مخاطر سياسة الحكومة العراقية
حميدي العبدالله
بات واضحاً أنّ حكومة حيدر العبادي، تعتمد سياسة جديدة في مواجهة تنظيم «داعش» تقوم على ركيزتين، الأولى عدم استهداف هذا التنظيم في المناطق الآهلة لكي لا يقود سقوط المدنيين إلى تعاطف سكان المحافظات التي سيطر عليها «داعش» معه والالتفاف حوله، والثانية عدم إرسال قوات الحشد الشعبي إلى هذه المناطق لتحاشي إمكانية تصوير الصراع على أنه صراع مذهبي.
وثمة اعتقاد بأنّ هذه السياسة تخفي رسائل ضمنية ثلاث، الرسالة الأولى موجهة إلى الولايات المتحدة ودول المنطقة مفادها بأنّ مهمة الصراع ضدّ «داعش» تعنيكم أكثر من الحكومة العراقية، التي أمّنت المناطق المختلفة مذهبياً وطائفياً، ولم يعد هناك خطر حقيقي من «داعش» على هذه المناطق، وبالتالي فإنّ سيطرة «داعش» على مناطق واسعة من العراق، وترسيخ هذه السيطرة سيحوّل هذه المناطق إلى قاعدة لتوجيه الضربات ليس إلى المناطق العراقية الأخرى وحسب، بل إلى الدول المجاورة ولا سيما تلك الحليفة للولايات المتحدة والدول الغربية. الرسالة الثانية موجهة إلى سكان هذه المناطق، مفادها إذا كنتم دعمتم «داعش» واعتبرتموها أنها خيار أفضل من الحكومة العراقية فعليكم وحدكم تحمّل تبعات ممارسات هذا التنظيم، وعليكم أن تقوموا بمفردكم بإبعاد خطره لأنكم المتضرّر الأساسي أكثر من المكوّنات العراقية الأخرى، وتراهن الحكومة العراقية، أو بعض أطرافها، أنّ يحول ذلك دون الاستقطاب المذهبي. الرسالة الثالثة موجهة إلى الشركاء في الحكومة العراقية الذين يعتمدون سياسة تقوم على توفير المبررات لـ«داعش» عبر انتقاداتهم للحكومة، مفاد هذه الرسالة أنه على هؤلاء الشركاء أن يتحمّلوا مسؤولياتهم وأن يدافعوا عن صفتهم التمثيلية في الحكومة العراقية عن المناطق التي تسيطر عليها «داعش»، وهذه مسؤوليتهم.
لكن هذه الحسابات، وعلى الرغم من حيثياتها الواضحة، وربما المفهومة والمبرّرة، إلا أنّ لها أوجهاً سلبية أخرى ليس على الأميركيين وحلفائهم في المنطقة، وعلى سكان المناطق التي تسيطر عليها «داعش»، وممثلي هذه المناطق في الحكومة، بل على مجمل الوضع في العراق، إذ أنّ ترسيخ سيطرة «داعش» في مناطق تواجدها الحالية، سيقود إلى واحد من سيناريوهين:
السيناريو الأول، تقسيم العراق على أساس مذهبي، وتكريس هذا التقسيم بقيام دولتين، حتى وإنْ لم يتمّ الاعتراف بدولة «داعش»، ولكن مع مرور الزمن تتحوّل إلى كيان يصعب لاحقاً تقويضه.
السيناريو الثاني، ستتحوّل هذه المناطق إلى قاعدة لإعداد الإرهابيين القادرين على شنّ حروب استنزاف، أولاً ضدّ سكان المناطق العراقية الأخرى، ومن شأن حروب الاستنزاف هذه أن تحوّل حياة العراقيين إلى جحيم، كما هو حاصل الآن، لأنّ غالبية العراقيين يقطنون في بغداد ومحافظات أخرى تضمّ كلّ أشكال النسيج الاجتماعي العراقي، فضلاً عن أنها سوف تستنزف قدرات العراق، كما أنها ستتحوّل إلى قاعدة لضرب الاستقرار في الدول المجاورة، ولا سيما في الأردن وسورية وربما تركيا، وقد تؤدّي سيطرة هذه الجماعة الإرهابية على مناطق محاذية للحدود العراقية في هذه الدول إلى تغيير توازن القوى الميداني في غير مصلحة الحكومة العراقية، الأمر الذي يحمل معه مخاطر كثيرة.