«نيويوركر»: ضرب سورية كان ثمرة العلاقة… كيف ولماذا بدأ التقارب بين ماكرون وترامب؟
في تقرير لمجلة «نيويوركر» الأميركية، تحدثت الكاتبة لورين كولينز عن العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وعن تطور التقارب بينهما وتأثيره على مستقبل البلدين وعن أسبابه المحتملة.
تقابل الرئيسان للمرة الأولى في قمة الناتو في العاصمة البلجيكية بروكسل في أيار من العام الماضي، أي بعد أسبوعين فقط من انتخاب ماكرون لرئاسة فرنسا. لو أردت أن تضع عنواناً لهذا اللقاء فسيكون العولمة أمام القومية، التقدّمية أمام الشعبوية، التفاؤل أمام الانحدارية، الشباب أمام العجائز.
في اجتماع على هامش القمة، تصافح الرئيسان بشكل غريب كما لو كانا يحاولان سحب حبل فوق خط من الرمال. وقت الذهاب لالتقاط الصورة الجماعية للقمة، حاول ماكرون التهرب من مصافحة يده مع ترامب بأداء مزيف، لكنه في النهاية مد يدّه للتصافح مع ترامب الذي جذب يده بشدّة. تفاجأ المختصون في قراءة لغة الجسد أن ماكرون دعا ترامب لزيارة فرنسا بعد شهرين من القمة.
تقارب مفاجئ
خلال زيارة ترامب لفرنسا، تحدث ماكرون عن التحالف التاريخي بين فرنسا والولايات المتحدة معطياً جمّ التقدير لترامب. تناول الرئيسان وزوجتاهما العشاء في برج إيفل، وفي صباح اليوم التالي، امتدح ترامب ماكرون ووصفه بأنه «رئيس عظيم، رئيس قوي». جدير بالذكر أن ترامب كان قد انسحب قبلها بعدّة أشهر من اتفاقية باريس المناخية، وادّعى قبل ذلك أن بعض المناطق في مدينة باريس متطرفة ووحشيّة لدرجة أن الشرطة ترفض الذهاب إليها، كما كان قد أعرب عن إعجابه بالسياسية اليمينية المتطرّفة مارين لوبان التي نافست ماكرون في الانتخابات الرئاسية.
أما ماكرون الذي سخر من ترامب بسبب سياساته البيئية وقال على حسابه على تويتر «اجعل كوكبنا عظيماً مرة أخرى» في إشارة إلى شعار حملة ترامب الانتخابية، فقد صرح بأنه يحترم القرار الذي اتخذه ترامب بشأن اتفاقية باريس حتى ولو كان يختلف معه. أكّد ماكرون كذلك على أنه هو وترامب يتفقان على أن استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية خط أحمر. ومن هنا وُلِدت الفكرة بأن هناك تقارباً من نوع خاص، لا بين الولايات المتحدة وفرنسا، ولكن بين ترامب وماكرون.
لماذا ترامب وماكرون؟
يوم الاثنين الماضي، وصل ماكرون إلى واشنطن في أول زيارة رسمية له للولايات المتحدة أثناء رئاسة ترامب. يتميز ترامب بأسلوبه في الإطراء على الرغم من كونه فجاً في كثير من الأحيانـ والذي يعدّ أمراً هاماً في ظل فراغ الفكر والمعنى الذي يميّز رئاسته، فمن السهل بالنسبة له أن يجد حليفاً يشعره بأهميته. أما ماكرون فقد كان عازماً على جذب ترامب، فقد كان ماكرون مهتماً بمن يشغل رئاسة الولايات المتحدة أياً كان. لكن وجود ترامب الذي أبعد الكثير من زعماء العالم عنه، يجعل من أي زعيم يستطيع صياغة بعض نقاط الاتفاق معه يبدو أنه قام بتوجيه ترامب لا اتّباعه.
مع ابتعاد ترامب عن أنجيلا ميركل لخلافات سياسية، وانشغال تيريزا ماي في بريكست، وضع ماكرون نفسه باعتباره قناة لترامب في أوروبا، وبالطبع باعتباره حليفاً خارجها. تطوع ماكرون للتوسط بين تركيا والأكراد السوريين، وتدخل بمفرده لحل الموقف عندما اختفى رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في السعودية. ربما قد رأى ماكرون أيضاً أن تعزيز صورة فرنسا ودورها دولياً يستحق بعض التنازلات. دون التنازل عن الموقف الفرنسي من اتفاقية تغير المناخ والصفقة النووية الإيرانية، واللذين يعتبران نقطتي الخلاف الرئيسية بين فرنسا والولايات المتحدة، قام ماكرون بتسليم قضايا أقل أهمية لترامب.
الحديث مع ترامب ليس بالأمر الغريب على ماكرون المعروف بميله لمحاولة إقناع المشكّكين من خلال مواجهتهم وجهاً لوجه. كان قرار ماكرون بمقابلة كريس والاس من فوكس نيوز على الرغم من إحباط بعض الليبراليين الأميركيين منه، تأكيداً على سياسته الخارجية بأنه سوف يتحدث مع الجميع.
هل يجني ماكرون ثمار التقارب؟
كان الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند قد شعر بخيانة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما له بسبب سورية، إذ قرر أوباما في 2013 عدم الاستمرار في سورية على الرغم من انتهاك النظام السوري «الخط الأحمر»، قبل ساعات من تنفيذ مهمة مشتركة مع الطائرات الحربية الفرنسية التي كانت قد استعدت بالفعل. على حد تعبير وزير الخارجية الفرنسية وقتها لوران فابيوس، فإن هذا كان حدثاً من شأنه أن يغير العالم، ويهدم مصداقية الولايات المتحدة وموثوقيتها، ويشجّع روسيا على الاستيلاء على شبه جزيرة القرم بعد بضعة أشهر فقط.
لذلك فإن الضربات الجوية المشتركة الأخيرة على سورية تُظهر فائدة حرص ماكرون على التقرب من ترامب. تغير الرؤساء في كلا البلدين، لكن فرنسا قد غيرت أسلوبها كذلك، وقد نسب ماكرون الفضل في ذلك لنفسه قائلاً «قبل 10 أيام، قال الرئيس ترامب إن الولايات المتحدة يجب أن تنسحب من سورية، لكننا أقنعناه بضرورة البقاء هناك».
ما سبب هذه العلاقة؟ وإلى متى تستمر؟ هل يستغل ماكرون رأس ماله الاجتماعي، والذي تفتقده إدارة ترامب بشدّة، لجذب الولايات المتحدة لمساعدته لتحقيق أهدافه؟ تقول الكاتبة إن ماكرون صديق مخادع، فبعد أن وعد هولاند الذي عينّه وزيراً للاقتصاد في سن السادسة والثلاثين بأنه لن يترشح للرئاسة، ترشح وتسبب في خروج هولاند من السباق الرئاسي.
أعطى جاسبار جانتزر ـ أحد كبار مستشاري هولاند ـ لمحة عن الأفضلية التي يحصل عليها ماكرون من العلاقات عن قرب، فقد تحدث إليه ماكرون بعد أن عرف هولاند عن قرب قائلاً إن هولاند لدية نقطة ضعف واحدة، وهو تعرضه للضغط في المحادثات الفردية. لذلك، قد يرى البعض أن تقارب ماكرون من ترامب سوف يتخذ نفس مسار علاقته بهولاند.