ذئاب الاستعمار المنفردة تلعب في وادينا

د. رائد المصري

بهدوء وسكينة… بانتظار نتائج الزيارة السَّريعة التي يقوم بها الذئب المنفرد وزير الخارجية الأميركي مارك بومبيو لأوروبا ومن بعدها لدول الخليج والأردن والكيان الصهيوني فور تعيينه وتسلّم منصبه الرسمي، تمهيداً للفَتْك بأَغْنام العرب وخواريف المسيح في فلسطين، ومن دون أن ننسى أكباش الفداء السِّمان في الخليج التي تُقدَّم أضحيات للغول الأميركي بعد الوحش التكفيري واحداً تلو الآخر وأميراً بعد أمير…

فها هو أمير الديبلوماسية الاستعمارية بومبيو يُكنِّس ما تبقَّى وعلق في أسواق أوروبا المالية ليضعه في الجيب الأميركي، محاولاً الاستفادة من خطر الانفلاش الروسي المزعوم على منظومة الأمن القومي الأوروبي، مقدِّماً الحجَّة والدليل في قضية الجاسوس سكريبال وكيماوي سورية، في استعادة لدور الحلف الأطلسي كأداة استعمارية بعد أن برَدَت الحماسة الأوروبية في تفعيل عمله وتزخيمه بالمال والتسليح، وهو ما طلبه ذئب الخارجية الأميركية بالضبط من هذه الأوليغارشيات الغربية الحاكمة…

الذئب الصهيوني نتنياهو الذي يتحيَّن الفرص للإنقضاض على منجزات التسوية السورية في سحق الإرهاب ويعمل عبر مسارين متوازيين: الاحتفاء بنقل السفارة الأميركية الى القدس في ذكرى النكبة، وانتظار القرار الترامبي بالتنصل من الاتفاق النووي مع إيران، بعد أن رأى الفرصة سانحة في ظلِّ التباعد والانقسام العربي حول الموقف من إيران لإبعاد خطرها عن الحدود في الجنوب السوري بالتهديد بضربها وضرب المفاعلات النووية بمساعدة عربية وتغطية خليجية، بعد أن عجز عن لجْمِ منظومة الدفاع الجوِّي الروسي في سورية وتكبيل حركة اعتداءاتها وانتهاكاتها…

الدَّياسِم الأوروبية تمنَّت اللَّعب مع الكبار في إدارة النزاعات الدولية بعد محاولة ماكرون في زيارته الأخيرة لترامب واصطناعه مرافقة الكبار والمشاركة في حلول الأزمات وطرح المبادرات من دون أن يطلب منه أحداً ذلك. وكانت علامات الارتباك واضحة والتباين في المواقف بينه وبين ترامب، سواء لناحية سورية أو لناحية أزمة الاتفاق النووي المفترضة والمزعومة مع إيران…

ذئاب الاستعمار الأميركي والصهيوني وملحقاتها الأوروبية أصبحت خرافاً أمام الحلول المُرتقبة مع كوريا الشمالية من خلال اللُّهاث لأجل لقاء الرئيسين ترامب وكيم جون أون والعمل حثيثاً على نزع أسلحة الدمار الشامل من شبه الجزيرة الكورية. هذه الذئاب هي نفسها مستأسِدة في منطقة الشرق الأوسط وعند العرب والمسلمين ومستفرِسة بوجه فلسطين وأكباش الخليج وغلمان الأمراء لتمرير تصفية القضية المركزية والانتهاء التام من عُقدة سورية ومعها إيران لتَلِيَها المقاومة في لبنان وغزة…

بومبيو وماتيس وبولتون ذئاب استعمارية متشدِّدة، تعمل اليوم منفردة وتريد تفريق قطعان العرب في موجات حروب جديدة، عمادها تشكيل جيوش عربية وإسلامية للإقامة في شمال وشرق سورية تحلُّ مكان القوات الأميركية. ويريدون من الأردن المشاركة في هذه الحملة وهو عاجز عن السير مع الركب بسبب حمىَّ الإرهاب التي تدبُّ في مفاصله وتهدِّد كيانه المريض في كلِّ حين. وتريد المملكة السعودية عبر وزير الخارجية عادل الجبير من قطر إرسال قواتها العسكرية الى سورية من ضمن التحالف الذي يتمّ جمعُه، فلا هي مرتاحة للمشاركة فيها خشية الاصطدام مع تركيا واكتمال عزلها فتصبح لقمة سائغة أمام جارتها السعودية لقلب نظام الحكم فيها، ولا هي قادرة على حسم خياراتها لناحية القاعدة العسكرية الأميركية في العُديد عبر نقلها والانتهاء من مفاعيلها وهو أيضاً سيكبِّدها أضعاف أضعاف ما استجرَّه ترامب من محمد بن سلمان، والكلُّ باتَ كمن ينتظر أن ينفَّذ بحقِّه الإعدام في انتظار آخر أمر يُعطَى للجلاد، وفي كلتا الحالين هناك أضحية أو قربان لا بدَّ من تقديمها للسيِّد الأميركي الاستعماري لقاء الحماية من سطوة ذئاب الاستعمار الدوليين أو الذئب الإيديولوجي الإقليمي المتمثِّل بأردوغان…

هي حفلة لشريعة الغاب السائدة في السَّطو والسَّلب والغزو والغنيمة، يريد تشريعها ترامب اليوم بحقِّ الشعوب العربية والمسلمة وبحقِّ فلسطين والمقدَّسات، فلا الوَعْي العربي الجَمْعي استدرك الأبعاد الخطيرة التي تُحيط به وبمستقبل أبنائه، ولا عقله الجَمْعي استطاع إقامة الأسوار لتَقِيْه شرور الغرب و»إسرائيل» والإرهاب التكفيري الذي يدقُّ كلَّ يوم بابه، وهو عالق بين مصيرين إثنين وضع نفسه عن عمْدٍ بينهما: إمَّا التسليم للذئب الاستعماري الخارجي ليفتِك بكلِّ القطيع نقراً ونهشاً أو ترك أبناء عمومته من الأكباش يتناطحون فيفسدون الأرض والزرع والبيت الداخلي وقد أفسدوه… إنها فعلاً مأساة الشعوب لقرون عديدة لا يملُّ القارئ من سماعها ومتابعتها والدهشة حيالها…

أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى