سورية في اليونيسكو: دعم التعليم وحماية الآثار
افتتحت الدورة الرابعة والتسعون بعد المئة للمجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونيسكو الإثنين الفائت في باريس، برئاسة المجموعة العربية، وبحضور ومشاركة كل من رئيس المؤتمر العام لليونيسكو من الصين الشعبية المنتخب عن المجموعة الآسيوية للفترة عينها وإيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونيسكو.
طالبت المندوبة الدائمة لسورية لدى اليونيسكو، السفيرة لمياء شكور، في مداخلتها إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونيسكو العمل على إرساء نهج لمنظمة اليونيسكو يعتمد إجلاء الحقيقة بشأن الأزمة وكشف حقيقة الإرهاب الذي تتعرض له سورية منذ أكثر من ثلاثة أعوام. ورحبت شكور برغبة المديرة العامة في البحث عن الحقيقة بشكل شخصي، وانخراط منظمة اليونيسكو بعمل جاد ونهج أممي واضح تبنته المنظمة حديثاً، واتخاذ موقف عالمي للمنظمة يستدرك الكثير من المغالطات والأضاليل حول واقع الأزمة في سورية، خاصة الشق المتعلق بأوضاع الأطفال والناشئة من اللاجئين السوريين في دول الجوار. وثمنت شكور ما تقوم به المديرة العامة لليونيسكو لإعلاء شأن المصالحة الوطنية في سورية من خلال إرساء منظمة اليونيسكو لأدوات وآليات عمل تخصصية متجذرة في صلب العمل الأممي، وهي التربية والتعلم والاتصالات والعلم والثقافة، لمواجهة الأزمة في سورية، موضحة أنها السبل التي نعتمدها في سورية كجسور تصل بنا إلى المصالحة الوطنية بكامل مفرداتها، وصولاً إلى استقرار وطني وإقليمي وحتى استقرار وأمن عالميين.
أشارت السفيرة إلى احتضان سورية أرض اللجوء الإنساني للاجئين من دول الجوار فلسطين المحتلة والعراق ولبنان هربا من وطأة الحروب، لافتة إلى الإضرار الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والصحية من جراء وطأة النزوح الأمر الذي شهدت عليه في حينه ولا تزال منظمات الأمم المتحدة وفي مقدمها الأونروا «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى»، كذلك المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لهيئة الأمم المتحدة. ووجهت شكور دعوة للمديرة العامة لليونيسكو لزيارة سورية شخصياً ورؤيتها ملايين الطلاب السوريين الذين يتابعون تعليمهم فيها رغم الأزمة في مختلف مراحل التعليم الأساسي، وصولاً إلى التعليم الثانوي ومخاطبتهم هم ومئات آلالاف من الكوادر التربوية والوظيفية في سورية الذين لم يتوقفوا يوماً عن أداء مهمتهم النبيلة على كامل الأرض السورية، حتى تلك المناطق التي تشهد اشتباكات مسلحة. وخاطبت شكور السفراء المندوبين الدائمين لدى اليونيسكو من خلال حكوماتهم، معتبرة أن الآوان اليوم لتحقيق الاجماع الدولي للضغط المباشر على الدول الداعمة للإرهاب التكفيري ليصار الى منع هذه الدول المتواطئة من مد الإرهاب بالتمويل وبالسلاح وبالدعم اللوجستي ودعمها اللوجستي لتنظيم «القاعدة» وتفرعاته السورية «جبهة النصرة» و»دولة الإسلام في العراق والشام» و»الجبهة الاسلامية».
أكدت المندوبة الدائمة لدى اليونيسكو ضرورة انتهاج اجماع دولي منسجم مع المنحى الذي اتخذته الحكومة السورية، والذي ينشد إرساء الحل السياسي كمنهج وحيد قادر على وقف المجازر والموبقات التي يرتكبها الإرهاب «القاعدي» ضد الشعب السوري. وختمت السفيرة بالقول» «لا يمكنني الآن إلا أن تجتاحني الخواطر الأليمة حيال الدم السوري الذي يسفكه الإرهاب. إنه دم أبناء وطني السوريين من المسلمين والمسيحيين وفي مستجداته الراهنة اشتداد وطأة ما يتعرض له المواطنون السوريون في كل مكان من سورية وفي الساحل السوري حديثاً، وكذلك المواطنون السوريون الأرمن الذين يتهاوون ضحية بربرية «جبهة النصرة» ومثيلاتها».
بدورها، أشارت المديرة العامة لليونيسكو إيرينا بوكوفا إلى إدراج الشأن السوري كأولوية قائلة: «نعمل في سورية ومع سورية وفي دول الجوار، ونعزز العمل الإنساني ونكمله عبر جهود جادة على الأجلين المتوسط والطويل الأمد»، مضيفة أن التعليم مهدد في المنطقة كلها.
