«ذي إنترسبت»: قصف ليبيا والإطاحة بالقذافي… تفاصيل جديدة يكشفها التحقيق مع ساركوزي
بعد مرور سبع سنوات على الأحداث في ليبيا وتدخل الناتو اللذَين أطاحا بالرئيس الليبي السابق معمر القذافي من السلطة، لا تزال ليبيا ممزّقة ومصدراً للقلاقل في المنطقة. ومع أن الكونغرس الأميركي كان قد أجرى تحقيقاً مفصلاً حول الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي بعد سنة من سقوط القذافي ووفاته، إلا أنه لم يكن هناك أي تحقيق أميركي للإجابة عن السؤال الأوسع حول السبب الذي دفع الولايات المتحدة وحلفاءها إلى هذا التدخل الكارثي في ليبيا. ومع ذلك، فإن التحقيق في فساد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي يفتح لنا نافذة جديدة على الدوافع غير المعروفة لحلف الناتو التي قد تكون عجلت بالاندفاع إلى الإطاحة بالديكتاتور الليبي.
هكذا استهل الكاتب جو بيني مقاله على موقع «ذي إنترسبت»، الذي يسلط فيه الضوء على العلاقات المشبوهة بين الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي وقادة الدول الغربية، والدوافع الشخصية التي لعبت دوراً مهماً في قرار قصف ليبيا.
ويتابع الكاتب أن الشرطة الفرنسية قد احتجزت ساركوزي واستجوبته في الشهر الماضي بخصوص أموال غير مشروعة يُقال أن القذافي قدمها لحملته الانتخابية في عام 2007. وبعد أيام قليلة من إطلاق سراحه، استُدعي ساركوزي للمحاكمة بتهمة الفساد واستغلال النفوذ في قضية أخرى ذات صلة بالقضية الأولى حيث سعى للحصول على معلومات حول التحقيق في قضية القذافي من أحد كبار القضاة في محكمة النقض.
ويذهب الكاتب إلى أن الرئيس الفرنسي الذي أخذ زمام المبادرة بين الأوروبيين في الحملة العسكرية ضد القذافي، كان متحمساً لتعويض تخبطه الدبلوماسي في تونس ومصر، وغاضباً على الأرجح بسبب فشل صفقة سلاح مع القذافي. ويبدو الآن أن ساركوزي كان حريصاً على تغيير السردية ليضع نفسه في طليعة التدخل المناصر للديمقراطية والمناهض للقذافي.
واليوم، ليبيا مقسمة بين ثلاث حكومات متنافسة وعدد لا يحصَى من الجماعات المسلحة المدعومة من قوات خارجية مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر. وقد أتاحت الفجوات الأمنية للجماعات «الإرهابية» فرصة زيادة العمليات هناك، وسمحت بتدفق الأسلحة عبر الصحراء مما ساهم في زعزعة استقرار منطقة الساحل في شمال أفريقيا. وكذلك فقد فتح غياب السلطة السياسية في طرابلس الباب أمام أزمة المهاجرين في أوروبا إذ تمثل ليبيا بوابةً للمهاجرين للهروب من أفريقيا عبر البحر المتوسط. ومع أن عدد الذين لقوا حتفهم في ليبيا أقل بكثير من أعداد القتلى في سوريا أو العراق، إلا أن المشاكل التي تواجهها ليبيا بعد مرور سبع سنوات على تدخل الناتو المشؤوم لا تقل تعقيداً، وغالباً ما يكون لها تأثير أكثر مباشرةً على أوروبا مما يحدث في سوريا والعراق.
كيف بدأت علاقة ساركوزي بالقذافي؟
يروي الكاتب قائلاً إن قصة علاقة ساركوزي الغريبة بالقذافي تبدأ في عام 2003، عندما رفعت الأمم المتحدة عقوبات قاسية من على ليبيا كانت قد فُرضت في أعقاب تفجير لوكربي.
وبعد رفع العقوبات، سعى القذافي إلى تبني صورة أنقى وأكثر شرعية في الدوائر الغربية، فوجد مشترين متلهفين، خصوصاً في شركات النفط والغاز البريطانية، وكذلك توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني آنذاك الذي رأى فرص أعمال مربحة في ليبيا. وإضافةً إلى ذلك، تعاونت وكالات الاستخبارات الليبية تعاوناً وثيقاً مع وكالة الاستخبارات البريطانية إم آي 6 تحت المظلة الواسعة لمكافحة الإرهاب.
