واشنطن تخشى الانسحاب من الاتفاق مع إيران و«العبرة» للخليج؟
روزانا رمّال
لم تتوصل الولايات المتحدة الأميركية حتى اللحظة لقرار حاسم بشأن التخلي عن الاتفاق النووي الإيراني الموقع مع الغرب. وهو الاستحقاق الذي يعني أن ترتقب «إسرائيل» الأيام المقبلة من اجل معرفة مصير هذا الاتفاق الذي غيّر الكثير من رؤية وهيكيلة النظام الإيراني امام العالم. فبعد ان كان تخصيب اليورانيوم هو السلاح السياسي الاقصى الذي كاد يصنف إيران دولة ارهابية في عيون العالم صار التوقيع جواز سفر يعبر بها نحو اوروبا وباقي القارات لعقد ابرز الصفقات الاقتصادية القادرة على نسج علاقات لا يمكن لاتفاق حذفها او ضمّها بأقصى الحالات التي تعني اهتزازات في العقود والعلاقات بين الأطراف المعنية دولياً.
بأخذ المرحلة الاولى من تنفيذ الاتفاق صار لإيران القدرة على المواجهة امام المجتمع الدولي من منظار تطبيق كامل للاتفاق بدون اي تجاوزات باعتراف اممي بعد تقارير ورقابة اكدت النية الإيرانية بالحفاظ عليه، الا ان العقوبة او التهديد الذي يحول دون الاطمئنان لمصيره فيتمثل بقرار أميركي غربي «خطابي» حتى الساعة لمعاقبة إيران لا من أجل عدم تنفيذها بنوده بل لأسباب سياسية بحتة تتعلق بحسابات محورية في الشرق الاوسط. فإيران اليوم هي طرف من الصراع في سورية والعراق والأهم هو اليمن وعلى هذا الأساس يصبح الحديث عن نسف الاتفاق محض مطلب من الجوار في المنطقة. وبالتحديد أولئك المتضررين من التقدم الإيراني المحوري في الميادين المذكورة باعتبارها حليفاً اساسياً وفي بعض الأوقات شريكاً في تغيير مصير هذه الدول، باعتبارها مارست دوراً مباشراً عسكرياً وسياسياً لنقض مشاريع مقابلة.
«إسرائيل» وبعض الدول الخليجية هي اكثر المطالبين بنسف هذا القرار، وبالنسبة للهدف الإسرائيلي المعروف المتمثل بتقويض إيران دولياً لعدم تلميع صورتها، من حيث إنها المسؤولية عن تمويل حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، فان المطلب قديم جديد ومفهوم حتى ان القتال الإيراني الإسرائيلي وصل أشده بعد ان تعمدت «إسرائيل» اكثر من مرة استهداف مراكز حيوية عسكرية في سورية فيها ضباط وعسكريون إيرانيون، آخرها قصف مطار «التيفور» وقبله العديد من الاهداف الأمنية، يذكر منها ايضا حادثة اغتيال جهاد مغنية الذي استهدف معه عقيد إيراني في القنيطرة الجولان. وهذا الأمر كان على مقربة من توقيع الاتفاق مع إيران.
الاستحقاق القريب جعل «إسرائيل» تتوجّه نحو استدراج إيران في قصف مطار التيفور العسكري، لأن الإيقاع بها أساسي لمراقبة ردة فعلها فتسقط حصانة التوقيع الدولي أي الاتفاق النووي بين إيران والدول الست وينكشف دور إيران في المنطقة بعد أن كان مطلوباً أخذها الى رد فعل عنيف يتكفل وحده نسف كل الصورة التي رسمت من التزام وما شابه.
نجحت إيران بتخطي هذا القطوع والوقت يمر بسرعة كبيرة من دون أن يتوصل الأميركي الى قرار حيال الغاء الاتفاق، على الرغم من كل الضغوط فقد اعلن وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس أنه لم يتم التوصل بعد إلى قرار بشأن ما اذا كانت واشنطن ستنسحب من الاتفاق النووي الإيراني، كاشفاً أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ أن «المناقشات جارية في أوساط موظفي الأمن القومي والأشخاص المكلفين منا بتوفير النصائح للرئيس».
يكفي هذا التردد لوضع تساؤلات عديدة في هذه الخانة، واعتبار أي قرار أميركي بالحفاظ على القرار من عدمه، هو موضع شكوك لجزء كبير من الأميركيين او بالحد الأدنى دعسة ناقصة في القرار الأميركي، أي أن نسف القرار ليس مسلمة أميركية وليس من الثوابت بالعودة الى مرحلة الانتخابات الرئاسية. فإن الحزب الديمقراطي الأميركي المتمثل بالمرشحة حينها هيلاري كلينتون فقد كان التزامه متمحوراً حول الحفاظ على الاتفاق مع اجراء تعديلات بدون التخلي عنه. وهو إرث اوباما الرئيس الديمقراطي، وذلك نظراً لأسباب عدة من بينها التزامات بين الدول وإيران وانفتاح مضى على قدم وساق بالرغم من كل التحديات.
بدون شك حاول الرئيس دونالد ترامب ايصال صورة مختلفة عن ممارسة الرئيس باراك اوباما الذي استهزأ به أكثر من مرة، خصوصاً بعد ان انتقد ترامب عدم لجوء اوباما الى حرب على سورية، وكأن هذا الأمر كان أمراً سهلاً بالنسبة لأوباما وصار تقصيراً لتأتي الضربة الثلاثية لسورية المتمثلة بتعاون بريطاني فرنسي يكشف ان ترامب لم يستطع تغيير شيء أو تنفيذ شيء من انتقاداته على سلفه. فالأمور لا تتعلق بمواقف رئيس بل بخلفية مؤسسية أميركية حريصة على المشهد العام، لهذا السبب اعترض البنتاغون على توسيع الحرب والدخول في المجهول. وهو الأمر الذي يبدو أنه سيحذو حذوه في الكونغرس برفض التخلي عن الاتفاق مع إيران، لأن ذلك سيعطيها حجة مباشرة لتخصيب اليورانيوم وتطوير برنامجها من دون رقيب في وقت تتجه واشنطن لحل النزاع مع كوريا الشمالية من دون حرب او تصعيد.
السؤال الموجه لدول الخليج بالاخص المملكة العربية السعودية علها تكون لحظة مفصلية وعبرة لمن يعتبر. بعد كل الاموال التي أغدقها ولي العهد السعودي على الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين لشن حرب على سورية وتطويق إيران بشكل خاص عبر التخلي عن التوقيع النووي، فإن شيئاً من كل هذا لم يحصل ولا شك في ان زيارة ماكرون بأساسياتها تمحورت حول مصير القرار ويبدو من المصادر الفرنسية ميل أميركي للتمسك به ايضاً بنصائح فرنسية أوروبية. وبهذا الحال يصبح الخليجيون اول الخاسرين في هذا الرهان.
وحدها الاموال المدفوعة من المملكة الحقيقة الوحيدة والخسارة المؤكدة فإذا أعيد التوقيع على الالتزام بالقرار، ربما تكون الفرصة الأخيرة انفضت وحان الوقت لمراجعة خليجية لعلاقتها بإيران وتسوية الملفات العالقة. الأيام المقبلة بكل تأكيد ستنفي أو تحسم الالتزام الغربي مع الإيرانيين.