إطلاق مهرجان ريف دمشق الثقافي في مدينة دير عطية
رانيا مشوّح
لأنّها بلاد الفرح والعلم والثقافة، دائرة المعارف، قارئة الأفكار، عذبة المعاني مُصدّرة الأحلام إلى كلّ البقاع، يليق الإبداع لساحاتها وينطلق من ميادينها، هي سورية حبيبة الحضارة، منارة التاريخ.
واستكمالاً لتاريخها تنبعث من حاضرها رائحة العلوم والفنون والآداب. ومن هنا، أطلقت وزارة الثقافة وبرعاية وزير الثقافة محمد الأحمد، مهرجان ريف دمشق الثقافي في مديرية الثقافة في ريف دمشق، حيث افتُتح المهرجان في قصر الثقافة في دير عطية.
وألقى الأحمد كلمةً جاء فيها: يسعدني ويشرّفني أن أفتتح هذا المهرجان الثقافي الذي يعقد للمرّة الأولى في ريف دمشق بعد الانتصارات التي حقّقها جيشنا الباسل في تحرير الغوطة، وسيظلّ يحقّقها في سبيل تحرير كل بقعة أرض في وطننا الغالي من فلول العصابات الإرهابية المسلّحة وداعميها ومموّليها. جيشنا مثل بلدنا، كلّما طال أمد الحرب ازداد صلابة وصموداً ومنعة في وجه هذه الهجمات الشرسة التي تشنّها علينا قوى ظلامية عاتية، مدعومة من قوى عربية وغربية تدّعي الديمقراطية والدفاع عن الحرية.
وتابع الأحمد: لاحظ أحد الأصدقاء أن وزارة الثقافة تعمل في زمن هذه الحرب الكونيّة على سورية بوتيرة أعلى من عملها قبل الحرب، فسألني متعجباً: «كيف يمكنكم أن تقيموا حفلات فنّية في دار الأوبرا والقذائف تنهال عليها؟ وكيف يمكنكم برمجة كل هذا الكمّ من الندوات والمحاضرات في مراكز ثقافية لا تبعد سوى مسافة قليلة عن تجمّعات المسلحين؟» فأجبته: وهل تظنّ يا صديقي أن سورية عندما ابتكرت الأبجدية الأولى واكتشفت الزراعة كانت تنعم بالهدوء والرخاء؟ وهل تعتقد أنها عندما بنت تدمر وقلعة حلب وأوغاريت وأفاميا، وغيرها الكثير من أوابدنا، كانت بمأمن من هجمات الأعداء والطامعين؟ إن قدر سورية أن تعمل وتبدع في أقسى الظروف، وهذا ما يضفي على عملها وإبداعها نكهة خاصة مميزة واستثنائية. هي مثل تلك الزهرة التي تنبت وسط كتل صخرية صماء، فتقاتل وتكافح لتنال نصيبها من الماء والنور والهواء، فيكسبها كفاحها هذا ألواناً بديعة نادرة ويجعل منها زهرة فريدة لا تتكرّر.
نعم يا أخوتي، إن قدر سورية أن تكون عقدة المواصلات بين بلدان العالم القديم، بلدان أوروبا وآسيا وأفريقيا، وأن تكون لهذا محور صراع دائم بين دول الشرق والغرب. ولهذا فقد تعودنا منذ نعومة أظفارنا، نحن وآباؤنا وأجدادنا وآباء أجدادنا، أن نحمل المعول أو القلم بيد والسلاح باليد الأخرى، وألا ننظر إلى الثقافة على أنها ترف أبداً، إنّما على أنها جزء أساس من استراتيجيتنا الدفاعية لحماية بلدنا وشعبنا وحضارتنا.
وأردف قائلاً: الثقافة هي التي تربي أجيالاً جديدة قادرة على الدفاع عن أرضها وعرضها وشعبها، وهذه الأجيال الجديدة هي التي ستحمل وتحمي بدورها ثقافة بلدها وتصون حضارتها. لقد خرج جيشنا السوري من رحم ثقافتنا وحضارتنا، وهو الآن يردّ الدين بدفاعه عنا وعن وجودنا. فباركه الله من ابن بار وحام للوطن لا تفتر له عزيمة ولا تنثني إرادة، نحن الآن موجودون هنا بفضل بسالته وتضحياته، ولهذا فإننا نرفع له أرفع آيات الامتنان والعرفان، والعهد لشهدائنا بألا تذهب دماؤهم هدراً، وأن تظلّ ذكراهم قناديل تضيء ليالينا.
