سورية الأمّة الحيّة.. تكسر العدوان
سماهر الخطيب
ما الذي جلب على أمتي كل هذا الويل؟ وقد مرّت قرون وهي اليوم تزيد في أعوامها، وما استكانت هذه الأمة من أوجاعها وآلامها حتى يكلل ذاك الوجع عدوان ثلاثي مات لحظة ولادته.
في ذاك الفجر أذهل الجيشُ العالمَ بثباته وشجاعته وإقدامه في الذود عن الوطن وفي التصدّي ليس فقط لمجموعات إرهابية، سيقت على يد أعداء الإنسانية مزوّدة بمختلف الأسلحة، بما فيها المحرمة دولياً، إنما تصدّى بدفاعاته الجوية للصواريخ الغاشمة المعتدية، فسماؤنا لنا حرام على غيرنا.
والويل كل الويل أتى مع تضامن وتآمر من دول الخليج، وهي تعقد قمتها «العربية» تحت قبّة الجبن والهوان ولنا في فلسطين أسوة، وفي العراق عبرة، وفي لبنان ذكرى، وثماني سنوات في الشام لم يهدأ ذاك الثعبان ولم يستكن ذاك الثعلب، ولم تملّ تلك العجوز.
وفي المشهد اليوم ما يتعدّى حدود المنهج العقلاني. موازين قُلبت، وساعات قُدّمت، وسطور لرواد التاريخ قد بدأت. والمعادلة الربحية قد ولّى الرهان عليها، في نظرية الألعاب الصفريّة.
وما الذي جلب على أمتي هذا الويل كله؟ ونحن نعلم بأنفسنا مَن نكون وندرك بأننا صدر العالم العربي وسيفه وترسه، وإنما استيعاب الحكام العرب لا يدرك سوى الدولار ولعبة القمار على رقعتنا السورية.
أما في الدائرة «السوراقية»، فنجد أنّ النصر الذي تحقق من الموصل إلى جرود عرسال، فالغوطة الشرقية انتهاء بإسقاط الصواريخ «الترامبية»، فإنما تحقق بوحدة وتعاون وتضافر جهود الجيش والشعب وإرادتهما وإيمانهما بقوميتنا والدفاع عن الأرض بعيداً عن وعود ورهانات دولية كاذبة، متجاوزين ما اصطنعوه من حدود سياسية، لتظهر الوحدة الجغرافية، فيجب أن نضطلع بمسؤولية قضايانا القومية وأن نقرّر مصيرنا نحن بإرادتنا نحن.
وللتاريخ عبرة، حينما هزمت زنوبيا عروشاً كانت البداوة تتنقل في العرب بحثاً عن الماء والكلأ، فكيف حالها إذا رأت النفط والدولار، ستبحث حتماً عن إعمار الجيوب وتسعى إلى نهب الشعوب. تلك هي الصورة وتلك هي الحالة التي تستدعي «الغثيان». فما بين التوافق والتنافر باتت اللعبة واضحة المعالم منسوجة بخيوط واهية كـ»خيوط العنكبوت».
وحالهم اليوم مبعثرين في المكان تائهين ومذعورين كفئران تراوح، لا هي قادرة على الهرب ولا على الاعتراف بالهزيمة. هذا هو حال واشنطن وحلفائها «البترودولار» الذين أكلت النيران جباههم وأفرغت عقولهم بعد صدورهم.
أما ما يدور في أرضنا السورية وعلى كامل جغرافيتها حتى الجنوبية منها في فلسطين في السنوات الأخيرة، إنما هو صحوة ونهضة فعلت وتفعل وتغيّر وجه التاريخ بل تعود بعهدها وتاريخها إلى نهضتها وعظمتها.
ففي العدوان الثلاثي على دمشق، تلاقت المصالح وتكاتفت الجهود وتوحّدت الأهداف وتسلطت الأضواء ومعها المنابر على أرض الشام. إنّما ما آلت إليه أوضاعهم من تخبّط وتلبّط، وهرج ومرج، وبدون تحليل ولا تمحيص، ندرك أنّ ذاك العدوان مات لحظة ولادته، أمام تجمّع لشعلة المقاومة «الأزلية» في المكان والزمان إلى أن تعود أرضنا، أرضنا كلها، إلى أصحابها.
فكان فجر العدوان الثلاثي ميلاداً للعزة والكرامة، ميلاداً ولد من رحم المقاومة، وميلاد وطن أبى أن يكون إلا قرباناً لحريته واستقلاله.
هذا الجيش ما برح القتال يوماً وما هاب الموت، إنما هاب الحياة إن لم تكن حياة عز وفداء. وأصبح اليوم مدار الحديث حول قدراته وإمكاناته، لا بل حول إنجازاته وبطولاته. وأكثر من مجرد رهان، أصبحت ساعات العالم أجمع تربط عقاربها على وقع الميدان المفعَم بالانتصارات والتضحيات.
ونستذكر قول الزعيم سعاده: «يمكن أن يعاون السوريين من الخارج دول لها بسورية صلات تاريخية ودموية وثقافية وقرابة مصالح، ولكن لا يجوز أن يقرّر أحد، مهما كان قريباً لنا، قضية تخصّنا نحن. يجب أن ينتظر إلى أن نقرّر نحن ليوافقنا على تقريرنا».