ويضيف الكاتب أن فرنسا أيضاً كانت تبني علاقات مالية واستخباراتية وطيدة مع ليبيا. ففي عام 2006، اشترى القذافي نظام مراقبة من «آي 2 إي»، الشركة الفرنسية التي تفاخرت بعلاقتها الوثيقة مع ساركوزي الذي كان حينئذ وزير داخلية فرنسا. وفي عام 2007، وبعد أن انتُخب رئيساً لفرنسا، استقبل ساركوزي معمر القذافي لمدة خمسة أيام في زيارة رسمية، كانت أول زيارة للقذافي إلى فرنسا منذ أكثر من ثلاثين عاماً.
وخلال الزيارة، قال القذافي إن ليبيا ستشتري معدات عسكرية فرنسية بقيمة 5.86 بليون دولار أميركي، شاملة 14 طائرة «رافال» مقاتلة صنعتها شركة «داسو أفياسيون».
ثم ينقل الكاتب عن ميشيل كابيرول، المحرر في صحيفة «لا تريبيون» الفرنسية الأسبوعية الذي كتب بتوسع عن صفقات الأسلحة، قوله إن «صفقات الأسلحة قد وطّدت العلاقات بين البلدين على مدار عشرين عاماً». وبالنسبة لساركوزي، كان مهمّاً أن يبيع طائرات رافال المقاتلة إذ لم يبعها أحد من قبل لدولة أجنبية. وفي حالة ليبيا كان إتمام الصفقة أحد تحدياته الشخصية في ذلك الوقت».
ويلفت الكاتب إلى أن كالديرون قد أفاد في صحيفة «لا تريبيون» أن المفاوضات كانت لا تزال جارية في شهر تموز 2010، لكن ساركوزي لم يتم أبداً صفقة بيع طائرات رافال للقذافي.
ساركوزي وتاجر السلاح اللبناني
كانت المعلومات الأولية بخصوص الأموال الليبية المدفوعة إلى ساركوزي قد بدأت تظهر إلى السطح في آذار 2011، عندما كان شبح تدخل الناتو الوشيك يلوح هائلاً في الأفق. ففي مقابلة صحفية قبل إسقاط الناتو أولى قنابله على ليبيا بيومين، أكد القذافي لأول مرة تمويله حملة ساركوزي. وبعد ذلك بوقت قصير، أطلق ابنه، سيف الإسلام القذافي، ادعاءات مماثلة. وفي عام 2012 نشر الموقع الإلكتروني الفرنسي «ميديا بارت» للأخبار الاستقصائية وثيقة ليبية تحمل توقيع موسى كوسا، رئيس الاستخبارات الليبية في عهد القذافي، وتكشف عن تجهيزه 50 مليون يورو لدعم حملة ساركوزي، وقد أكدت السلطات الفرنسية فيما بعد صحة هذه الوثيقة.
ويشير الكاتب إلى أنه منذ الكشف الأولي عن تمويل القذافي لساركوزي، شهد زياد تقي الدين تاجر السلاح الفرنسي اللبناني الذي ساعد على ترتيب زيارة ساركوزي إلى ليبيا عام 2005 عندما كان وزيراً للداخلية في المحكمة أنه أحضر حقائب محشوة بملايين اليورو نقداً إلى ليبيا وسلمهم بيده لساركوزي في أواخر عام 2006 وأوائل عام 2007، عندما كان ساركوزي لا يزال وزيراً للداخلية يجهز حملته للانتخابات الرئاسية. وقد استأجر كلود غيان، مساعد ساركوزي الذي أصبح وزير الداخلية بعد الانتخابات، خزنة كبيرة في بنك «بي إن بي» لمدة سبعة أشهر أثناء الحملة الانتخابية.
ويستطرد الكاتب قائلاً إن رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي قد أكد لوسائل الإعلام أن القذافي مول حملة ساركوزي للانتخابات الرئاسية عام 2007. وقد فحصت السلطات الفرنسية أيضاً مذكرات مكتوبة بخط يد شكري غانم، وزير النفط في عهد القذافي، تكشف عن تلقي ساركوزي 6.5 مليون يورو على ثلاث دفعات.
أين ذهب المتورطون في الفضيحة؟
عثرت الشرطة النمساوية على جثة شكري غانم في نهر الدانوب بفيينا في يوم 29 نيسان 2012، بعد مرور أسبوع واحد على الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي خاضها ساركوزي بينما كان لا يزال رئيساً لفرنسا، وبعد يوم واحد من كشف موقع «ميديا بارت» عن الوثيقة الموقعة بخط يد كوسا. ويلفت الكاتب إلى أن الراحل كريس ستيفنز، السفير الأميركي في ليبيا آنذاك، كتب في بريد إلكتروني إلى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في حزيران 2012 أنه «لا يوجد ليبي واحد تحدثت معه يعتقد أن كوسا رمى بنفسه في الدانوب، أو أنه قبض على قلبه فجأة من الألم ثم انزلق بصمت في النهر، بل يعتقد معظمهم أن أعضاء من النظام أو المافيا الأجنبية هم من أسكتوه».
ويتابع الكاتب قائلاً إن بشير صالح، رئيس صندوق الاستثمار الليبي حينئذ وأحد الليبيين الذين قاموا بتنظيم عملية التمويل، قد هُرِّب من ليبيا إلى تونس بواسطة القوات الفرنسية الخاصة حسب ما نشر موقع «ميديا بارت». وبعد ذلك، حمله ألكسندر الجوهري، أمين سر ساركوزي، على متن طائرة خاصة من تونس إلى باريس بعد إسقاط القذافي بوقت قصير. وقد عاش صالح في فرنسا لمدة عام تقريباً، حيث ورد أنه التقى رئيس المخابرات الفرنسية برنارد سكوارسيني، مع أن الإنتربول كان قد أصدر مذكرة اعتقال بحقه في ذلك الوقت.
بشير صالح، رئيس صندوق الاستثمار الليبي في عهد القذافي، على موقع الإنتربول، وقد التُقِطت الصورة من على شاشة حاسب آلي في باريس يوم 29 نيسان 2012
وينقل الكاتب عن فابريس عارفي، أحد صحافيَّيْ «ميديا بارت» اللذَين غطيا القضية منذ عام 2011، قوله إن «التحقيقات القضائية تظهر أنه مِن بين كل رجال القذافي، كان لدى بشير صالح السجلات الأكثر إحكاماً فيما يتعلق بالتمويل الفرنسي، وهو متهم بمقايضة هذه الوثائق مقابل مساعدة فرنسا له لتنقذه من فكَّي الثورة».
وفي عام 2012، نشرت مجلة «باريس ماتش» صورة صالح متجولاً بحرية في باريس مع وجود مذكرة اعتقال بشأنه، أُجبِر صالح بعدها على مغادرة المدينة، فطار إلى جوهانسبرج، حيث استمر في العيش هناك منذ ذلك الحين. وفي آذار الماضي، بعد وقت قصير من الإطاحة بحليفه، الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما، أصيب صالح بطلق ناري بينما كان عائداً إلى منزله من مطار جوهانسبرج. وبحسب الكاتب فإن صالح مطلوب من قضاة فرنسيين للاستجواب في قضية ساركوزي.
القذافي وبوكاسا وبونجو
يلفت الكاتب أنه حتى خليفة ساركوزي، فرانسوا هولاند، قد ألمح إلى أن القذافي مول حملة ساركوزي. ففي كتاب هولاند الذي يحمل عنوان «لا ينبغي لرئيس أن يقول ذلك»، بينما كان يقارن نفسه بساركوزي كتب هولاند قائلاً: «بصفتي رئيساً للجمهورية، لم أُحتجَز للاستجواب إطلاقاً، ولم أتجسس على قاضٍ قط، ولم أطلب أي شيء من قاضٍ بتاتاً، ولم تمولني ليبيا أبداً».
ويوضح الكاتب أن قضية فساد ساركوزي في ليبيا ليست المرة الأولى التي يتلقى فيها رئيس فرنسي أو شخصية سياسية فرنسية بارزة أموالاً غير مشروعة مقابل خدمات سياسية. فينقل الكاتب عن جليل حرشاوي، الباحث في جامعة «باريس 8»، قوله: «إن فساد ساركوزي ينسجم مع تقاليد راسخة وعريقة في باريس: ففي سبعينيات القرن الماضي، كانت هناك فضيحة «ماسات بوكاسا»، التي قَبِلها وأخذها الرئيس الفرنسي آنذاك فاليري جيسكارد، وفي تسعينيات القرن نفسه كانت هناك أيضاً «فضيحة كراتشي» التي تنطوي على استلام رشى من مبيعات أسلحة فرنسية إلى باكستان واستخدامها في الحملة الانتخابية لمرشح الرئاسة الفرنسية إدوارد بالادور، وهناك أيضاً التأثير الهائل لرئيس الجابون السابق عمر بونجو في سياسات باريس لسنوات عديدة دون انقطاع».
ساركوزي وقصف ليبيا
يقول الكاتب إن ساركوزي كان مناصراً سبّاقاً وقوياً لقرار الغرب بالتدخل في ليبيا، إلا أن هذا الحماس العسكري وهذه الرغبة في تغيير النظام لم تظهر إلا بعد إعلان هيلاري كلينتون وجامعة الدول العربية رغبتهم في رؤية القذافي يرحل، وإظهارهم أنهم كانوا «يريدون تجنب الأضواء» بحسب حرشاوي. فقد علقت جامعة الدول العربية عضوية ليبيا في 22 شباط 2011، وفي الأيام التالية ارتفعت الأصوات الداعية لفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا. وينقل الكاتب عن حرشاوي تعليقه على هذه الأحداث قائلاً: «إن هذه الأحداث خلقت إطاراً أدركت فرنسا من خلاله أنه من المحتمل أن تندلع الحرب قريباً».
ويتابع الكاتب أنه: بحلول يوم 26 شباط تحدث ويليام برنز، كبير مساعدي وزير خارجية الولايات المتحدة للشؤون السياسية، مع جان دافيد ليفيت، كبير مستشاري ساركوزي للشؤون الدبلوماسية. ثم كتب برنز في بريد إلكتروني إلى فريق كلينتون أنه «بخصوص ليبيا، تؤيد فرنسا إجراءاتنا تأييداً قوياً»، لكن هناك «مخاوف فرنسية بشأن دور الناتو»، وهو ما يعني على الأرجح أن فرنسا لم ترغب في تدخل الناتو تدخلاً كاملاً في ذلك الوقت.
وبعد ذلك بأسبوعين اتخذ ساركوزي أولى خطواته المهمة لإظهار أن فرنسا ليست مترددة، بل إنها قررت اتخاذ زمام المبادرة في القتال ضد القذافي ففي 10 آذار 2011 أصبح ساركوزي أول رئيس دولة يعترف بالمجلس الوطني الانتقالي باعتباره الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا. وفي ذلك الوقت، قال رئيس الوزراء الهولندي مارك روته إن الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي كان «خطوة مجنونة من فرنسا».
ويلفت الكاتب إلى أنه سواءً كانت الخطوة مجنونةً أم لا، فإنها وضعت فرنسا في صدارة أوروبا. فوفقاً لتحقيق البرلمان البريطاني عام 2016 حول التدخل العسكري في ليبيا، فإن «سياسات المملكة المتحدة كانت تابعة للقرارات المتخَذة في فرنسا».
ثم قدم آلان جوبيه، وزير خارجية ساركوزي آنذاك، مشروع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1973، الذي دعا إلى فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا، لحماية المدنيين في بنغازي من مذبحة وشيكة على يد القذافي. ومع أن الدبلوماسيين الأميركيين هم من صاغوا مشروع القرار، إلا أن جوبيه كان هو الدبلوماسي الغربي الذي دافع بأعلى درجات الحماسة عنه، مخبِراً مجلس الأمن بأنه «أمامنا وقت ضئيل للغاية، وقد تكون مسألة ساعات فقط» لمنع مذبحة بحق المدنيين في بنغازي.
ويرى الكاتب أن انبثاق فرنسا في الصف الأول لحركة الضغط الدبلوماسي كان انعاكساً جلياً لعقيدة باراك أوباما المتمثلة في «القيادة من الخلف» والسماح لأوروبا باحتلال دائرة الضوء. وقد ساعد دعم جامعة الدول العربية لقرار مجلس الأمن في خلق ائتلاف واسع من القوى لا يقتصر على الغرب فحسب، إضافةً إلى أن انشقاق نائب السفير الليبي في الأمم المتحدة عن القذافي قد ساعد على تمرير مشروع القرار.
تسويق طائرات «رافال»
وبعد يومين من صدور القرار، عقد ساركوزي اجتماعاً في قصر الإليزيه يوم 19 أيار لوضع الخطط الاستراتيجية العسكرية مع أوباما، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، وقادة آخرين من الناتو، وقادة جامعة الدول العربية. ويورد الكاتب نقلاً عن ليام فوكس، وزير الدفاع البريطاني حينئذ، قوله إن القمة «انتهت في وقت العصر، وبدأت أولى الغارات الجوية الفرنسية في الساعة 4:45 بتوقيت غرينتش». فقد أرسل ساركوزي المتحمس 20 طائرة لتنفيذ الغارات الجوية الأولى دون إعلام فوكس، قبل الوقت المتفق عليه بأربع ساعات. ثم أطلقت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة صواريخ كروز بعد ذلك بوقت قصير.
وباستعراض طائرات رافال في حملة ليبيا وحروب أخرى في مالي وسوريا، تمكنت فرنسا في النهاية من جذب عملاء في مصر، والهند، وقطر.
ويورد الكاتب ما نقلته رويترز عن مسؤول دفاعي من دولة منافسة لفرنسا قائلاً إن «ساركوزي قد قام بعمل عظيم بإرساله طائرات رافال مبكراً لقصف القافلة العسكرية سيذهب إلى أسواق التصدير ويقول إن هذا ما تستطيع طائراتنا القيام به».
لماذا ذهب ساركوزي إلى الحرب؟
يعتقد الكاتب أن حماس ساركوزي للعمل العسكري كان نابعاً مما هو أكثر من مجرد مخاوف إنسانية على ثوار ليبيين في بنغازي معرَّضين لخطر غضب القذافي الشديد إذ تضمّن منطقه مزيجاً من أسباب محلية، ودولية، وشخصية.
فقد وجد ساركوزي إدارته غير مواكبة للتغيرات بعد اندلاع ثورات الربيع العربي في تونس، حيث كانت تربطه علاقة وثيقة بديكتاتور تونس زين العابدين بن علي. وعندما أطلقت قوات الأمن التونسية النار على تظاهرات الشارع الحاشدة في كانون الثاني، بدلاً من إدانة العنف، عرض وزير خارجية ساركوزي مشاركة نخبة قوات الأمن الفرنسية «لتهدئة الأوضاع الأمنية من هذا النوع».
وينقل الكاتب عن بوريا أميرشاهي، النائب الاشتراكي السابق في الجمعية الوطنية الفرنسية، الذي دعا البرلمان الفرنسي إلى إجراء تحقيق حول التدخل في ليبيا قوله إن «الربيع العربي قد لطخ صورة ساركوزي بوصفه قائداً عصرياً»، وإن الحرب الليبية قد أتاحت له فرصة «تناسي أخطائه السياسية الجسيمة إبان الثورة التونسية في كانون الثاني 2011».
أمّا فابريس عارفي، الصحافي في موقع «ميديا بارت»، الذي شارك في تأليف كتاب «مع تحيات القائد» الذي يتناول التحقيق في قضية القذافي وليبيا بالتفصيل، فقد حذر من معاملة تدخل ساركوزي في الحرب على أنه مسألة شخصية بالكامل، وإن لعب البعد الشخصي دوراً حيوياً في قراره. وينقل كاتب المقال عن عارفي قوله: «لا أعتقد أن ساركوزي قد جرّ فرنسا ودولاً أخرى إلى الحرب في ليبيا لتبييض صورته فحسب، لكن من الصعب تخيل عدم وجود بعد شخصي أو خاص لنشاط ساركوزي المناصر للحرب في 2011».
ويبيّن الكاتب أن البعد الشخصي الذي يشير إليه عارفي هو رغبة ساركوزي في تغيير السردية التي زرعها ونمّاها ورعاها منذ البداية والتي تركز على أنه شخص مقرب من القذافي إلى سردية أخرى تنأى به عن النظام وعن أي سؤال يتعلق بقربه السابق من القذافي، بمجرد أن أدرك مدى جدية رغبة الولايات المتحدة والدول العربية في التخلص من القائد الليبي.
فينقل الكاتب عن حرشاوي قوله إنه «بمجرد انطلاق شرارة الحرب، تأثر موقف ساركوزي تأثراً شديداً بالفضيحة التي لم يكن يعلمها سواه في ذلك الوقت مما تسبب في ظهور دولة فرنسية متشددة جداً تسعى إلى سيناريو يدمَّر فيه كل شيء وتُجَّرد الثقة من أي شيء يتعلق بعائلة القذافي».
