكل تأكيد يمكن للولايات الأميركية تقريب وجهات النظر وإعادة اللحمة بين الطرفين، وبالحد الأدنى يمكنها الضغط على قطر من أجل العودة الى المظلة السعودية، لكن هذا سيكلف ترامب هزّ العلاقة مع تركيا ايضاً. وبهذا فإنه يشكل بإدارته لهذا الخلاف نقطة جديدة استطاع اطالة عمرها كأزمة يحتاج الى أذرعها.
يمكن لقطر لعب ادوار تصب في خانة المصالح الأميركية لا يمكن للسعودية أن تلعبها، خصوصاً مع إيران. فالموقع الوسطي يشكل نقطة عبور مصالح غير مباشرة بين الأميركيين والإيرانيين. وعلى الأرض السورية انضوت القوى المدعومة من قطر ضمن الاتفاقات والتسويات أسرع من باقي الفصائل وإمكانية التعاون مع إيران تتزايد يوماً بعد الآخر، ما يعني أن أي مستقبل سياسي لسورية سيحجز لقطر وتركيا وإيران مكانة لا يمكن للسعودية أن تكون فيها عاملاً مفاوضاً مؤثراً، وكي لا تخسر واشنطن أذرعها في سورية بخسارة مشروعها وعدم القدرة على إسقاط الأسد، تصبح قطر الذراع العربي وتركيا الذراع الإقليمي للأميركيين الذي يحل مكانهم، فلا تخلو الساحة لروسيا التي عززت حضورها. كل هذا تُضاف اليه ضرورة الاستفادة من الجانب القطري الاقتصادي المدعوم بصفقات نفط وغاز يستفيد منها حلفاء واشنطن الاوروبيون، فتصبح إدارة العلاقة بالقطبين الخليجيين مسألة هندسة أميركية اوروبية ويصبح الحديث عن عمق الخلاف وضرورة حله مجرد مجاملة في الوقت الراهن.
عشية القمة العربية التي نجح ترامب بتسويق أهمية حضور الأمير القطري فيها ترضية للسعوديين من جهة، وتأكيداً على أن الزيارة الى واشنطن تعني تنسيقاً في خطوات قطر كافة في المرحلة المقبلة معها فيهاجم وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة مشاركة قطر في القمة العربية الـ29 في السعودية. ويقول إن »تمثيلها بأي شكل لا يخدم الأمن القومي العربي« ويتابع »الهجمة الإعلامية على قمة الظهران، وإساءاتهم المتواصلة إلى اليوم لخادم الحرمين الشريفين، تؤكدان أن قطر لا مكان لها«.
كلام خطير يعني أن الامور لا تزال عالقة في مكان صعب وتعني ايضاً مستوى التقدم الذي أحرزته العلاقات القطرية باتجاه تركيا وانخراطها ضمن اتفاقيات تركية إيرانية. فالبحرين هي رأس حربة الخلاف الخليجي مع إيران نظراً لاتهام الأخيرة بدعمها قوى المعارضة التي تطال بالمشاركة بالسلطة والنظام البحراني أكثر المؤيدين لهجوم سعودي على قطر. ومن جهته رأى نائب رئيس شرطة دبي السابق ضاحي خلفان أن »دوحة »تنظيم الحمدين«، ستبقى ضد أي تكتل عربي يهدف الى ضم الصفوف. فقد جاء »الحمدان« الى سدة الحكم في الدوحة من أجل تفرقة الأمة وقد فعلوا كل ما في وسعهم لإيذاء الامة العربية حتى الآن«.
قطر التي قبلت المشاركة بالقمة بأميرها تحضر على وقع نيات الاستفادة من هذا الحضور لجعله »خضوعاً«. فهل تُبنى عليه مقدمات باتجاه انفراج جدي بأزمتها مع العرب المقاطعين؟