كما صرّح علاء منير إبراهيم محافظ ريف دمشق قائلاً: بعد سنوات من الحرب والدمار لأوابدنا الأثرية ومحاولات طمس هويتنا الثقافية سنعيد ترميم هذا التاريخ بهمة أبطال الجيش السوري ومثقّفينا وشعبنا. ثمة تنسيق وتعاون عالٍ بين وزارة الثقافة ومحافظة ريف دمشق، لا سيّما في ما يخصّ الآثار والمنارات المتواجدة على جميع أراضي المحافظة، والمراكز الثقافية التي سنعمل على تطويرها خلال الفترة القريبة المقبلة.
وخلال الافتتاح، تم تقديم عرض فنّي ضخم، وتحدّثنا إلى عدد من أبطاله منهم الممثل تيسير إدريس الذي قال إنّه حريص على تواجده ضمن أيّ فعالية ثقافية تخدم العقل والمعرفة وخصوصاً مع فريق عمل متمكّن وله تجارب سابقة بالعمل معهم. وأضاف: مشاركتي في هذا الافتتاح وفي دير عطية البلدة الجميلة والمهرجان الأول في ريف دمشق بعد أن عمّ الأمان في هذا الريف الجميل كان مشجّعاً لي أيضاً، خصوصاً أنّ دوري هو سائق القطار المحبّ لكلّ بلدات سورية الجميلة، بلد المحبة والتاريخ والحضارة. وأتوجّه بجزيل الشكر والعرفان إلى وزير الثقافة محمد الأحمد على مبادرته هذه بتخصيص كلّ محافظة سورية بمهرجان ثقافي مكثّف خاص بها، وأهمية ذلك تأتي من أهمية الثقافة ودورها في صون هذا الوطن.
بدورها، تحدّثت الممثلة هزار سليمان عن مشاركتها: أنا سعيدة جدّاً بهذه المشاركة ومتفائلة لوجود فعاليّات وأنشطة ثقافية كهذه في مثل هذه الظروف، فهذا دليل على أن سورية لا تقهر ولا تموت سورية كانت ولا تزال ولادة الفنّ والثقافة والإبداع، وإن انتصارات أبطالنا، أبطال الجيش السوري العظيم، قد أعطت العالم أجمع دروساً في الشجاعة والبطولة والإنسانية.
في حين قال مخرج العرض ومؤلّفه عوض القدور عن فكرته: فكرة العرض قائمة على أن الريف الدمشقي هو شريك جغرافي واجتماعي وثقافي حقيقي وحضارته وتاريخه وأوابده شامخة وحاضرة في الأرض، ويأتي هذا المهرجان بعد الانتصارات الكبيرة التي حقّقها جيشنا الباسل وإعادة الأمن والاستقرار للريف الدمشقي.
انطلق المهرجان بافتتاح مجموعة معارض للفنّ التشكيليّ ونتاج عمل الأطفال واليافعين في الورش الفنّية ضمن برنامج مهارات الحياة في ريف دمشق ومعرض الكتاب من إصدارات الهيئة العامة السورية للكتاب، ورافقه توقيع كتب كل من الدكتور حسين جمعة بعنوان «نثائر المواجهة» وآخر للواء محمود علقم بعنوان «محافظة ريف دمشق»، إضافة إلى كتاب «حكايات من أفريقيا الوسطى» لعوض الأحمد.
ثم افتتح معرض صور عن الأضرار التي طاولت المواقع الأثرية والمدن التاريخية والكنوز الأثرية في ريف دمشق. وكرّم الوزير عدداً من مثقّفي ريف دمشق وهم: حسين جمعة، سليم دعبول، الموسيقيّ قاسم خليفة، الملحن والعازف حبيب عيسى، الفنان التشكيليّ أحمد الياس، الصحافي الياس مراد، الدكتور أمين طربوش، الدكتور مصطفى الحاج إبراهيم، الباحث الياس نصر الله، والباحثة رندة رزق الله.
وتابع الحفل فقراته بعرض فنّي استعراضيّ يتحدّث عن الريف الدمشقي وحضارته وتاريخه وأوابده الشامخة والحاضرة في الأرض من سيناريو وإخراج عوض القدور، وبطولة الفنان القدير تيسير إدريس والفنانة هزار سليمان.