انتخابات
بلال رفعت شرارة
استحى المغتربون في المرة الأولى ولم يريدوا إحراج البلد وطالبوا بحقوقهم الإنسانية، ومنها حق العمل والحياة الكريمة فغادروها الى أوطان أخرى. نحن لم نستحِ منهم، لحقنا بهم إلى بلاد برّا لأننا نريد منهم ان يكونوا كتلاً طائفية… حزبية… فئوية… جهوية حتى هناك حيث استقرّ بهم المقام… أردنا أن نحسدهم وان ننتصر بهم وان نربح الانتخابات.
القلة القليلة منهم صدّقوا أنه صار بإمكانهم المشاركة في إنتاج غد أفضل وبناء وصنع نظام سياسي عصري. الذين سجلوا أسماءهم لا يتجاوز عديدهم في كلّ القارات وكلّ الأوطان الشقيقة والصديقة نحو المئة ألف أو أقلّ بقليل، بينما تتحدّث المصادر الرسمية اللبنانية عن نحو خمسة عشر مليوناً من أصل لبناني، ولنقل عشرة حتى لا نقع في المبالغات، فذلك يعني أنّ واحداً بالمئة من المغتربين صدّقوا الدعاية حول ديموقرطيتنا ووقعوا في فخ قانون الانتخابات الجديد النسبي حسب التعريف اللبناني .
وحتى الواحد في المئة من المغتربين اللبنانيين جرى إخضاعهم إلى شروط الدول العربية السياسية المختلفة معنا بنمط السلطة، والتي لا تعتمد الانتخابات، حيث لم يتمكّن الموالون لمحور المقاومة من التجرّؤ على الاقتراع، لأنهم بمجرد التوجّه الى أقلام الاقتراع سيكونون قد كشفوا أنفسهم، وبمجرد الاقتراع سيكونون قد ثبّتوا تهمة انتمائهم، وبالتالي سيكونون عرضة للإبعاد. وهذا الأمر ينسحب على الكثير من الدول التي تُعتبر كيانات سياسية محدّدة وأشخاصها هدفاً سياسياً وتضعهم في الخانة السوداء.
انتخابات الاغتراب، رغم أننا لا نهتمّ بالعواقب ونقدم على المشاركة ، هي بمثابة رشا – الكلمة بالأجنبي أيّ دفع لتحسين نتائج بعض القوى. وهكذا فإنّ ادّعاء البعض باسم بعض القوى أنها مثلها مثل أمل وحزب الله أمر غير صحيح، فهم بالأساس يستهدفون الثنائي الشيعي الوطني ولا يريدون الفوز لمرشحي الحزبين التقدمي الاشتراكي والسوري القومي الاجتماعي.
بصراحة الأمور هي هكذا… وصورة السلطات الرسمية التشريعية وغداً التنفيذية، سوف لا تتغيّر كثيراً. والتغيير هو ما شهدناه من فوق يوم إعلان اللوائح، ونحن سنذهب إلى الانتخابات لتثبيت التوازنات. أنا أصدّق ذلك ولا أبدو متأثراً ومتأسّفاً على التغيير المستحيل.
قلت مرة للأستاذ آنذاك دولة الرئيس نبيه بري اليوم وغداً في أعقاب انتفاضة شباط 1984 أنك ووليد بك جنبلاط تستطيعان الآن رسم صورة لبنان كما حلمنا.
ضحك مني وقال: لبنان أصغر بلد في العالم صحيح… ما فعلناه هو ردّ التجاوزات للخطوط الحمر وإعادة صياغة أدوارنا في السلطة ولكن الباقي… لبنان أصعب بلد في العالم؟
وقفت كثيراً أمام الجواب… لم أفهم بداية. رويداً رويداً صرت استوعب أنّ الديمقراطية هي للتغطية والتعمية على طائفيّتنا ومذهبيّتنا وجهويّتنا، وأنّ كلّ ما يريد الوصول او منع إخراجه وإحراجه ليس عليه سوى الوقوف خلف المعاني السامية للتركيب السياسي اللبناني وأنّ كلّ من يطرح التغيير هو متمرّد على صيغة غورو وهو بالتالي شخص حالم يريد وضع العربة أمام الحصان، وأنّ الأمور تنقضي بأثمان صغيرة الانقلاب على بعض العائلات السياسية…
ليس عندنا في الوادي من كلّ ذلك… لا انتخابات… لا ناخبين ولا مرشحين، ولا أيّ نمط مشابه لأنماط السلطات العربية وغيرها. عندنا أننا نحدّق في الفراغ أحياناً بالاستماع إلى إيقاعات الطبيعة الفارغة.