الدفاعات الجويّة صمّام أمان استقلال سورية

سعد الله الخليل

على مدى اثنين وسبعين عاماً من عمر جلاء المستعمر الفرنسي عن أرض سورية، استطاع السوريون إنجاز استقلال حقيقي على أكثر من صعيد سياسي وعسكري واقتصادي وحتى في المجالات الثقافية والفنية، كانت لسورية بصمتها الخاصة المستقلة والفريدة النابعة من تفرّد الشخصية السورية بالرغبة في الاستقلال الذاتي.

سياسياً، تمكّنت سورية من حجز مكانتها على المشهد السياسي ضمن محور مواجهة التحدّيات التي عصفت بالمنطقة، بتحالفات واضحة المعالم مع القوى المؤمنة بنصرة قضاياها المحقة، انطلاقاً من أنّ بوصلة العداء في المنطقة للمشروع الصهيوني الأميركي التقسيمي، فوثقت علاقتها مع المعسكر الشرقي بدءاً من الاتحاد السوفياتي إلى دول أميركا اللاتينية مروراً بدول آسيا، من دون أن تغلق أبواب علاقاتها السياسية مع دول الغرب وحتى الولايات المتحدة، والتي كانت تمرّ بمراحل مدّ وجزر، وفقاً لسياسات الغرب ومشاريعه التصادمية مع سورية.

عسكرياً شكل التعاون السوري السوفياتي منذ الاستقلال عامل قوة فريداً للجيش السوري وضعه بمصاف القوى الكبرى في العالم، وأساس عقيدته العسكرية، حيث شكّل الإصرار السوري على الاستفادة من الخبرات السوفياتية بقطاع الدفاع الجوي والعمل على تطوير المنظومات التي حصلت عليها في مجالي الرادار والدفاع الجوي، علامة فارقة مقارنة بالجيوش التي تسلّحت بالأسلحة السوفياتية، فتمكنت المنظومات التي تعود لسبعينيات القرن الماضي من التصدّي للخروق الإسرائيلية والغربية بعد أربعين عاماً، وهو ما فاجأ الأصدقاء الروس قبل أعداء سورية، بحجم التعديلات الكبير الذي أدخلته القدرات العسكرية السورية على الصواريخ والرادارات، وهذا أحد الأسباب التي دفعت أعداء سورية لاستهداف مراكز الأبحاث أكثر من مرّة على مدى السنوات الماضية، واستهداف الكوادر العلمية المشرفة على تطوير البرامج الصاروخية السورية، عبر حملة تصفيات واغتيالات ممنهجة وعائلاتهم، كاللواء الدكتور نبيل زغيب، حيث كشفت صحيفة «هارتس» العبرية تفاصيل اغتياله وعائلته من قبل المجموعات المسلحة، بأوامر مباشرة من الموساد الإسرائيلي أواخر شهر تموز من عام 2012، باستهداف سيارة تقلّهم بالرصاص في حي باب توما الدمشقي.

حملات الاستهداف الممنهج للقدرات العسكرية السورية خلال الحرب التي تتعرّض لها سورية، دفعت المجموعات الإرهابية إلى مهاجمة قطعات الدفاع الجوي والعمل على تفتيتها، بالرغم من عدم امتلاك هذه المجموعات أية وسائط جوية يمكن أن تستهدفها هذه المضادات، ما يؤكد أنّ هذه المجموعات تعمل لصالح مشروع كبير أحد أبرز جوانبه إخراج هذا السلاح الاستراتيجي عن الخدمة، ليفتح المجال لاحقاً للطيران المعادي باختراق الأجواء السورية أكثر من مرة، وضرب أهداف عسكرية لدعم المجموعات الإرهابية المسلحة خلال السنوات الست الأولى من عمر الأزمة، قبل أن تعود الدفاعات الجوية لأخذ دورها على الأرض السورية بعد استيعاب الصدمة، لتؤكد أنّ إسقاط الطائرة التركية على الساحل السوري عام 2012 لم يكن مجرد صدفة، ولتتغيّر معادلة الحرب على سورية ولتضع حداً لاختراق دول العدوان على سورية أجواء البلاد، وتتحوّل أشكال العدوان لإطلاق الصواريخ من البحر والأراضي اللبنانية لتحقيق أهدافها بالدعم اللوجستي للإرهاب بأشكاله المتعدّدة ومسمّياته المختلفة، من داعش والنصرة وباقي الفصائل قاعدية الهوى والسلوك.

التصدّي للعدوان الأميركي على مطار الشعيرات شكل علامة فارقة في المواجهة، وتطوير الدفاعات الجوية السورية بالقدرة على التصدّي للصواريخ الأميركية، وإبطال مفعولها وإسقاطها وصولاً للتصدي للعدوان الأميركي الفرنسي البريطاني على سورية، مروراً بإسقاط طائرة الـ «أف 16» الإسرائيلية، وصدّ العدوان الإسرائيلي على مطار «التيفور» وهو ما غيّر حسابات الحرب على سورية، ولتعود الصواريخ السورية وراداراتها إلى واجهة الحرب والمواجهة المفتوحة مع العدوان على الأراضي السورية، ما سيغيّر حسابات الدول الساعية لإسقاط سورية ولتبقى الدفاعات الجوية السورية صمام أمان استقلال وسيادة سورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى