إمّـا مع الدولة السوريّة أو مـع «داعـــش»!
د. فيـصـــل المقـــداد
نائب وزير الخارجيّة السوريّة
عندما بدأتْ الحرب على سورية في شهر آذار من عام 2011، فقد البعض، في سورية وخارجها، البوصلة وصدّقوا أنّ ما يجري هو ربيع عربي يتمدد هنا وهناك كي ينعم المواطن العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن بالديمقراطيّة والحريّة وحقوق الإنسان! آنذاك انجرتْ دول وقادة في المنطقة وخارجها، خلف هذه الرواية التي أثبتت الأسابيع والأشهر والسنوات اللاحقة أنّها لم تكن سوى وهم وسراب. ومما زاد من أسباب الشك والخوف هو عدم وصول هذا الربيع إلى دول هي بحاجة حقيقية إلى الديمقراطيّة وحقوق الإنسان، خصوصاً في السعوديّة؟
المضحك المبكي هو استهتار نخب عربيّة من المفكّرين والتنظيمات بعقولهم هم بالذات وبنظرياتهم الثوريّة وأحياناً التقدميّة لركوب الموجة وقبول التضليل على أنّه حقيقة، وقاموا بدعم ما يجري من حراك على أساس أنّه البديل والأمل الذي انتظروه طويلاً. وعلى رغم ما رأوه أمام أعينهم في تونس ولاحقاً في مصر وبعدها في ليبيا، فإنّهم عاندوا وضربوا أقدامهم في الأرض ليقولوا لنا إنّ ما يجري ما هو إلا تعبير «للإرادة الجماهيريّة وعن طموحات العرب».
لا أريد الادعاء إطلاقاً بأنّ ما جرى في تونس ولاحقاً في مصر كان بعيداً عمّا كنّا نتمناه وننتظره، لأنّ نظامي السادات وحسني مبارك دفعا الشعب المصري إليه دفعاً من خلال رهن مصر أرضاً وشعباً لمخالب الدول الغربيّة الاستعمارية وتسليم قرارهما السياسي لـ«إسرائيل» والولايات المتحدة الأميركيّة والسماح بانتشار الفساد في كافّة مفاصل الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة المصريّة. كما أنّنا لا نخفي أنّنا كنّا نتوقّع حدوث ذلك قبل عام 2011، وأنّ انتفاضة الشعب المصري كانتْ يجب أن تتم منذ السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي والعقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين الحالي. إلاَّ أنّنا، ومع كل ذلك، كنّا نتوقّع هبة الشعب المصري في كل يوم أو كل شهر ولم نفاجأ بانتفاضة شعب مصر، خصوصاً أنّ محاولات هذا الشعب للانقضاض على النظام السابق كانتْ متوقّعة كما يعرف الجميع بطبيعة الحال… أمّا في تونس، فإنّ الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة التي فرضها النظام السابق كانتْ تنبئ بإمكانيّة حدوث تطورات لم تكن، في الحقيقة، واضحة المعالم، كما أنّها لم تكن تغلي داخل المجتمع التونسي كما كان الحال في الوضع المصري. ولا أريد تفصيل الأوضاع التي مرّتْ بها ليبيا، ولا الدخول في الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي كان يمر بها هذا البلد العربي، لكن اضطرار الولايات المتحدة الأميركيّة وفرنسا وبريطانيا وأدواتهم من العرب في السعوديّة والإمارات وقطر للتنادي لغزو ليبيا وتدميرها وقتل شعبها وقيادتها، ونشر الخراب والإرهاب على أرضها هو ما نراه الآن ماثلاً أمامنا، وهو الذي يفضح الهدف الرئيسي الكامن خلف العدوان الذي شهدناه على ليبيا لتغيير نظامها بالقوّة.
هنالك إجماع يتبلور الآن داخل المنطقة وخارجها على أنّ ما حدث في هذه البلدان العربيّة لا علاقة له لا بفصل الربيع أو غيره من الفصول لأنّ فصول الشتاء والصيف والخريف هي دورة الحياة ولا نرغب بتشويهها، ولا يجوز لنا، كما أعتقد، ربطها إطلاقاً أو إساءة استخدامها تحقيقاً لأهداف رسمتّها بدقّة دوائر الاستخبارات «الإسرائيليّة» والأميركيّة تحقيقاً لغاياتها في إطار إضفاء طابع رومانسي عليها يلقى التفافاً من الجماهير حولها وبهدف قمع تطلعات شعبنا العربي نحو الانعتاق من أصفاد الاستعمار، والاستعمار الحديث والهيمنة «الإسرائيليّة» الأميركيّة الغربيّة على دولنا ومقدراتنا الاقتصاديّة والجغرافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة.
إنّ ما حدث آنذاك يبسط ذاته أمامنا واضحاً جليّاً، والمسرحيّة التي أراد كاتبها ومخرجها وممثلوها تسويقها بذكاء إلينا ظهرتْ على حقيقتها هزيلة وغير مقنعة. فلا المؤلّف الأميركي الغربي درسَها جيّداً ودفع لها بكل إمكانياته الفكريّة والعقليّة كي نصدّقها، ولا مخرجها استطاع لملمة عناصرها لتقديم عرض يبهر به من له بصيرة، ولا الممثلون كانوا على المستوى المطلوب. وهكذا فإنّ المشاهدين وجدوا أنّ أغلب هؤلاء الممثلين كانوا من أصحاب السوابق وقطاع الطرق ومتعاطي وتجّار المخدرات والسلاح وعملاء الاستخبارات الغربيّة الذين كانوا يقبضون أجورهم «على القطعة» والمستأجرين من المعتوهين والمغامرين، وهكذا وجدنا أنّ السيّد «الإسرائيلي» كان هو مؤلّف مسرحيّة «الربيع العربي» وإنّه هو الذي قام بفرضها على الأميركي والأوروبي، كما أنّ المخرج على أرض الواقع لم يفهم أنّه يمكن أن يضلّل البعض بالصور التي أعتقد أنّها مبهرة، إلاَّ أنّه انكشف من خلال عدم تمكنه من إخفاء حقيقة ما حدث.
ما هذا الربيع الذي تبين للكل أنّ «إسرائيل» وأميركا هما من خطّطوا له، وأنّ البديل الذي طرحوه للأوضاع التي تمر بها الأمّة لم يكن بديلاً جيّداً، خصوصاً أنّ هذا البديل كان الإخوان المسلمين والجماعات السلفيّة والتكفيريّة والإرهابيّة الأخرى على امتداد الساحة العربيّة، هؤلاء الذين تتخاطف سيوفهم الصدئة السعوديّة من جانب وقطر من جانب آخر وتسخّران إعلاماً رخيصاً في الغرب وفي السعوديّة وقطر والإمارات لإعلان «بزوغ نظام عربي جديد»! وما هذا الربيع الذي لا تنتج انتخاباته «الديمقراطيّة جدّاً جدّاً جدّاً» سوى الإخوان المسلمين والمتطرفين في كل هذه الأقطار العربيّة! وما هذا الربيع الذي باركته يد الرعاية الأميركيّة ورحّبتْ به العناية «الإسرائيليّة» وهلّلتْ له الأنظمة النافذة في الخليج.
اتضحتْ الصورة… واستكملتْ جماهيرنا وعيها لما حدث، وأعلنتْ سورية أنّ ذلك لم يكن أبداً حلم الجماهير العربيّة. وعندما أعلنتْ سورية كشفها للمؤامرة وقامتْ بحملة توعية لشعبها وأمّتها لفضح حقيقة ما يجري، وخوفاً من انفضاح الجهات والأطراف التي دفعتْ إلى تخريب سورية، كمرتكز أساسي لإسقاط مؤامرات أميركا وفرنسا وبريطانيا و«إسرائيل»، وأدوات هؤلاء في الخليج العربي، سارع كل هؤلاء إلى استخدام السلاح في سورية وقتل أبرياء هنا وهناك واتهام الحكومة باستخدام العنف للرد على ما أسموه «ثورة الشعب»، بينما كان الضحيّة دائماً هو المواطن البريء والشرطي الذي يسعى إلى وقف القتل الصهيوني الأميركي لأبناء شعبنا وجيشنا العربي السوري، الذين كانوا الهدف الأوّل لكل ما جرى.
أرسلتْ الجامعة العربيّة فريق السيّد الدابي لتقصّي حقيقة ما يجري وتقديم توصيات لوقف سفك الدماء، إلاَّ أنّ الدابي خرج بنتيجة هزّتْ العائلة السعوديّة ومهندسي القتل والدمار في سورية حيث قال الفريق الدابي بالقلم العريض: هنالك إرهاب ومجموعات إرهابيّة في سورية تقتل الأبرياء. فقام آل سعود وغيرهم بإلغاء البعثة وتابعوا مسيرتهم الغبيّة إلى مجلس الأمن للحصول على ترخيص آخر لقتل بلد عربي. لكنهم، بفضل وعي وحزم أصدقاء سورية في مجلس الأمن، فشلوا في ذلك. ثم أوعز السعوديّون و«الإسرائيّليون» «لثوارهم» استخدام الأسلحة الكيماوية وارتكبوا مجزرة يندى لها الجبين في غوطة دمشق. وعندما كلّفتْ الأمم المتحدة البروفيسور «سيلستروم» بالتحقيق في ذلك، فشلوا، مرّة أخرى في توجيه التهمة إلى سورية، وأنهوا البعثة ووضعوا تقرير سيلستروم في الأدراج والمحفوظات. كل هذا كان بهدف وحيد هو الوصول إلى غاية ربيعهم المزعوم لأنّ سورية كانتْ هي الهدف والمبتغى، لكنهم فشلوا… وسيفشلون.
لقد قام أعداء سورية بضخ كل ما استطاعوا من أموال لشراء النفوس المريضة لقتل السوريين، كما قاموا بتسليح كل من قبل من الفاسدين والمرتزقة بقتل أهله ومواطنيه. وعندما لم ينجحوا بذلك شجّعوا قتلة ومجرمي العالم للمجيء إلى سورية عبر نظام الإخوان المسلمين في تركيا، لكنهم فشلوا مرّة أخرى في الوصول إلى ما أرادوا، وفشل أردوغان الذي يتطلّع للجلوس على عرش الخلافة العثمانيّة الوثير على رغم كل الأموال والوعود التي دفعها الغرب له ولمجرميه وللمجموعات الإرهابيّة التي بلغ تعدادها المئات إن لم نقل الآلاف. وكذلك فشل آل سعود والأدوات الأخرى في الخليج… ولم يبقَ بيدهم إلاَّ الزج بآخر مبتكراتهم، فكان لهم «داعش»، فرع تنظيم القاعدة في العراق والذي اختبروه جيّداً وتربّى في أحضانهم… وعلى موائدهم إثر الاحتلال الأميركي للعراق، كما ترعرعت أم هذا التنظيم، «القاعدة»، على أيادي أبناء آل سعود وإدارة رونالد ريغان، في حربهم على الشعب الأفغاني.
إلاَّ أنّ هذا التنظيم وأشقاءه في «جبهة النصرة» و«الجيش الإرهابي الحر» و«الجبهة الإسلاميّة»، أبناء وبنات «القاعدة»، لهم أيضاً أجنداتهم الخاصّة. ولم يعد السيّد قادراً على إدارة عبيده في إطار مصالح الآخرين من متشددين وأصحاب السواطير وما يسمّى المحاكم الشرعيّة لأنّ لهم أهدافهم أيضاً، ولم يعودوا يكتفون بما يلقى إليهم من أموال، وما يكتب عن «شجاعتهم وإقدامهم من بطولات». وربما غالى هؤلاء بتقديم الخدمات لسيّدهم الذي قال لهم أخيراً كفى، أو أنّه أوصلهم إلى مكان كان مطلوباً منه أن يقول عنده كفى…
إنّ إطالة مدى مواجهة سورية للمجموعات الإرهابيّة ومن يدعمها لأكثر من ثلاث سنوات يأتي بسبب استمرار الولايات المتحدة والسعوديّة وفرنسا وتركيا وغيرها في تسليح المجموعات الإرهابيّة بمختلف أسمائها وتمويلها وإيوائها وتدريبها من قِبَل هذه الدول وغيرها. كما أنّ «داعش» كانتْ صنيعة الغزو الأميركي الغربي للعراق. وعلى الأمين العام للأمم المتحدة، المؤتمن على مصداقية الأمم المتحدة، أن يتقيّد بالحقيقة، وإلاَّ فإنّ من يعرف التاريخ والحقيقة وهم كثر، سيقول له كلاماً لا يليق بمنصبه ومسؤولياته. ولا يمكن للغرب وأدواته في هذين الجانبين تدوير الزوايا وتبرير سياسات بعض دوله الداعمة للإرهاب، والهروب من تحمّل مسؤولياته أمام شعوبه وأمام العالم وأمام الأمم المتحدة والرأي العام العالمي.
