قانون الانتخاب: «صداع» الزعماء
روزانا رمّال
هي الانتخابات اللبنانية الاولى من نوعها التي من الممكن تصنيفها وطنية محلية بامتياز، ما خلا بعض الاستثناءات في دوائر محدودة تبذل دول خليجية قصارى جهدها فيها لمواجهة حزب الله بدون أن يلغي ذلك ما هو أهم.
يخوض اللبنانيون اليوم الانتخابات الاولى من نوعها البعيدة عن التأثير السوري المباشر او الأميركي على حد سواء، خصوصاً عن تلك المرحلة التي سادت بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، حيث طغى التأثير الأميركي على الانتخابات تمويلاً وتشكيلاً وصولاً الى حملات الترويج الإعلاني والخطابات المعدّة سلفاً وجزء منها كان يستهدف حزب الله بشكل مباشر على أساس أنه بقية الوديعة السورية في لبنان قبل أن ينقلب المشهد.
اليوم، وعلى الرغم من تأثر الساحة اللبنانية مباشرة بالأحداث القائمة في سورية منذ عام 2011 حتى اليوم، وعلى الرغم من مشاركة حزب الله فيها كأقوى فصيل لبناني مسلح استطاع تغيير المعادلات في لبنان، كما بقتاله في سورية وأسهم في قلب النتيجة لصالحه وصالح حلفائه، إلا أن ذلك لم يؤدِ الى استفراد حزب الله بصورة المشهد المحلي، كما كان يروج على أساس أن بعض القوى الخاسرة عملياً والواقعة ضمن الحلف المقابل له، تعتبر أن المدّ الفارسي الإيراني قد وصل الى لبنان بعد أن صار هذا تفسيراً لانتصارات حلفاء روسيا في المنطقة وصار منطق مواجهة حزب الله منطلقاً من هذا المعيار.
بمراقبة سلوك حزب الله، فإن كل ما يثير شبهات تدخّل حلفائه بالانتخابات ابتعد عنه، لم يلحظ أي زيارة أو موقف لسفير إيران او سورية في هذه الانتخابات، كما أن حزب الله بشخص أمينه العام بدا مستفرداً بقيادة هذا الملف بعيداً عن الحديث عن أي مصلحة من مصالح حلفائه الإقليميين، فلعب تحالفات سياسية لبنانية محضة ومحلية، ترجمتها ظهرت في بعض الدوائر التي انفصل فيها عن شريكه التيار الوطني الحر «جبيل»، حيث صارت لائحته إحدى اللوائح المباركة من شخصيات وعائلات رافضة لاستراتيجيته كروجيه إده مثلاً وغيره، كما أن أي صورة من صور التكتلات الإقليمية لم تظهر كتدخلية أو عابثة بالمشهد ما أحرج قوى خليجية تدخّلت في تشكيل بعض اللوائح اليتيمة بمواجهة حزب الله ترى في أي حركة فاقعة إدانة مباشرة بعد أن سلط الإعلام الضوء عليها عكس مرحلة التفوق الأميركي في انتخابات عام 2009، حيث كان الدبلوماسيون الأميركيون يحشدون علناً لجمع قوى 14 آذار بمواجهة حزب الله اجتماعات وتنسيقاً وتأسيس أطر تعاطٍ جديد.
قانون الانتخاب بدوره هو صيغة لبنانية محضة، فهو بتركيبته النسبية شكل قلقاً للجميع، يكاد أي متابع، أن يراقب او يتواصل مع أي «زعيم» لبناني أو سياسي بهذه الساعات يلحظ «القلق» المستشري من كل حدب وصوب حتى أن حزب الله يحشد في أكثر من منطقة بالرغم من «انتصارات حلفه الإقليمية». التيار الوطني الحر بشخص رئيسه جبران باسيل يعمل كورشة عمل لا تتوقف مع جولات مكوكية على كافة المناطق للحشد، أما رئيس الحكومة حامل «أمانة» تيار المستقبل فلا يهدأ ولا يتوقف عن زيارة القاعدة السنية الشعبية والمناطق التي نسج فيها تحالفات مع أحزاب وقوى أخرى فهو يدرك أن الساحة السنية تحمل مخاوف أسماء متعددة مثل ريفي وميقاتي وأن المرحلة المقبلة استثنائية، ويُضاف الى هذا حرص الحزب التقدمي الاشتراكي على إحداث نتيجة جيدة في هذه الانتخابات على معرفته بصعوبة تحقيق ما كان في الانتخابات السابقة. وبالتالي فإن أبرز القوى اللبنانية تعاني ما تعانيه من هذا القانون وهي غير قادرة أن تنام مرتاحة البال من أن النتيجة قد حسمت كما جرت العادة. فكل شيء ممكن حتى آخر لحظة من إعلان النتائج.
أضعف الإيمان التساؤل عن جدوى توقيع هذه القوى على هذا القانون، إذا كان يحمل أخطاراً بهذا الحجم، فلماذا اذاً تمّ التوافق عليه؟ الذي يجري اليوم يمكن وصفه بـ«صداع» القانون الجديد عند «الزعامات» ورؤساء الأحزاب، لكنه يؤكد الأهم: الرغبة اللبنانية بالتغيير، ويؤكد أيضاً انصياع القوى الكبرى، خصوصاً قادة الطوائف والطائفيين لرغبة الشباب اللبناني الطامح للتغيير بعد أن نزل إلى الشارع محدثاً صدمة إيجابية أثرت على إعادة ترتيب كل الأحزاب الداخلية، لأن إهمال هذه الحقيقة أي «انتفاضة « الناس كان سيؤدي الى ما لا تُحمد عقباه، وبالتحديد كان سيعد بانقلابات على هذه الزعامات من دون معرفة أين يدخل لبنان بعدها بين فوضى الدول المجاورة.
نجح لبنان حتى اللحظة بإرسال رسائل إقليمية ودولية متعدّدة الاتجاهات تصبّ بدون شك في مصلحة العهد، فبعد أن صارت العملية الانتخابية بتفاصيل قانونها على «علاته» الشغل الشاغل لرؤساء الأحزاب الأكثر قوة، وبعد أن صار هذا القانون مصدر قلق الجميع صار فعلاً إنجاز هذا العهد. وهو تقديم قانون انتخاب نسبي الى اللبنانيين مع آمال تطويره ليصبح لبنان دائرة واحدة.
يشكل لبنان اليوم مساحة دراسة دولية لكيفية إدارة المرحلة بعيداً عن الوصاية وبعيداً عن تأثيرات الدول الفاقعة، فمع التدخلات المحدودة لبعض السفراء فإن من الواضح استحالة تأثيرهم بقلب النتائج او الحشد او إحداث فارق يُعتد به في هذه الانتخابات لتصبح الأكثر دلالة على تحرّر الصوت اللبناني من قوى خارجية عاثت فساداً في الحياة الديمقراطية لسنوات مع أمل تحسين الرقابة على سلوك المرشحين والمال الانتخابي وشوائب القانون الذي يدخل تدريجياً ضمن إصلاحات السنوات المقبلة…