في طهران.. تضاربت مصالح «البيتين»!
سماهر الخطيب
ساهمت سياسات الإدارة الأميركية مؤخراً المصهورة ضمن عقلية مديرها التجاري في ضرب التناقضات الجيواستراتيجية والاقتصادية، مفجّرة التوازنات الدولية والعالمية وحتى الإقليمية.
في الأثناء تعمل الولايات المتحدة على إبراز موقف واضح وجلي للعلن من خلال استراتيجيتها المصلحية بالتلاعب بالمفاهيم النظرية في إطار لعبة سياسية، غالباً ما ستنتهي بالتعادل السلبي على حساب الشعوب الأوروبية.
وهذه الخطوة «الترامبية» المرفوضة كلياً من الأوروبي صاحب العقل الاقتصادي الليبرالي القائم على العمود الفقري «التبادل الحر» تمثل تدخلاً سافراً لـ «حماية المصالح الأميركية» وهيمنة نفوذها، في حين تتعرّض المصالح الأوروبية لإجراءات أميركية غيرعادلة تهدّد الأهداف والمساعي الأوروبية الاستثمارية.
وبأول الغيث إفصاح ترامب عن نيته «إلغاء الاتفاق النووي الإيراني»، ما يعتبره البيت الأوروبي كارثة اقتصادية لم يكد يصدّق أنه فتح له باباً جديداً للاستثمار والتجارة، حتى جاء ترامب يهدّد بإلغاء هذا الباب المشرّع له.
وهنا لن يتوانى الاتحاد الأوروبي القائم على التجارة بأن يجلس في مكان المدافع الحازم تجاه مصالحه.. والمستعدّ للرد بسرعة وبشكل ملائم على الولايات المتحدة في حال تأثر اقتصاده بأيّ إجراءات أميركية على تجارته.
فيما تتعهّد طهران بتطوير برنامجها النووي بشكل مكثّف في حال قررت واشنطن الانسحاب من جانب واحد من الاتفاق، حسب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.
و»كل الخيارات جاهزة»، وفقاً لظريف، وستتخذ القيادة الإيرانية قرارها في الوقت المناسب. وقال: «من اللحظة التي تولّى فيها الرئيس ترامب منصبه لم يلتزم فعلياً بالاتفاقية»، حيث اتخذ هو وإدارته كل التدابير لمنع إيران من الحصول على منافع اقتصادية من خلال الاتفاقية.
وحتى وقت قريب، كانت طهران تعتمد على مساعدة الشركاء الأوروبيين في مسألة الحفاظ على الاتفاقية. أما الآن فيبدو أن فرص ثني القيادة الأميركية عن اتخاذ إجراءات «نووية» تقلّ.
ولم يترك ذاك التاجر الأميركي وسيلة يدرّ بها المال لخزينته إلا واتبعها وها هو يصرّح بأنه «على بلدان المنطقة الثرية بالشرق الأوسط أن تتكفّل بالمصاريف الكبيرة التي ننفقها لحمايتها». ومطالباً المساهمة المالية في جهود القضاء على تنظيم «داعش».
وأضاف ترامب خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، «أنّ واشنطن أنفقت 7 مليارات دولار على حماية بلدان ثرية»، مشيراً إلى أنّ «إدارته ستستبدل جنودها بالمنطقة بجنود تلك الدول».
في هذه الأثناء، يُعيد اليوم ترامب صياغة أسسه «الترامبية» في عقلية «تجارية» وليغرس تلك الأسس في العقول الإقليمية والدولية المريضة في محاولته جعل «إيران» العدو المرتقب للشعوب والدول، بحيث أكد رغبته في «سحب جنوده من سورية»، لكنه «لا يريد ترك إيران تصل بنفوذها إلى البحر المتوسط»، حيث قال «أرغب في إعادة جنودنا من سورية، ولكننا لا نريد إعطاء إيران ممراً مجانياً إلى البحر الأبيض المتوسط».
وبذلك ينبّه ترامب تلك الدول إلى أنّ نشاط إيران في المنطقة هو من «يصبّ الزيت في النار». ويقصد بذلك، «نشاط التشكيلات العسكرية المؤيدة لإيران في سورية» التي تفاقم الوضع العسكري لكونها بالقرب من حدود فلسطين المحتلة.
وهو ما يدفع بدولة الاحتلال «إسرائيل» إلى قصف ما تعتبره «منشآت إيرانية في جنوب سورية». الأمر الذي يجعل الإدارة الأميركية تلوّح بإلغاء الاتفاق الإيراني علها تسجل هدفاً في الوقت الإضافي من اللعبة السياسية.
في هذه الأثناء، تلوح في الأفق تساؤلات كثيرة حول مستقبل العلاقات الأميركية الأوروبية، وبصورة خاصة لكون ترامب توعّد بـ «التصدي لسياسة الاتحاد الأوروبي التجارية»، مستخدماً غريزته التجارية كـ «مقاول»، وليس كـ «رجل دولة يتعامل مع حلفائه بالناتو».