لقد فضح نائب الرئيس الأميركي جو بايدين، الذي ضاق ذرعاً بأدواته في تركيا والخليج بالخدمات السيئة التي قدّمها هؤلاء لإدارته في كل الدول العربيّة التي حط بها رحال الربيع المزعوم. وقال بايدن بلغة إنكليزيّة أميركيّة لا خطأ فيها، إنّ سبب كل ما حدث كان الحقد الأسود من حكّام السعوديّة وتركيا وغيرهما تجاه شعب سورية وقيادته المسؤولة والمدافعة عن كرامته وحقوقه. ولن نسأل هنا الإدارة الأميركيّة عن أسباب إعلانها المتأخر هذا، لكننا نقول إنّ قيام «داعش» و«الجيش الحر» و«جبهة النصرة» والتنظيمات الإرهابيّة الأخرى بقطع رقاب المئات، إن لم نقل الآلاف من السوريين، كان يستحق أيضاً اهتمام الولايات المتحدة والغرب إذا كانوا صادقين في دفاعهم عن حقوق الإنسان ونواياهم في إبعاد خطر الإرهاب، وهم حتماً ليسوا كذلك. على هؤلاء جميعاً أن يخجلوا من أنفسهم ومن الجرائم التي ارتكبوها أو شجعوا على ارتكابها في سورية والعراق ولبنان وليبيا وتلك التي يرتكبها الإرهابيون ضد شعبنا وجيشنا في مصر الشقيقة.
وهكذا، لم يجد الغرب وأعوانه الإقليميين بداً من إخفاء فشلهم عن شعوبهم وإعلامهم بعد أن وجدوا أنّ كل الدعم الذي قدّموه للإرهابيين والدماء التي كانوا سبباً رئيسياً في إراقتها لم تقد إلى تنفيذ سياساتهم في الانقلاب على الحكومة الشرعيّة في سورية وإخضاع كل المنطقة بعد ذلك لإرادتهم وإرادة سيّدهم في المنطقة: «إسرائيل». إلا إنّهم لم يخجلوا وتابعوا حملتهم على الحكومة السورية، من جهة، وعلى الحكومة العراقيّة من جهة ثانية، وكأنّهم لم يكونوا سبب هذا الدمار والخطر الذي لم يعد محصوراً في سورية والعراق ولبنان ومصر وليبيا واليمن، بل أنّهم قاموا بالزعم أنّ حكومات المنطقة هي المسؤولة عن ذلك. لكن: «مجنون يحكي، وعاقل يسمع»! و«كاد المريب أن يقول خذوني»!
لقد تحطمتْ أدوات الغرب وسيوفه الخشبيّة على صخرة الصمود السوري الأسطوري، ولم يكن شعب سورية مستعدّاً للتضحية بأبنائه وماله وممتلكاته للوقوف خلف منطلقات قيادته لولا إيمان هذا الشعب بقيادته وجيشه. فهل كان لسورية أن تصمد لو لم يكن جيش سورية الباسل مستعدّاً لبذل أنهار الدماء رخيصة للدفاع عن الوطن، كل الوطن؟ وهل كان له أن يحقّق الإنجاز تلو الإنجاز، وأن يمنع تمرير المؤامرة على سورية والمنطقة وقضاياها العادلة، وفي مقدّمها قضيّة فلسطين وتحرير الجولان، وما تبقّى من أراض محتلّة في جنوب لبنان، لولا عميق إيمانه بعقيدته القوميّة وإيمانه الوطني بصحّة نهج سورية؟
أمّا الأدوات التي رعتها الولايات المتحدة وأدواتها الخليجيّة ودفعتْ لها البلايين لتنفيذ مخططات «إسرائيل» في سورية وفي المنطقة فأين هي؟ فالائتلاف قد تمزق، وهو أصلاً لم يمثّل في الأساس شيئاً بالنسبة إلى سورية والسوريين ولذلك انقسم وتشرذم ولا يحترمه أصحابه بالذات من «إسرائيليين» وأميركيين وسعوديين وقطريين وفرنسيين. وإذا كان الغرب بالذات قد حكم على هذا الائتلاف بالموت السريري كما حدث لسلفه المجلس الوطني، فهذا يعني منطقيّاً أنّه لا حسابات لمثل هذا الإطار المفلس في مستقبل سورية. ومن جهة أخرى فإنّه إذا كانتْ الدول الغربيّة وأدواتها في المنطقة لم تعد تعتمد «جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية» وكذلك ما يُسمّى بـ«الجيش الحر» لتنفيذ مهامها وسياساتها، وأنّها بديلاً عن ذلك ستقوم ببناء جيش خاص من المرتزقة والقتلة في السعوديّة، وإنّ ذلك، كما يقول المسؤولون الأميركيون سيمتد لبضع سنوات، فعلى ماذا يراهن هؤلاء؟. والمحصّلة النهائيّة التي يمكن الوصول إليها هي أنّه إذا كان الغرب يعترف بسقوط كل هذه الأدوات، وأنّ جيش سورية البطل يتقدّم في كل يوم ليصل إلى المكان الذي يريد، فعلى ماذا يراهن هؤلاء أيضاً؟
إذا كانتْ قطر والسعوديّة والولايات المتحدة الأميركيّة ما زالت تراهن على كتائب إرهابيّة وهميّة هنا وهناك، فهي تعرف أنّ ذلك لن يحقّق لها إلاَّ شيئاً واحداً وهو إهدار مزيد من دماء السوريين! وإذا كانتْ هذه الأطراف تريد تمرير العلاقة بين «إسرائيل» وأصدقائها وحلفائها الجدد في «الجيش الإرهابي الحر» و«جبهة النصرة» فإنّ ذلك قد يعكّر الرؤية لبعض الوقت، لكنه سينتهي عاجلاً أم آجلاً، لأنّ شعبنا سيعزل هؤلاء ولن يقبل بهم لأنّه يرفض خياناتهم وولاءاتهم والخدمات التي يقدّمونها لأعداء الوطن.
إنّ أبناء سورية الذين يسطّرون بطولات في الدفاع عن أرض الوطن في عين العرب وغيرها ويضحّون من أجل كل ذرّة تراب سوريّة هم أهلنا، وليس أولئك الذين باعوا الأرض والعرض، أي عرضهم هم، لـ«إسرائيل» وأعداء الأمّة. وسورية قدّمتْ وستقدّم الدعم الأرضي والجوّي والسلاح والغذاء لأهلنا في عين العرب على رغم كل الصعوبات والتحديات التي يعرفها مقاتلونا وشعبنا هناك قبل غيرهم.
إذا كانتْ أوهام الغرب وعملائهم في المنطقة قد تدمّرتْ أمام أعينهم، فلا ائتلاف بين أيديهم ولا «جيش حر» ولا ألوية ولا كتائب ولا مرتزقة، فلماذا يتعامون عن الحقيقة المرّة التي كُتب عليهم تجرع كأسها المر؟ لقد تهاوتْ قواعدهم وأزلامهم كما تتهاوى الأحجار على رقعة الشطرنج، ولم يبقَ في الميدان سوى «داعش» وشقيقته «جبهة النصرة» اللتين أدانهما مجلس الأمن في قراريه 2170 و2178. لكن السخرية هي أنّنا نراهم، ليل نهار، يتحدّثون، وكأنّهم يتسلّون، عن خطر «داعش» وقوّة «داعش»، وتمدّد «داعش»، وسيطرته على أرض من العراق وسورية. وإمكانيّة زحف «داعش» إلى كردستان العراق وإلى الأردن ولبنان والسعوديّة نفسها، ناهيك عن قيام بعض خلايا «داعش» النائمة في كندا والولايات المتحدة وبريطانيا بعمليات إرهابيّة تهدّد الأمن في هذه الدول وأرواح مواطنيها.
على هؤلاء الآن أن يعتذروا للشعب السوري، إذا كانوا صادقين في حربهم على «داعش» وإرهابها. وإذا أراد هؤلاء إبعاد الاتهام الذي توجهه كل الشعوب لهم حول شراكتهم الميكيافلليّة المؤكّدة والمكشوفة للمنظمات الإرهابيّة، فإنّه لم يبقَ لهم إلاَّ أن يعلنوا أنّهم ضد الإرهاب وتنظيماته قولاً وفعلاً، وأن يبدّدوا قلق شعوبهم من تحوّل شوارعهم وأبنيتهم إلى ساحات دماء وقتل على يد «داعش» وغيره، وكذلك من الاتهام الذي توجهه كثير من الدول وعدد متزايد من المفكرين والمحلّلين حول الشراكة التي تربط «داعش» مع بعض الحكومات الغربيّة والخليجيّة!
لقد كان لسورية شعباً وجيشاً وقيادةً شرف سبق مكافحة الإرهاب، ولا يمكن إلاَّ أن تفخر سورية وتعتز بأصدقائها وحلفائها على الساحتين الإقليميّة والدوليّة خصوصاً للموقف الإيراني المبدئي في مكافحة الإرهاب، والموقف الروسي الذي لا يساوم على إيمانه بميثاق الأمم المتحدة والشرعيّة الدوليّة وحقوق الإنسان. ولن أبالغ إذا قلت أنّ شرف مكافحة الإرهاب يشمل قائمة طويلة من الدول في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينيّة والتي لا يتسع المجال لذكرها.
ها هي سورية تضع مكافحة إرهاب «داعش» وشقيقات «داعش» أولويّة لها. وكانتْ هذه الأولوية، كما يعرف الجميع، مطروحة منذ بدء الأحداث في سورية وخلال مؤتمر جنيف، فمن هو الذين عطّل تنفيذ هذه الأولويّة؟ ومع ذلك، فقد أبلغتْ سورية كل من يهمّه الأمر أنّ مكافحة الإرهاب في سورية وخارجها هي الأولويّة الأولى، ناهيك عن أولويّتها الثانية المتعلّقة بتحقيق المصالحات المحليّة في كافّة أنحاء سورية لوقف الإرهاب وسفك الدماء. ولم تقف القيادة السوريّة عند ذلك فحسب، بل أنّها أكّدتْ أنّه لا بد من إيجاد إطار للحل السياسي للأزمة في سورية يكلّل كل جهود مكافحة الإرهاب والانتصار عليه ويكلّل جهود التوصّل إلى مصالحات محليّة في كافّة أنحاء سورية. هذا هو طريق حل الأزمة السوريّة.
إنّ المنطق يقول، وقرارات مجلس الأمن ضد «داعش» تقول إنّ مهمّة البشريّة الآن هي مكافحة خطر «داعش» التي تمثّل أخطر ما تواجهه البشريّة من تحديات. وسورية تقف في مقدّمة من يتصدّى لخطر «داعش». والاستنتاج الطبيعي هو حتميّة وقوف من يُحارب «داعش» إلى جانب سورية في حربها عليه. وهكذا أصبح من المنطقي أنّ على من يريد مكافحة «داعش» أن يقف مع سورية، وأنّ من لا يقف مع سورية فهو يقف مع «داعش»!
فقولوا لنا أين تقفون؟