لفتت بوكوفا إلى تكثيف التنسيق القائم مع الحكومة السورية في ما يتعلق بالداخل السوري وفي البلدان الرئيسة المضيفة للمهجرين، مثل الأردن ولبنان والعراق، منوهة بأهمية التحرك الدولي الان الهادف الى تعبئة واسعة للموارد والمساهمة المالية الضرورية للتوصل الى ما تتطلع إليه المنظمة في مواجهة الأزمة في سورية التي وصفتها بأنها واقع شديد التعقيد وغير مسبوق في ما يتعلق بطبيعة الأزمة المركبة التي تطول المهجرين السوريين داخلياً وجموع المهجرين في دول الجوار السوري التي تتكرس فيها معالم الأزمتين الإنسانية والإنمائية وتحدياتهما في آن واحد.
أشارت المديرة العامة لليونيسكو إلى ضرورة تكثيف الجهود في ما يخص دعم النظم التعليمية وتوفير الانتفاع بتعليم جيد للشباب الذين تأثروا من الأزمة في سورية، داعية إلى صون التراث الثقافي في سورية وتعزيز الانتفاع بالمعلومات والتصدي للآفات الناجمة عن هشاشة الأوضاع الصحية والاجتماعية والنفسية للمهجرين، وفي مقدمهم الأطفال والناشئة في دول الجوار المستقبلة لهم.
وعرفت بالمبادرة التي أطلقتها اليونيسكو تحت عنوان «تعليم الشباب لأجل الاستقرار»، برنامج شامل يركز على تعليم الشباب واشراكهم. كما حضت الدول الاعضاء والشركات على دعم هذه المبادرة.
من ناحيته، أكد سفير الجمهورية الاسلامية الإيرانية لدى اليونيسكو محمد رضا مجيدي ضرورة بلورة قرار يدعم مكانة الصدارة لمنظمة اليونيسكو في التعامل مع القضايا المعنية بالتربية والتعليم في مناطق النزاع والصراعات ضمن البرامج التخصصية لمنظمة الأمم المتحدة، منوهاً بصوابية النهج الذي تتبناه اليونيسكو حديثاً حيال الأزمة في سورية.
الجدير ذكره أن جهود اللجنة الوطنية السورية لليونيسكو والمندوبة الدائمة لسورية تركزت منذ بدء الأزمة السورية على أهمية توطيد علاقات التعاون الثنائية بين منظمة اليونيسكو والجمهورية العربية السورية وتعزيزها، وعلى التصدي لأهداف المتآمرين على سورية، رغم السياسات الانحيازية وغير العادلة في حق سورية لدى منظمة الأمم المتحدة، وحجم الضغوط التي تمارسها بعض الدول الأعضاء لمواصلة غاياتها البربرية على سورية.
أثمرت الجهود المشتركة بين اللجنة الوطنية السورية لليونيسكو ووزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار والمتاحف والمندوبة الدائمة لدى اليونيسكو من ناحية، ومنظمة اليونيسكو وقطاعاتها المتخصصة وهيئاتها الاستشارية ومركز التراث العالمي وقسم البلاد العربية فيه من ناحية أخرى عن تنشيط آليات الدعم والتعاون وتحفيزها في إطار الاتفاقيات الدولية لليونيسكو، خاصة تلك المتعلقة بالتراث للأعوام 1970 و1972 و1954 وتعبئة المجتمع الدولي ودول جوار سورية والشركاء المؤسسين للمنظمة للحد من التدمير والاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، كما آلت الجهود إلى إصدار المديرة العامة لليونيسكو لبيانات عامة دورية بهذا الشأن منذ بداية عام 2012 .
تبلور التعاون الثنائي بين الجمهورية العربية السورية ومنظمة اليونيسكو بتعزيز العمل الحثيث بين سورية والهيئات الاستشارية للمنظمة مثل «ايكوموس» و»ايركوم» و»الأنتربول» و»منظمة الجمارك الدولية» لتوفير دعم منتظم وإرشادات تقنية متخصصة بالوضع الراهن في سورية على الأمدين القصير والمتوسط يتيح للكفاءات السورية العاملة في المديرية العامة للآثار والمتاحف فرص الإفادة من هذا الدعم الهادف إلى الحد من خطر وتداعيات سلب التراث الثقافي السوري وتدميره.
كما أعلن الجانبان السوري ومنظمة اليونيسكو حديثاً اطلاق اليونيسكو برنامج «خطة العمل الطارئة حول التراث الثقافي السوري» التي ستدار عبر وحدة إدارية تحت مظلة مكتب اليونيسكو في بيروت لحماية إجمالي التراث السوري المادي واللامادي، كذلك التراث المنقول، وسينفّذ بالتعاون مع المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية.