الشاعر الروائيّ كامل فرحان صالح لـ«البناء»: النقد العربيّ في مأزق

حاورته: رنا صادق

تعدّدت مداركه في الشعر والأدب والتعليم الجامعي ما بين الخطوات الثابتة والحالمة. تأرجح على مقاعد الدراسة بين الهندسة والأدب، لكنه مال ميلاً قويّاً نحو الشعر والأدب ورسالة كلّ منهما. لذا، قرّر أن يعمل في المجال الأكاديمي والتعليمي علّه يمنح الأجيال اللاحقة سرّ كنه هذا الأدب.

عمل سابقاً في الصحافة لأكثر من عشرين سنة، في صحيفة «السفير» اللبنانية، و«عكاظ» السعودية. له عدد من المؤلفات النقدية، والشعرية، والروائية، فضلاً عن عشرات الأبحاث، والمقالات الأدبية والنقدية، والمشاركة في مؤتمرات وندوات ثقافية في لبنان والعالم االعربي.

الأستاذ والشاعر والأكاديمي والروائي كامل فرحان صالح، شاعر الومضة والحقيقة، شاعر الحرّية والعدالة، المكافح عالي البصيرة وشديد العزم، التقته «البناء»، وكان هذا الحوار.

من الجنوب اللبناني أتيت تحمل لواء الشعر والرواية. أخبرنا عن مرحلة البدايات والطفولة.

ولدت في قرية في جنوب لبنان، تقع في قلب جبل الشيخ حرمون اسمها كفرشوبا، وذلك في 18/1/1969. قريتي تطلّ من جهة الغرب على الجليل ومن وراء الجبل على سورية. حرمون جبل يقال إن غلغامش عندما أراد البحث عن عشبة الخلود، قدِم إليه علّه يجدها.

ولعلّ ولعي بالأساطير والبحث في الأديان مردّه تراب حرمون، حيث يحضن إضافة إلى هذا كلّه، الزيتون والتين والعنب ودوّار الشمس وحكايات تقطر بالسكّر والمرارة.

دمّرت «إسرائيل» قريتي بالكامل في أواخر الستينات من القرن الماضي. لكنها عادت إلى الحياة بعد أن تحوّل بيت جدّي الذي شهد صرختي الأولى، إلى لاشيء تلال من الركام والذكريات والدموع، واستشهاد خالي وهو يدافع عن الضيعة وأهلها. جيلي ربيب الحرب اللبنانية، التي إلى الآن لم نعرف حقيقةً لماذا بدأت وكيف انتهت.

لكن ما أعيه تماماً، أنّنا نحن كلبنانيين، دمّرنا بلدنا بأيدينا، وما زلنا نفعل ذلك حتى اليوم بأشكال مختلفة للأسف. ومهما قيل عن مؤامرات خارجية فإن الفاعل الأساس هو «نحن».

وأذكر هنا بيتاً للشاعر عمر أبي ريشة يقول:

لا يُلام الذئب في عدوانه

إن يكُ الراعي عدوّ الغنم

لم أقاتل، لم أنتمِ إلى أيّ جهة سوى للبنان، كنت ـ إذا صحّ التعبير ـ جباناً، أخاف، أرتعد من صوت الرصاص والقنابل والقذائف، فمنذ سماعي الطلقة الأولى أدركت لحظتئذ معنى الموت، وأصبحت أناضل لأواصل حياتي التي من الممكن أن أفقدها في أيّ لحظة.

أذكر جيداً ذاك الطفل الممدّد على الأرض هو وأخوته يقرأون القصص العالمية التي كان يشتريها الوالد لأطفاله.

أذكر جيداً تلك الرؤى التي كانت ترتسم أمامي كلما انتهيت من قراءة قصة ما. وقد عشقت مبكراً سندريلا ورابينزل ذات الشعر الطويل، والقطّ أبو جزمة، وفرحت لأعاجيب القِدر الذي يفيض بالمهلبية.

