حاج علي: ازدواجية المعايير الغربية سمحت للسعودية بالتمادي في إجرامها
لورا محمود
خرجت السعودية عن غضبها بفعل أشد عنفاً وإجرامية يعبر عن مدى تبنيها للفكر الوهابي الرافض للآخر. ففي الوقت الذي تطالب فيه بحقوق الإنسان في كل الدول العربية، تصدر قرار إعدام بحق أحد مواطنيها المطالبين بأبسط حقوقهم المدنية وتعتبر أن الأقليات الموجودة على أراضيها أرقام لا يتمتعون بأقل حقوق المواطنة. واليوم تقرر إعدام الشيخ النمر، المعارض السعودي الشيعي، الأمر الذي أثار سخط رجالات الدين الشيعية وأيضاً الغضب الإيراني. هذا ما أوضحه الباحث والخبير الاستراتيجي أحمد حاج علي لـ«البناء» في الحوار التالي:
كيف سينعكس إعدام المعارض النمر على الداخل السعودي؟ وما هي انعكاساته على الجزيرة العربية وخارجها؟ وهل سنشهد تحركات في منطقة الخليج؟
– يعتبر هذا الحدث بمثابة مفصل تاريخي. فليس جديد على آل سعود أصحاب النزعة الإرهابية تحديهم لقيم السماء والأرض، خصوصاً مع الصمت العربي والإسلامي والغربي على حقيقة ما يجري في مملكة الرمال أو مملكة آل سعود. لكن القضية الآن تدخل في نطاق آخر مختلف، فالعالم كله بدأ يصحو على الإرهاب وحقيقة ما يجري، لا سيما من خلال الدور الذي لعبه آل سعود في رعاية الإرهاب وتمويله ودفعه نحو الأعمال الإجرامية كقطع الرؤوس والأوصال والتدمير والسلب والنهب، هذه الجرائم كلها تنسب الى جهة واحدة هي آل سعود وحكامه وأيضاً بعض دول الخليج كقطر وغيرها، لذا سيكون لإعدام النمر تداعيات كبيرة:
أولاً قرار إعدامه هو بمثابة اعتداء على حق الإنسان في وجوده وحريته واختياراته الاجتماعية والسياسية.
ثانياً سيتأثر كل من نجد والحجاز بهذا القرار، وكذلك الجزيرة والخليج الذي سيشهد تداعيات مهمة، والأهم من ذلك سيكون بمثابة صحوة للعالم لهذا الفعل الشنيع لأن الشيخ النمر لم يفعل إلا ما أمره الله به ولم يكن هدفه إلا خدمة بلده. فقرار إعدامه سيكون بمثابة معيار لكشف هذا النظام وحقيقته البشعة، فقد تمادى بإجرامه نتيجة التعمية والنفاق وازدواجية المعاييرالتي يتبعها الغرب، لكن كل هذا سينتهي وستكون بداية النهاية سواء بالمعنى السياسي أو الوجودي لهذا النظام الفاشي والمتخلف.
إلى أي مدى يمكن اعتبار قرار إعدام النمر بمثابة رسالة تصعيدية لإيران مع قرب توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب؟
– أولاً أين نظام آل سعود وأين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهناك في إيران دولة استطاعت أن تجمع بين الإسلام والعلمانية والديمقراطية والحضارة والقوة، بينما في السعودية هناك كيان متخلف يسيطر على العباد والبلاد عبر ما يعرف بـ»نظام الإقطاع السياسي». فإذا كانوا يريدون توجيه رسالة لإيران وإلى الشيعة فقد أخطؤوا بالرسالة والمرسل والعنوان، فهم لا يعلمون ما قيمة الشيعة ودورهم وما هو منطقهم في بناء الدولة بشكل حضاري وعلمي وديمقراطي، وأيضاً بشكل إسلامي. فقرار إعدام النمر سيكون بداية التغيير وتكييف الأمور والمواقف على منهجية جديدة لا يجدي معها التستر والنفاق، فهذه القضية ليست شأناً داخلياً بل قضية رأي عام، فالشيخ النمر وما تعرض له من ضرب وسجن ومحاولات اغتيال هو بمثابة اضطهاد لجزء كبير من شعبنا العربي المسلم في بلاد الحجاز.
هل خسرت السعودية كل أوراقها التي ظنتها رابحة سواء في مصر أو اليمن أو حتى سورية وخرجت عن ضبط النفس للفت نظر الغرب إليها؟
– هنا سنحكم وفق ما يقوله القرآن الكريم «والأجدر ألا يعلم حدود ما أنزل الله على رسوله». فهؤلاء الأعراب عبارة عن عائلات منغلقة على ذاتها، لذلك فهم لا يقيمون وزناً لمسألة ضبط النفس ومشاعر الآخرين. هذا الأمر أصبحنا نعرفه جيداً من خلال الفكر السعودي الوهابي وعلاقاته المتمثلة بتنظيمات مثل «داعش» وجبهة النصرة والجبهة الإسلامية وغيرها من التنظيمات المتعددة، لذا فهذا الفكر لا يأخذ في عين الاعتبار المشاعر، فهو يعتبر نفسه معفى من المسؤولية أمام الله، وهذه واحدة من الأفكار السلبية التي تنادي بها الوهابية. فهم قادرون على شراء الضمائر والمواقف على مستوى العالم، ولكن في قضية النمر سيحدث العكس، فهم لن يستطيعوا إخفاء الحقيقة، ولا حجب الشمس، ولا كبت كل الإرادات التي ستنهض لتعبرعن حالة الشجب والرفض وحالة التقزز من السلوك السعودي الهستيري.
هل سيضغط الغرب على السعودية لإجراء تغييرات حكومية وحقوقية جديدة بعد إعدام النمر؟
– سيسلك الغرب اتجاهين متناقضين: الأول كالعادة عبارة عن رفض شكلي وشجب كما عودنا، فهو يقول شيئاً ويفعل شيئاً آخر، وهذه المسألة ستظهر في الأيام المقبلة لأنه لن يكون بمقدور الغرب ولا غير الغرب أن يتنحى عن هذا الإرهاب المتجذر في نظام آل سعود.
أما الاتجاه الآخر فستقوم به قوى الرأي العام الحر والمؤسسات غير الرسمية ومراكز الأبحاث وحقوق الإنسان، وهي كثيرة جداً في الغرب، لتقوم بما يجب وأعتقد أن التأثير سيكون من هذه القوى الشعبية ومراكز التنوير والوعي والشارع العام الذي سيضغط على الحليفين السعودية وهمجيتها والغرب بمساندته وتغطيته على إرهاب النظام السعودي.
هل سيزيد إعدام الشيخ النمر من الشرخ بين إيران والسعودية؟
– إيران دولة مسؤولة تقول وتفعل، ولا تبني حساباتها على أساس انفعالي، بينما السعودية تطيح بكل مسعى وبكل خطوة تقوم بها إيران. وقد رأينا في الفترة الماضية لقاء وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف مع وزير خارجية السعودية سعود الفيصل في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، واعتقدنا من الكلام السعودي أن السعوديين عاد لهم رشدهم ولن يتكلموا بعد الآن في مسألة الصراع السني الشيعي، وعن أن الخطر الأساسي قادم من إيران. إلا أن السعوديين اليوم وبقرار إعدام النمر تضيف على نقاطها السلبية نقاطاً أخرى. وهذا ما سيجعل من السياسة الإيرانية أكثر حزماً، فقضية النمر لن تمر مرور الكرام بل ستكون مفصلاً تاريخياً، وسيدفع نظام آل سعود الثمن سواء بالمعنى الحقوقي أو السياسي أو حتى بمعنى الارتدادات العنيفة وغير المحسوبة والاحتمالات الخطرة، فهم لا يقيمون وزناً لا للخالق ولا المخلوق، ويعتاشون دائماً على اللحظات الراهنة ولا يفكرون بما سوف يأتي إلا بمقدار ما يحيطون أنفسهم به من شراء لبعض الشخصيات والقرارات والمواقف كما فعلوا مع سورية.