كلام في الحب
بلال رفعت شرارة
بعد قليل من الآن، سيكون قد انتصف النهار او ما يزيد، سيكون عندي متسع من الوقت لكي أحبك.
أما الآن فلا وقت عندي لمثل هذه السوالف ، وفي المساء سيكون أنهكني النهار، فأرتمي كجسد ثقيل فوق الأوراق النحيلة، ثم ستلتصق عيني بهذه الصفحة المضاءة على الايباد .
بعد قليل من الآن عندما يغادرني هذا البردُ، سأتجرأ على الخروج من محبسي، سأخاطر بالابتعاد عن المدفأة قليلاً، سيكون لا زال هناك لحسة برد، ليس الأمر مهماً.. سأتحمّل وأخرج وأتجاوز على المسافة نحو الشمس، لن أجلس تحتها مباشرة ولن أجعلها تلتمع أمام عيني على زجاج النوافذ المقابلة، لأن الصداع النصفي سوف يتحرّك مباشرة وأشعر أن رأسي يكاد ينفجر وأنا لا أحتمل ذلك.
بعد قليل من الآن سيكون لي أن أحبّك، سيكون التيار الكهربائي قد عاد إلى طبيعته، وقد انقضت ساعات التقنين الثلاث.. الأربع.. العشر في حيّنا وأستطيع الصعود الى المنزل بالمصعد، وأنا لا أتصبب عرقاً على الدرج، سأبدل ملابسي وأرتدي ثوب النوم وأرمي بنفسي على السرير وأفكر بك وانا تحت الغطاء، سوف لا أغفو الآن.. انا لا انام اساساً بعد الظهر مثل ابناء العائلات الذين خبزهم مخبوز وماؤهم بالكوز ، ولكني منذ ان أجريت آخر خمس او ست عمليات جراحية في معدتي وظهري تناقصت مناعتي تماماً، صرت اذا نظرت من الشباك ورأيت الدنيا ماطرة او ان الهواء يعصف بالصفصافة المقابلة أشعر بالبرد.. أتهاوى وأسارع الخطى لألتصق تقريباً بـ الصوبة . مذ ذاك صرت أشعر بعلاقة حميمية مع الصوبة وأني بحاجة للدفء والراحة بل النوم مقابل كل ليل سهرته في زماني كنت أقول سوف افكر بك أحبس صورتك في عيني كي لا تهرب او تتهرب وأصير احدثك.. سأترك لأهل بيتي أن يعتقدوا أنني لم اعد سوياً وانني أهلوس واتحدث الى نفسي ثم أني سأستثمر على هذا الاعتقاد وأحبك بشغف وجنون.
رغم أنك تقيمين الآن خلف البحار على مسافة بعيدة.. مسافة عمر مضى نحو خمسين سنة او أكثر منذ ان غادرتني، وانا في عمر الولدنة، وانا اخرج كل قليل الى تحت التوتة، اذ ربما تعودين.
أنا إلى الآن اعتقد أني رغم كهولتي لا زلتُ صغيراً، لذلك اربط الدرب لخيالك الذي لا زال مقيماً في الدار، لهمسك، لأنفاسك، لوجدانك، كيف وأنا منذ كبرت وانتبهت الى انني كنت ولا زلت احبك وانني اعيش دونك غصباً عني على أمل اننا سنعود ونجتمع ذات يوم!
كيف ترى حالي اليوم وقد عدت وتلقيت إشارة منك على صفحتي على الفايسبوك.. طلب صداقة! لم أصدّق رحتُ أفرك عيني.. وجهك أو وجه القمر؟
هذا الطلب العزيز نحن صديقان من أيام الفيمري من سنة آنست ربي ربما تقصدين اختباري؟ كيف حدث أنك تتجاوزين الآن على هذا العمر بعد كل الغياب؟ وتفتحين معي صفحة جديدة؟ هل بقي من العمر ما سيسمح لنا أن نلتقي؟ أن أتجاوز خجلي وأغمرك؟ ثم ان هذا الوقت يركض ركضاً وانا لن اجد الوقت الكافي ليتسع لحبي الكثير لك لأعبر لك عن هذا الحب، ثم أنه يا حبيبتي وانت تتابعين على الاخبار ما يحدث عندنا سوف لا تصدقين انه لم يزل عندنا بعد في الشرق مطرح للحب، كما أن الجميع هنا سيضحكون مني.. سيقلبون على أقفيتهم من الضحك وهم يشاهدون بأم أعينهم حبي الكثير لك في ما هم يقتتلون لسبب أبسط من هذا، هم عندنا لم يتركوا من شرّهم، احرقوا منازلهم، محاصيلهم، أحلامهم، مراكبهم، صارت مدنهم مأوى للخراب، صاروا يتفننون في وسائل الموت، ربما أنا وحدي في هذا الظل الداكن لا زال يحتفط بالحب في قلبه من أيام زمان.
لذلك يا حبيبتي، وقد وجدتني، فمن الأفضل ان تأخذيني من هنا، لأنك لن تجدي غيري يقوم على خدمتك، وقد حطّت بك الدنيا ولا زلت وأنت في عمرك هذا تعملين سحابة يومك ثم تأتين إلى بيتك فتصنعين الأطمعة لعائلات أولادك وهم قد أصبحوا كباراً وأنت لم تعودي ولداً صغيراً إلا في عيني ثم أنك ترتمين على السرير من التعب وتنامين من جريح قلبك وتحلمين بأننا نلعب تحت التوتة بيت بيوت ..
آه كم كنت أحبك؟ آهٍ كم لا زلت أحبك..