عندما كبرت اكتشفت أنني أميل إلى وجع الإنسان في أيّ مكان كان، ولأيّ إثنية أو عرق انتمى، وإلزامية أن نناضل لأجل العدل على الأرض، وتوزيع الثروات على من يستحقها. لا أكره الأغنياء، لكنني أجدني مع بساطة الفقراء.

لا أدّعي أنني من عشّاق الحياة، لكنّني لا أدّعي أيضاً أنني لا أحبها. الحياة عندما تنهض مع الفجر، عندما تكتب، تحبّ، ترى ابتسامة أمك وجذل أبيك وفرح طفلك، تمسح دمعةً هنا، تضحك هناك، تصرخ، تتأمل، تُجَنّ… الحياة بتفاصيلها الجميلة والعادية والمملّة.

يُعرف الشعراء بحبرهم العاشق الحسّاس. أين أنت من الحبّ والعشق؟

ـ مسّ الحبّ قلبي مذ كنت في الصف الخامس ابتدائي، عندما أحببت ـ أو هكذا توهّمت ـ زميلتي في الصف. وأذكر أنني أهديتها حرف اسمي.

العلاقة مع الأنثى ـ قبل زواجي طبعاً ـ أشبّهها بالحدث الدراماتيكي، حيث كانت تنتهي دائماً بحفر ألم على طيّات قلبي. لم أكن أعي تماماً المدخل المناسب لقيام علاقة ناجحة مع الطرف الآخر. كانت تفيض في كل مرّة بالتوتر والمزاجية والدموع. لم يكن ثمة ما يدعو إلى الفرح سوى لحظات الاقتراب الحميمية.

نقطة البداية بين ربيع آتٍ وربيع مغادر، وكذلك الكتابة والقراءة. أخبرنا عن ربيعك.

ـ القراءة كانت تتواصل مع القصص الدينية، فتعرّفت إلى القصص الدينية المصوّرة التي كانت تطبعها المطبعة الكاثوليكية على ما أذكر، فحزنت مع آدم، وتألّمت لموت هابيل، وفرحت بنجاة نوح من الطوفان، وتساءلت مع إبراهيم عن وجود الخالق، وصرخت مع المسيح عندما غُرزت المسامير يديه وقدميه، وقلت: إلهي… الهي… لمَ تركتني؟ سؤال حاولت أن أجد له جواباً، إلّا أنني في كلّ مرة أصمت. هكذا أنا، لا أعرف لماذا أحبّ، ولماذا أكره. أدع نفسي لمساحات من التأويل لا تنتهي.

كنت أدخل القصة مع كلّ نبيّ جديد، حتى خلت ذات يوم، أن الوحي يناديني من الجدار، فوقفت قبالته أتنصّت بإمعان ورجفة ما تشلّ جسدي. وكم ضحكت من نفسي عندما علمت أن مصدر الصوت كان بيت الجيران.

اكتشفت ميولك باكراً أم تعثّرت بمفارق نزوات المراهقة؟

ـ عندما كان يسألني الأستاذ: «ماذا تحبّ أن تكون في المستقبل يا كامل»، كنت أسارع إلى القول: «مهندس كهرباء». ولهذه الأمنية تطبيقات كانت كارثية في البيت وفي بيوت الجيران. إذ أحرقت أكثر من مرّة، جهاز التلفزيون بسبب محاولاتي لاكتشف ما فيه، ومرة احترقت لمبات جارتنا بسبب دمج وصلة كهربائية خاطئة. وتتطوّر الأمر معي عندما دخلت المهنية لأدرس الكهرباء، ففي السنة الثانية وفيما كنت أستعد لتقديم مشروعي، شبكت الخطوط ببعضها، وما إن طلب منّي المشرف توصيل الكهرباء حتى احترق المشروع بكامله، ونلت عقابي اللازم من المشرف مع علامة سيّئة جداً.

