هيئة الإشراف بصلاحيات «ناظر»
هتاف دهام
لا ريب في أنّ تأكيد رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات القاضي نديم عبد الملك أنّ الهيئة تفتقر إلى الصلاحيات اللازمة لممارسة مهامها وغمزه من قناة فقدانها استقلاليتها التامة، دفع الكثير من المراقبين إلى طرح تساؤلات عن جدوى تأليف هذه الهيئة، وموضوعية تقاريرها وأحكامها، ورضوخها للقرارات السياسية.
بالنسبة للقانونيّين، هذه الهيئة مستقلة أعضاؤها قضاة سابقون ونقباء محامين ونقباء صحافة سابقون وسواهم، ولكن ليس لها صلاحيات تنفيذية. الغاية من وجودها أن تكون شاهداً على الانتخابات، فضلاً عن مهامها المحدودة، استناداً الى المادَّة 19 من القانون رقم 44/2017 التي حدَّدَت، بحسب الخبير في القانون الدستوري الدكتور عادل يمين، مهامَ هيئة الإشراف بإصدار القرارات والتعاميم التي تدخل ضمن مهامها ورفع الاقتراحات التي تراها مناسبة إلى وزير الداخلية، تلقي طلبات وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والالكترونية الراغبة بالمشاركة في تغطية عملية الاقتراع والفرز وتسليمها التصاريح اللازمة لذلك، ووضع قواعد سلوك للتغطية الإعلامية، تلقي طلبات وسائل الإعلام الخاصة المقروءة والمرئية والمسموعة الراغبة في المشاركة في الإعلان الانتخابي المدفوع الأجر وفقاً لأحكام هذا القانون، مراقبة تقيّد اللوائح والمرشحين ووسائل الإعلام على اختلافها بالقوانين والأنظمة التي ترعى المنافسة الانتخابية، تحديد شروط وأصول القيام بعمليات استطلاع الرأي، وكذلك نشر أو بث أو توزيع النتائج أثناء الحملة الانتخابية ومراقبة التقيّد بفترة الصمت الانتخابي، تسلم الكشوفات المالية العائدة للحملات الانتخابية والتدقيق فيها خلال مهلة شهر من تاريخ إجراء الانتخابات، تلقي طلبات تسجيل المفوضين الماليين عن الحملة الانتخابية لكلّ مرشح وتسليمه إيصالاً بذلك، ممارسة الرقابة على الإنفاق الانتخابي، قبول ودرس طلبات المراقبين الانتخابيين المحليين والدوليين ومنحهم التصاريح ووضع قواعد سلوك لهم، نشر الثقافة الانتخابية وإرشاد الناخبين وتعزيز الممارسة الديمقراطية بالوسائل المتاحة كافة، تلقي الشكاوى في القضايا المتعلقة بمهامها والفصل بها، ويعود لها أن تتحرك عفواً عند تثبتها من أية مخالفة وإجراء المقتضى بشأنها.
ويوضح يمين لـ «البناء» أنَّه استناداً إلى المادَّة 65 من القانون عينه، تحيل الهيئة مخالفة أحكام الفصل المتعلق بالتمويل والإنفاق الانتخابي على النيابة العامة المختصة إذا تبيّن لها أنّ هذه المخالفة ينطبق عليها وصف الجرم الجزائي.
عمل هيئة الإشراف، أشبه بـ«الناظر» للعملية الانتخابية وليس بـ«المدير»، بحيث لها الحق تجاه وسائل الإعلام المخالفة بتوجيه التنبيه والإنذار والإحالة على محكمة المطبوعات، ولكن ليس لها الحق باتخاذ تدابير إكراهية تجاهها مباشرة، لأنها لا تملك صلاحيات تنفيذية، يقول يمين. كذلك، ليس لديها صلاحيات تنفيذية أيضاً تجاه السياسيين، ولكن لها صلاحيات رقابية فتسجل مخالفاتهم للقانون وتودعها المجلس الدستوري في نهاية الانتخابات وتكون بيد المتضرّر الراغب بالطعن لديه. إلا أنَّ يمين يرى أنه في جميع الأحوال يمكن للهيئة تقديم إخبار للنيابة العامة عن أيّ أفعال تعتبرها جرائم انتخابية قد يقدم عليها أيّ من المرشحين سواء كان سياسياً أو غير سياسي.
وسط ما تقدم يمكن القول إنّ الهيئة ليس باستطاعتها معالجة الارتكابات الجسيمة التي قد تلجأ اليها اللوائح. فلا يمكنها القيام بأي إجراء حيال مخالفات المرشحين وزراء كانوا أو نواباً نظراً لـ «امتيازات الحصانة» التي يتمتعون بها. فهي، على سبيل المثال لا الحصر، لم تلجأ إلى أي خطوة بحق المرشح نهاد المشنوق الذي ظهر في أحد الفيديوات يصف خصومه في دائرة بيروت الثانية بـ «الأوباش»، من منطلق أنه وزير داخلية فضلاً عن أنه مشرف على عمل الهيئة.
وبمعزل عما إذا كانت أقوال الوزير المشكو منها تؤلف، بحسب مصادر قانونية، جرائم قدح وذم وتشهير أم لا، فإنّ الملاحقة الجزائية تصطدم بالحصانة النيابية لكونه من «أصحاب السعادة».
لا علاقة للهيئة بخطاب إثارة النعرات الطائفية والممارسات التحريضية. ولا علاقة لها أيضاً بصولات وجولات رئيس الحكومة سعد الحريري. فهي ترفض التدخل في هذا الشأن أو حتى التعليق عليه. فالتساؤلات المطروحة تصب، كما تراها، في خانة المماحكات السياسية من كلّ حدب وصوب.
لقد طلب وزير الداخلية أمس، بحسب ما ورد في وكالة المركزية، من محافظ جبل لبنان استدعاء رئيس اتحاد بلديات كسروان الفتوح جوان حبيش للاستماع إليه في قضية تسليمه مفتاح كسروان – جبيل إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ممثلاً بمرشح الحزب في جبيل الشيخ حسين زعيتر في احتفال في بلدة المعيصرة. ويأتي الاستدعاء، على خلفية اتخاذه خطوة من شأنها أن تثير النعرات الطائفية وتؤدّي إلى فتنة. ما تقدّم، دفع مصادر قانونية إلى استغراب الخطوة، معتبرة أنّ صلاحية وزير الداخلية بطلب ملاحقة رؤساء البلديات تتحقق في حال توافر جرائم جزائية وليس قيام رئيس بلدية بخطوات رمزية وشكلية بمعزل عن مضمونها. مضمون اعتبرته مصادر مطلعة في 8 آذار أنه يصبّ في خانة التعايش الوطني لا أكثر ولا أقلّ.