غير أن آدام هولواي، العضو المحافظ في مجلس العموم البريطاني الذي كان في لجنة الشؤون الخارجية عندما نشرت تقريرها عام 2016 حول ليبيا، استبعد الزاوية الشخصية، فينقل الكاتب عنه قوله إنه «لو كان السيد ساركوزي أخذ أمولاً من القذافي، قد تتوقع أن يقلل ذلك من احتمالية تدخله في ليبيا، هذا لو كان لذاك الأمر أي تأثير أساساً. ولهذا السبب، لا أعتقد حقاً أن هذا كان عاملاً فلم تكن للمشاركة في تغيير النظام أي علاقة بالذكاء الذي كان من المفترض أن يثنيه عن ذلك بل كانت حاجة ديفيد كاميرون ونيكولا ساركوزي لفعل شيء ما».
ويرى الكاتب أنه بالنسبة لإدارة أوباما، كان التدخل في ليبيا قراراً إنسانيّاً لمنع القذافي من شن هجوم على مدينة بنغازي المحاصَرة. فقد كتب وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس في سيرته الذاتية أن «هيلاري قد رمت بكامل ثقلها خلف رايس، ورودز، وباور» ورجحوا كفة الميزان لصالح التدخل. فوزيرة الخارجية في ذلك الوقت هيلاري كلينتون، والسفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة حينئذ سوزان رايس، والمستشارة في مجلس الأمن القومي الأميركي آنذاك سامانثا باور، ونائب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض بِن رودز، كلهم لعبوا دوراً فعالاً في دفع قرار الحرب للأمام، وقد كان هدفهم بحسب الكاتب هو تغيير النظام بغض النظر عن علاقة ساركوزي الشخصية بالديكتاتور.
ثم ينقل الكاتب عن رونالد بروس سانت جون، المؤرخ المتخصص في تاريخ ليبيا، قوله «إنهم كانوا هجوميين في دفع قرار التدخل للأمام، لأنهم شعروا أن ذلك هو الأمر الصائب الذي عليهم فعله فقد بدا أن هناك احتمالاً واقعياً جداً أن يقوم النظام بإعادة فرض سيطرته على الدولة بأكملها، وخصوصاً شرق ليبيا، ولو فعل النظام ذلك، لكانت العواقب وخيمة بالنسبة للناس الذين يعتبرون ثواراً».
أما جون لي أندرسون، الصحافي في مجلة «نيويوركر» الأميركية، فيرى بحسب الكاتب أن « تحرك القوات العسكرية المدرعة الموالية للقذافي باتجاه بنغازي هو الذي فرض على الناتو توقيت التدخل».
ثم يستدرك سانت جون وفقاً للكاتب قائلاً «إن حماية المدنيين ليست كافيةً دائماً لتبرير تدخل الناتو، كما أظهر القمع العنيف للتظاهرات في البحرين وفي أماكن أخرى من العالم العربي. إضافة إلى أن تحقيق البرلمان البريطاني لم يجد سوى القليل من الأدلة القاطعة على أن القذافي كان فعلاً يستهدف المدنيين في حملته لاستعادة المدن التي كانت واقعة لفترة وجيزة تحت سيطرة قوات الثوار. إلا أن العداء الطويل الذي كان يكتنف علاقة القذافي بالولايات المتحدة، وحقيقة أنه لم يكن هناك ليبيون بارزون ليؤيدوه ويدافعوا عنه في الولايات المتحدة، فضلاً عن حقيقة أن القذافي لم يكن لديه حلفاء أقوياء مثله مثل ما لدى بشار الأسد في روسيا وإيران، كل ذلك جعله هدفاً يسهل التداعي عليه».
ويختتم بيني مقاله قائلاً إن: «الموقف الفرنسي كان جديراً بالملاحظة. فبدلاً من أن تعارض فرنسا التدخل في ليبيا كما فعلت مع الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، دفعت بقوة نحو التدخل العسكري، الذي تحول إلى كارثة».
نوه كاتب المقال إلى أن نائب مستشار الأمن القومي السابق توني بلينكن، وجان دافيد ليفيت، المستشار الدبلوماسي السابق لنيكولا ساركوزي، وديفيد بريسمان، المدير السابق لجرائم الحرب في مجلس الأمن الدولي، وجاك سوليفان، النائب السابق لكبير مستشاري وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، والنائب السابق لوزير الخارجية الأميركية ويليام برنز، والسفير الفرنسي لدى الولايات المتحدة جيرار آرو، كلهم إما رفضوا أن يعلقوا أو لم يجيبوا عندما تواصل معهم بخصوص هذا المقال .
«ساسة بوست»