لم أيأس وسجّلت في الجامعة هندسة كهربائية، لكنني في ذاك الوقت تأكدت أنني لن أصبح مهندساً كهربائياً، والسبب بكل بساطة أنني بدلاً من متابعة المحاضرات، كنت أكتب القصائد، وأرسم بعض الأشكال الهلامية. وبعد شهور على وجودي في كلّية الهندسة، أخذت قراري الحاسم، وانتقلت بكامل قواي العقلية إلى كلّية الآداب فسجّلت في قسم اللغة العربية وآدابها.

أذكر كتاباتي الأولى التي بدأت ترى النور مع تقدّم اجتياح العدوّ «الإسرائيلي» إلى بيروت. كنّا بلا مدرسة، ولا تعليم، فجلسنا في البيت ننتظر والداً ربما يعود وربما لا، وننتظر الأخبار، وتفاعل الأحداث، وكنت صغيراً أمام هذه الأحداث المصيرية، فوجدت نفسي أنهمك بقراءة المسرح العالمي، وأذكر أنّني في شهرين تقريباً، قرأت نحو عشر مسرحيّات، لم أعد أذكر منها شيئاً اليوم.

هذا التوجّه في القراءة دفعني بشكل لاشعوري، إلى الكتابة مبكراً، فكتبت مسرحيتين في سنّ الثالثة عشر تقريباً، ولم أعد أعلم مصيرهما اليوم المسرحية الأولى تحدّثت فيها عن حالة حبّ تقع بين شاب وفتاة من طائفتين مختلفتين لكن عائلة كلّ منهما تعارض هذا الارتباط، المهم في النهاية أنّهما يقرّران الهرب معاً، غير أن قذيفة تصيبهما فينزفان حتى الموت، ويبدو فيها أنني كنت متأثراً بمسرحية شكسبير «روميو وجوليت». أما موضوع المسرحية الثانية، فبطلاها طفلان يقبعان في ملجأ خوفاً من الحرب، وتمرّ الأيام وهما في الملجأ، وعندما قرّرا الخروج أصيبا بالعمى… وماتا.

محاولة الكتابة المسرحية رافقتها محاولات أخرى لكتابة نصوص أو بمعنى أصحّ، خواطر مليئة بالأخطاء والثرثرة والمواضيع المكرّرة المملّة. أقرأ بعضها اليوم وابتسم. ولم أجرؤ على تمزيقها.

من الكتابة الروائية إلى الشعر ثمّ النقد، أنت شامل المواهب، كيف تترجم ذلك؟

ـ الاتصال بالكتابة، كان فعل تراكم لديّ، إذ تنوّعت مساحات الأنواع الأدبية التي طرقت أبوابها. فقبل كتابة المسرح، طرقت باب الشعر، وكانت القصيدة الأولى عن الأمّ وهي عمودية، بعمر 11 أو 12 سنة، لكنني عندما قرأتها أمام أستاذ مادة اللغة العربية في الصف، تبيّن لي أنني كنت أحاكي قصيدة قديمة عن الأمّ في الوزن والقافية والرويّ وبعض الكلمات، وحتى في المعاني، فقرّرت حينئذٍ عدم كتابة الشعر الكلاسيكي، وسلكت مسلك كتابة الشعر من دون وزن وقافية وروي، وصدر الديوان الأوّل لي تحت عنوان «أحزان مرئية»، بعمر 16 سنة، ثمّ ديوان آخر تحت عنوان: «شوارع داخل الجسد»، لكن غلب على هاتين التجربتين: الحشو، والثرثرة، والركاكة في التعبير، وبقيت على هذه الحال حتى التقيت شخصاً غيّر نمطي في الكتابة كلّياً، عندما طلب منّي أن أرمي «قصيدة» لي في القمامة، وبدأ يساعدني في صوغ الجُمَل والعبارات، وبناء القصيدة. وهكذا دخلت إلى عالم قصيدة النثر مع ديواني الثالث الذي شكّل مفصلاً في حياتي الأدبية، وهو «كنّاس الكلام». لكنّني اكتشفت بعد سنوات، أنني كنت قاسياً جداً على قصيدتي، إذ كنت أشذّبها، مراراً وتكراراً، وكنت أغرقها في السريالية والغرائبية والعبث. وقد شفيت من هذه التجربة بعد سنوات عندما كتبت قصيدتي «مقام الهجرة والوله»، وقد شكّلت مفصلاً آخر في حياتي الأدبية، إذ معها اكتشفت معنى آخر للشعر، معنى أن تتأمل الحياة، وتراقب التفاصيل، وتلامس الموت وأنت تبتسم… وكان ديواني الرابع الذي صدر بعد نحو 17 سنة عن آخر ديوان لي، وهو «خذ ساقيك إلى النبع».

