تويني: إقرارها مطلوب تطبيقاً لما التزم به لبنان بتوقيع الاتفاقية الدولية
اعتبر وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني «أنّ إقرار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ومخططها التنفيذي هو تطبيق لما التزم به لبنان عند توقيعه الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وتحديداً المادة الخامسة منها».
وخلال رعايته مؤتمراً بعنوان «استراتيجية مكافحة الفساد.. نحو مستقبل أفضل»، برعاية رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، بدعوة من وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية عناية عز الدين، وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، رأى تويني «أنّ هذه الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد هي حدث مهمّ في تاريخ استعادة الحقوق والحدّ من الظلم الاجتماعي في لبنان».
وأضاف: لقد أشار قاضٍ كبيرٌ في حديث إلى وسيلة إعلامية إلى أنّ الفساد منتشر في كثير من أنحاء العالم، وهو يشكّل ظاهرة قديمة، لكنه في لبنان متميّز وله خصائص إضافية تحوّله فساد إكسترا، ملاحظاً أنّ في الماضي كان يوجد بعض الحياء أما حالياً فقد طقّ شرش الحياء وصار كلّ شيء مباحاً ومستباحاً».
واعتبر «أنّ أسوأ الفاسدين وأكبرهم يحتمون بالطائفية والمذهب»، مستغرباً «أن يتطوّع الناس لحماية هؤلاء الذين يسيئون إلى طوائفهم ومذاهبهم بالدرجة الأولى».
وتابع تويني: «إنّ الشك والتشكيك واليأس والتيئيس هي أيضاً من نتائج هزيمة المجتمع والدولة أمام زحف الفساد، وعلى الدولة أن تقتلع هذه الآفة الاجتماعية التي استلبت إرادة الضعيف وسيطرت على المال العام ومكّنت القوي من الاستقواء والضعيف من المضيّ في الاستضعاف». وقال: «نجتمع اليوم لإطلاق خطة عمل لتنفيذ استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد في لبنان. فساد مستشرٍ منذ سنين، فساد منظم ومحميّ ومتحكم، ولا شك في أنّ الأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني تطالبنا يومياً بمحاربة هذا الفساد ومكافحته بكلّ الطرق والوسائل لدرء الخطر عن الأوادم في هذا البلد. واستجابة لهذه المطالبة الشعبية، وبسبب ضعف الإنتاجية في مجال مكافحة الفساد لسنين مضت، بادر فخامة رئيس البلاد إلى استحداث وزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد».
وكشف أنّ «الاستحقاق الاول الذي واجه وزارتنا تمثل في تحدّي وضع مسودة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وهذا ما حصل بالفعل، وهو نتاج تعاون مثمر بين وزارات عدة أبرزها وزارة الدولة لشؤون التنمية الادارية والعدل والداخلية والهيئات الرقابية ومجلس القضاء الأعلى وغيرها».
وأشار إلى أنّ «أسباب الفساد غياب العدالة الاجتماعية، واستيلاب السلطة السياسية والتوزيع غير العادل للدخل والثروات، ما أسفر عن انخفاض مستوى الدخل وتفاوته وتركزت الثروة في أيدي فئة تجيد أكثر من غيرها استغلال الأنشطة التي لا تتسم بالشفافية، ما أدّى إلى عدم قدرة عدد كبير من المواطنين على إشباع حاجاتهم الأساسية من السلع والخدمات، وما أدّى إلى لجوء البعض لانتهاج الممارسات الفاسدة كوسيلة لإشباع هذه الاحتياجات علاوة على قيام بعض الأفراد والشركات ببعض الممارسات الاحتكارية التي أدّت الى ارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات وبخاصة السلع الأساسية دون مبرّر اقصادي. ولكن، بعد سنة كاملة من التماس المباشر مع قضايا الفساد وبشكل خاص القضايا الشائكة والكبرى، تبيّن لنا بشكل قاطع أنه من المهمّ وضع استراتيجيات. ولكن يبقى الأهمّ تنفيذ هذه الاستراتيجيات وتطبيقها وذلك يحتاج إلى كوكبة من مكافحي الفساد شجعاناً صادقين وطنيّين، وهذا بيت القصيد».
وختم تويني: «علينا اليوم مسؤولية جماعية لإصدار القوانين التطبيقية لمنظومة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بشكل عاجل وفوري، لأنّ بداية تطبيق منظومة القوانين المقترحة، وعلى رأسها الهيئة العليا لمكافحة الفساد سوف ينتج جهازاً مسؤولاً في الاستقصاء والملاحقة وإعادة أموال الدولة والمجتمع المستباحة منذ زمن وعودة إرساء الحق والطمأنينة في المجتمع. وايضاً الآلية الموحّدة للمناقصات وضرورة مرور جميع المناقصات بإدارة المناقصات في هيئة التفيش المركزي».
عز الدين
وكان المؤتمر استهلّ بكلمة لوزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية عناية عز الدين اعتبرت خلالها أنّ مكافحة الفساد «عنوان هو من أكثر العناوين تداولاً في لبنان منذ سنوات طويلة، إلا أنه اكتسب أخيراً أهمية كبرى إذ أصبح محط إجماع نادر في بلدنا ذي التركيبة المعقدة رغم صغره. فقد ورد تأكيد الالتزام بمكافحة الفساد في خطاب قسم فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وفي البيان الوزاري لحكومة استعادة الثقة برئاسة الرئيس سعد الحريري، وفي أكثر من خطاب لرئيس مجلس النواب نبيه بري، وقد تبنّت معظم القوى السياسية هذا المطلب في برامجها الانتخابية حتى أمكن القول إنه القاسم المشترك بين الجميع».
أضافت: «سمعناها قبل اليوم وأكرّرها اليوم، السبب وراء هذا التحوّل هو أنّ الأوضاع لم تعُد تحتمل، وما كان بالإمكان إخفاؤه في مراحل سابقة أصبحت اليوم عوارضه وآثاره حادّة وواضحة وظاهرة للعيان. لا إنكار الحقائق ينفع، ولا ترك الأمور من دون علاج يجدي. ولذلك، لا بدّ من التحرك من مكان ما، لا بدّ من فتح مسار جدّي وممأسَس لمكافحة الفساد. والحق يُقال إنّ هذا الأمر إذا نجح سيكون محلّ إجماع شعبي وفرصة ثمينة لاستعادة الثقة المفقودة بين المواطن اللبناني وبين دولته. كما سيكون أحد أهمّ المؤشرات التي تساهم في رفع تصنيف لبنان وتحسين صورته دولياً، ووضعه على طريق تحقيق أهداف التنمية المستدامة».
وتابعت عزّ الدين: يمكن للقائنا اليوم أن يكتسي طابعاً تاريخياً وطنياً جامعاً، لأنها المرة الأولى التي نشهد فيها في لبنان إعلان وثيقة مماثلة في محاولة لوضع حدّ لدوراننا في حلقة مفرغة فيها الكثير من الكلام والقليل من الفعل وندرة في الآليات وغياب للتفعيل. وأقول ذلك لأنني اكتشفت في ضوء تجربتي الوزارية خلال السنتين الماضيتين أموراً عدة ذات صلة، ومن بينها وجود، إلى جانب القضاء والأجهزة الرقابية المعروفة، آلية لبنانية قائمة فعلاً لمكافحة الفساد، تتمثل بلجنة وزارية ولجنة فنية معاونة لها أنشئتا في عام 2011 تنفيذاً لالتزامات لبنان في إطار اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ولكنها لم تلقَ الاهتمام الكافي لا من الدولة ولا من المواطنين ولا حتى من شركاء لبنان في المجتمع الدولي».
وأكدت «أنّ قرارنا في وزارة الدولة للتنمية الإدارية المنسجم مع قرار حكومة استعادة الثقة كان البناء على الآلية المذكورة وتطويرها. ومن هنا، كان العمل الذي بذلناه، بالتنسيق مع وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد وسائر الوزارات والأطراف المعنيين في السلطتين التشريعية والقضائية، وفي القطاع الخاص والمجتمع المدني، وبالتعاون الوثيق بين فريق الوزارة وخبراء إقليميين ودوليين من الأمم المتحدة، وتحديداً برنامجها الإنمائي من خلال مكتبه الوطني في لبنان ومكتبه الإقليمي في الدول العربية. وقد استطعنا بعد جهد كبير، ورغم التحديات العديدة، إنجاز هذه الوثيقة، التي تعتبر خطوة أساسية، ولكن ربما الأولى على طريق الألف ميل».
وأشارت إلى أنّ «المطلوب بعد اليوم هو إقرار الاستراتيجية ومخططها التنفيذي في أقرب وقت ممكن كشرط أساسي لدخولها حيّز التبنّي والتنفيذ الذي يبقى الهدف الأساسي والجوهري»، لافتة إلى أنّ «هذا الهدف يتطلّب شراكة بين مختلف الأطراف الفاعلة من حكومة ووزارات معنية ومجلس نيابي وأجهزة قضائية وأصحاب الأعمال ومواطنين».
واعتبرت «أنّ هذه الاستراتيجية هي مسؤولية مشتركة، والكلّ له دور سواء على مستوى تعزيز المضمون أو التطوير والتنفيذ والمراقبة».
ولفتت إلى «أنّ إقرار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ومخططها التنفيذي هو تطبيق لما التزم به لبنان عند توقيعه الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وتحديداً المادة الخامسة منها. كما أنه ترجمة لما تمّ التوافق عليه في مؤتمر سيدر من توصيات حول الإصلاحات الهيكلية المطلوبة، وهي تشكل، إلى جانب استراتيجية التحوّل الرقمي، الإسهامين الرئيسيين لوزارة التنمية الإدارية، على أمل إقرارهما في أقرب وقت ممكن كي يشعر بنتائجهما المواطنون وشركاؤنا الدوليون».
وفي ختام كلمتها، عرضت عز الدين ملخصاً عن الوثيقة.
مويرو
من جهتها، ثمّنت مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان سيلين مويرو «دور الحكومة اللبنانية وسعيها الى مكافحة الفساد وبناء الثقة بين الشعب اللبناني وسلطته».
وشدّدت على «دور الأمم المتحدة في المساعدة على نشر القوانين التي تحدّ من عمليات الفساد». ولفتت الى «ضرورة توافر استراتيجيات لمكافحة الفساد في المنطقة والعالم وأهمية التعاون بين القطاعين العام والخاص في هذا المجال».
حضر المؤتمر عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب غسان مخيبر وممثلون عن قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية وعدد من السفراء والمديرين العامين، إلى عدد من القضاة والمسؤولين الماليين والرقابيين وممثلين عن المجتمع المدني.