حلب وقلعتها… إرثٌ حضاري وتراثٌ مهدّد
لورا محمود
أقمشتها الحريرية مطرّزة بخيوط الشمس، شوارعها وأزقتها وحاراتها معطرة برائحة الزعتر وصابون الغار الحلبي، أسواقها عباءات مقصّبة، وسجاد محبوك بأياد عرفها التاريخ بخبرتها وجودة صناعتها، فهذه الأسواق تعتبر أطول أماكن التسوّق المسقوفة في العالم، وهي في طليعة أسواق المدن العربية والإسلامية من حيث جمالها واتساعها واحتفاظها بطابعها العمراني الأصلي، حيث كانت أسواق حلب مفتوحة للتجار من كلّ أنحاء العالم فرنسا وإنكلترا وإيطاليا وهولندا والبندقية وكانت لهم خانات مخصّصة كخان الجمرك، وخان الصابون، وخان الوزير، وخان الحرير.
هذا جزء من جمال عاصمة الدولة الحمدانية، مدينة حلب، لا سيما المدينة القديمة التي أعلنت أثناء انعقاد الدورة العاشرة للجنة التراث العالمي في العام 1986 كجزء من التراث العالمي من قبل منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة «اليونيسكو»، فهذه حلب الشهباء بكلّ ما فيها من غنى، ولا سيما قلعتها.
فقلعة حلب قصر محصّن يعود إلى العصور الوسطى، ويعتبر إحدى أقدم القلاع في العالم وأكبرها، ويعود استخدام التلّ الذي تتوضع عليه القلعة إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، حيث احتلتها في ما بعد العديد من الحضارات، بما في ذلك الإغريق والبيزنطيين والمماليك والأيوبيين، بينما يظهر أنّ أغلب البناء الحالي يعود إلى الفترة الأيوبية.
وقد أظهر معبد إله العاصفة المكتشف حديثاً في قلعة حلب أنّ تاريخ استخدام التلّ الذي تقوم عليه القلعة في الوقت الحاضر يعود إلى منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد، كما أشير إليه في النصوص المسمارية في إبلا وماري، ويُقال إنّ النبي ابراهيم كان يحلب غنمته على تل القلعة، كما سيطر الآشوريون على المنطقة في فترة امتدّت ما بين القرن الثامن قبل الميلاد حتى القرن الرابع قبل الميلاد، حيث سيطرت الإمبراطورية البابلية الحديثة عليها وتلاها الفرس ما بين 539-333 قبل الميلاد.
احتلال حلب عبر التاريخ
بعد دخول جيوش الإسكندر الأكبر مدينة حلب، حكمها سلوقس نيكاتور الأول، الذي قام بإحياء المدينة تحت اسم بيرويا، ويقول مؤرخو العصور الوسطى العرب إنّ اعتبار القلعة كأكروبول محصّن بدأ في عهد سلوقس نيكاتور الأول، وفي بعض أجزاء القلعة هناك بقايا مستوطنة هلنستية تصل إلى ارتفاع مترين، ويظهر شارع معمّد يصل إلى تل القلعة من الغرب، حيث المنطقة الجنوبية من حلب، والتي لا تزال تحتفظ بنمط الشوارع في العصر الهلنستي. وبعد خلع الرومان للسلالة السلوقية في العام 64 قبل الميلاد، تحت قيادة بومبيوس الكبير، نال التل الذي تقوم عليه القلعة أهمية دينية، وقد اكتشف عدد قليل من الآثار المادية التي تعود إلى العصر الروماني في القلعة.
كانت حلب في القسم الشرقي من الإمبراطورية الرومانية، حيث إنها ضمّت إلى بيزنطة عند تقسيم الإمبراطورية الرومانية عام 395م. وخلال الصدامات مع كسرى الثاني ملك الدولة الساسانية في القرن السابع ميلادي، ذكر أنّ سكان حلب لجؤوا إلى القلعة لأنّ سور المدينة كان في حالة يُرثى لها. وحالياً، تمّ العثور على عدد قليل من البقايا التي تعود إلى العصر البيزنطي في تل القلعة. ومن المعروف أنّ المسجدين الموجودين حالياً داخل القلعة تمّ تحويلهما من كنيستين بناهما البيزنطيون.
وقد تضرّرت حلب والقلعة أيضاً بشدة نتيجة الزلزال الذي وقع عام 1822. وبعد الزلزال، بات الجنود فقط هم من يعيش في القلعة. وقام الحاكم العثماني آنذاك ابراهيم باشا باستخدام حجارة المباني المدمّرة في القلعة لبناء ثكنة إلى الشمال منها. وعندما جاء الفرنسيون، بدؤوا عمليات التنقيب الأثرية وأعمال ترميم واسعة في ثلاثينات القرن الماضي، خصوصاً الجدار الخارجي. كما تمّ تجديد القاعة المملوكية بالكامل خلال هذه الفترة.
يذكر أنّ قلعة حلب تعتبر واحدة من المعالم السياحية والأثرية، ومدرجها كان يُستخدم لإقامة الحفلات الموسيقية والفعاليات والأحداث الثقافية، ولكن بعد دخول إرهابيّي الفكر والحضارة إليها تغيّر الحال، ففي آب 2012 تعرّضت قلعة حلب لضرر كبير نتيجة المحاولات الكثيرة للسيطرة عليها، حيث تعرّضت البوابة الخارجية للقلعة لأضرار كبيرة نتيجة القصف.
فقلعة حلب التي تعتبر رمزاً للمدينة، وتظهر على عدة قطع نقدية سوريّة، تخسر اليوم تراثها ويخسر العالمان العربي والإسلامي تراثهما بعد الخراب الذي طاول العديد من معالمها كالجامع الأموي، والكنيسة الإنجيلية، والمدرسة العادلية… وفي الفترة الأخيرة انضمّ معلمان تراثيان جديدان إلى القائمة هما: الزاوية الصيادية، والمكتبة الوقفية.
ومن الجدير بالذكر أيضاً أنه عند الاطلاع على الجدول الأولي للأضرار التي طاولت التراث الأثري في سورية خلال الأزمة منذ بداية تموز الى نهاية أيلول 2014 وفق مديرية الآثار والمتاحف، نجد أنّ حوالى 48 مكاناً أثرياً في حلب وريفها تعرّضت للتدمير والقصف والهدم والسرقة، من أحياء وخانات وأسواق ومساجد ومدارس تعتبر جميعها مواقع للتراث العالمي.
حلب عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2006 تسأل: «أين منظمة التعاون الإسلامي «الإيسيسكو»؟ واتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي الموقعة عام 1972 التي وضعت إشارة على صحائفها العقارية تثبيتاً لعدم جواز هدمها أو تغيير معالمها أو مواصفاتها، حتى من قبل بلديتها إلا بعد أخذ موافقة الجهات الأثرية العالمية»؟