أما باب الرواية، فقد دخلتها صدفة، وقد سبقها كتابة عشرات القصص القصيرة، وقد نشرت معظمها في جريدة «الديار» ومجلة «الحداثة» قبل عام 2000. وروايتي الأولى «جنون الحكاية ـ قجدع»، هي في الحقيقة، كانت مشروع قصة قصيرة، لكنني شعرت أن الشخصيات تضجّ في روحي، وتريد أن تواصل السرد، أو بالأحرى تريد أن تتشكل ضمن مسار حياة. وهكذا كان. لكن الجنون الذي سيطر على كتابة الرواية الأولى، تحوّل إلى هدوء وسكينة وتأمل، في الرواية الثانية «حبّ خارج البرد»«، وكما حدث معي في الشعر، حدث معي في الرواية، لكنني أعترف أن عالم الرواية عالم متعب ومرهق ومؤذ نفسيّاً، إذ كيف لشخص واحد أن يتحكّم بمصير عشرات الأشخاص بـ«جرّة قلم»، هذه قمة الديكتاتورية والعنف… ربّما.

في موازاة هذا كلّه، كنت أشقّ طريقي الأكاديمي، فقدّمت رسالتي في الماجستير عن الشاعر يوسف الخال ودعوته اللغوية، وكانت أطروحة الدكتوراه عن الشعر والدين، «فاعلية الرمز الديني في الشعر العربي» في العام 2004، وقد صدرت في ثلاث طبعات حتى الآن.

مارست النقد الصحافي في البداية، ثم النقد الأكاديمي، وما زلت حتى اليوم من خلال عملي الجامعي كوني أصبحت أستاذاً دكتوراً متفرّغاً في كلّية الآداب في الجامعة اللبنانية، وقد نشرت عشرات المقالات والأبحاث والدراسات في هذا الإطار. كما كانت لي مشاركات بحثيّة في غير ندوة ومؤتمر محلي وعربي.

كيف تقيّم وضع النقد بالنسبة إلى الشعر والشعراء والكتّاب؟

ـ النقد العربي في مأزق إذ هو من جهة يتّكئ على المدارس والاتجاهات الأجنبية تاريخياً، وبالتالي لم يستطع أن يكوّن لنفسه هويّة خاصة به، ومن جهة أخرى، يواجه اليوم، الحالة المتفشيّة في مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت، إذ تقزّم دور النقد إلى «لايك»، و«كومنت»، و«تغريدة». وبات المرء يقيّم تجربته بناءً على عدد «اللايكات»، فينتقل من النشر العنكبوتي إلى النشر الورقي. وهذا المسار في غالبيته، مسار ورميّ غير صحّي، إذ عند وضع معظم هذه التجارب على مشرحة النقد والتحليل، تتبيّن هشاشتها، وضحالتها. فغالبيتها خواطر وانطباعات وثرثرات. وقد زاد الطين بلّة، أن العالم العربي لم يفهم روح قصيدة النثر وتقنيّاتها وسماتها، وعندما بدأ يلتمّس طريقها، ظهرت اتجاهات في كتابة قصيدة النثر، وقد أصبح هناك بون شاسع بين النقد والكتابة الإبداعية عموماً، إذ عند تعداد الدراسات النقدية الجادة نجد أن عددها خجول جداً أمام شساعة عالم الكتابات الإبداعية، هذا العالم الذي لم يعد وجوده على الورق فحسب، إنّما يتوسّع وجوده في كل ساعة، في العالم الفضائي المفتوح أيضاً.

ما هو الباب الذي تفتحه القصيدة عند لقائك بها: باب الطفولة والحنين، باب المرأة، باب النسيان، باب الأمّ، باب الدهشة، أم باب الوجع والألم؟

ـ لا أرى أن من مهمة القصيدة أن تفتح الأبواب، إنّما مهمتها أن تكون هي الباب، وأن تكون هي البيت، وهي الأرض، وهي السماء… لست مع توظيف الشعر بأيّ شكل من الأشكال، فإذا كانت القصيدة نفسها تفيض بحالة ما، فليكن، لكنّني لا أستطيع أن أكبس زرّاً مثلاً، لأكتب قصيدة عن حالة ما.

لعلّ أوّل ما أعانيه مع كلّ قصيدة، تنقية الكلمة الأولى، أو الجملة الأولى، بعد نضوج الحالة الشعرية، ولا أقول: نضوج المعنى، لأن المعنى ينضج ويخرج إلى الوجود، ويعبّر عن نفسه، مع النقطة الأخيرة. كذلك، أراعي باللاوعي، مسألة الإيقاع الداخلي للنصّ، لذا أجدني، أكرّر في بعض النصوص، كلمة ما، أو حرفاً ما، أو جملة ما، هذا الإيقاع هو الذي يمدّ جسراً خفيّاً بين روحي والكلمات.

الشعر حالة خاصّة جداً، وإن كانت هذه الحالة غنية، تجد قبولاً عند حالات أخرى أي القارئ، وإن كانت ضعيفة، يقضي عليها مرضها، فتموت بعد ساعات أو أيام، وتصبح كجثث عفنة على مساحات بيضاء.

لكلّ شاعر أبواب وألغاز، فما هي ألغازك؟

ـ لا ألغاز لديّ، أنا إنسان بسيط جدّاً، ويقال عنّي إنّي طيب جداً… ولعلّ لغزي في بساطتي، ربّما.

يقول مالارميه: «القصيدة سرّ وعلى القارئ أنّ يبحث عن مفتاح». هل لكلّ قصيدة أسرار خاصّة بها؟

ـ لا أعتقد أنّ القصيدة الحديثة تسعى إلى أن تحتضن سرّاً ما، وليس هذا من غاياتها وأهدافها. لكن يمكن القول إن المشكلة تكمن في لعبة الاستحضار إذ يستحضر الشاعر الحديث إلى نصّه، الأساطير والحكايات والرموز والإشارات الدينية، فيدخلها ضمن نسيج جمله الشعرية. ومن هنا أصبح على القارئ أن يكون حديثاً أيضاً في قراءته، وأن يكون على اطّلاع على هذا الثراء الثقافي والمعرفي، ليواكب هذا الحالات الشعرية، ويعي مفاصلها وبنيتها، ويعي سحرها. فقديماً كان يكفي أن يعرف القارئ معاني كلمات القصيدة كما وردت في المعجم، ليفهم ما يقوله الشاعر، أما مع الشعر الحديث، فهو يجد نفسه في الغالب، أمام كلمات واضحة، لكنه عاجز عن فهم القصيدة.

بطاقة هوّية

كلّ ما يكتبه الشاعر والدكتور كامل صالح هو قلبه، وعقله، لكن تختلف هذه العلاقة مع الزمن، إذ في لحظة ما يصبّ جلّ اهتمامه على المولود الجديد، ثم، ينتقل هذا الاهتمام إلى مولود جديد آخر.

له في الشعر: «أحزان مرئية» دار الحداثة ـ بيروت 1985 ، «شوارع داخل الجسد» دار الهيثم، بيروت 1991 ، «كنّاس الكلام» دار الحداثة 1993 ، «خذ ساقيك إلى النبع» الهيئة العامة لقصور الثقافة ـ القاهرة 2013 .

في الرواية: «جنون الحكاية» دار الحداثة 2000 ، «حبّ خارج البرد» دار الحداثة ـ بيروت ، «ذاكرة الناس» ـ الجزائر 2010.

في الدراسات: «الشعر والدين: فاعلية الرمز الديني المقدّس في الشعر العربي»، أُعدّت أصلاً لنيل شهادة الدكتوراه، طبعة أولى دار الحداثة 2005. وطبعة ثانية المجلس الأعلى للثقافة ـ القاهرة 2010 . «حركية الأدب وفاعليته» في الأنواع والمذاهب، الحداثة 2017 ،« ملامح من الأدب العالمي» الحداثة ـ طبعة أولى 2017، وطبعة ثانية 2018 .

وتحت الطبع: ديوان جديد، ودراسة تتناول حياة يوسف الخال ودعوته اللغوية أعدّت أصلاً لنيل شهادة الماجستير من الجامعة اللبنانية ، وبحث عن الأدب الشعبيّ.

مختارات

في ما يلي، باقة مختارة من قصائد الشاعر كامل فرحان صالح:

في آخر الليل

أكافئُ روحي بأغنيةٍ

بضحكةٍ

برشفةِ قهوةٍ باردة

في آخر الليل

أسترخي كمؤمنٍ يحبُّ الله والناس

أتذكرُ أنني أحبّكِ

أرسلُ لك قبلةً

في الهواء

في هذه العتمةِ الرقيقةِ

كنهارٍ أول الصباح.

في ليالي الحقول

أنزوي كتفصيلٍ في باب

لم ينتبه له النجّار

أنزوي كهامشٍ في ملحمةِ غلغامش

أتأملُ رحيلَ يومي إلى يومي

وعلى العتمةِ أتأملُ مائي

وكأني أعيّ

أحتسي السؤال الأول:

أين يكون موتي؟

أدثّرُ مدينةً ترتجفُ بروحي

وأهربُ نحو الأعالي.

في ليالي الحقول

تحلمُ الجبالُ

بحضورِكِ

أتعثّرُ بأحلامي

بقلبي الذي معك

أشربُ قليلاً من ماءِ الصلاة

أقول: ربما الآن أراك.

أتعثرُ

يا لغيابكِ الخفيف

كنومِ فراشة.

لنسلق الوقتَ قليلاً كي ينضجَ

الحبُّ هنا كثير

والموتُ مكنسةٌ رشيقة.

لنسلق الوقت

النهارُ ينقصه نورٌ طيب

وهذا الليل تنقصه نجمة

أو نجمتان

وفوق البحرِ تغلي أسرارُ الأنبياء

القليل

القليل

وتنضجُ الحمّى أيضاً

تخمدُ النار

يهرُّ كلُّ شيء

تدور الأرضُ

كعاشقةٍ تدفنُ حبيباً

وتلتهمُ الوقت.

الحالمونَ

ماءُ النوافذ

رشّةُ حبقٍ في حقولِ المدن

يصغرونَ فجأةً

يصغرون كغيمةٍ عالقةٍ في طرفِ السماء

الحالمون

سريرُ الليل ووسائدُ النهار

يلعبون في الغياب

في الأيامِ المقبلة

يلعبون في ضحكاتِ النجوم

الحالمون

صلاةُ النورِ بعد نفقٍ طويل

يبكون

ويضحكون كمجنونِ جبالِ القرى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى