الحسن: نحن أمام مرحلة جديدة ولحظة تاريخية وقادرون على أن نستهدف مواقع إسرائيلية الأحمد: الردّ مركّز ومحدد بأهداف ذات معنى وهذا يؤكد البعد الاستخباري والتحضير الجيد لمحور المقاومة
سماهر الخطيب
على ضوء قرار الرئيس الأميركي بإيقاف الاتفاق النووي مع إيران وتداعياته السياسية والاقتصادية والتطورات التي تدور في هذا الفلك، خاصة أن اللوبي اليهودي الصهيوني قد لعب دوراً أساسياً في إلغاء الاتفاق وبدعم من بعض الدول الخليجية التي تطالب الكيان الصهيوني بشنّ حرب على سورية ولبنان وتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة.
مما دفع رئيس حكومة العدو وفريقه الأمني إلى التخطيط لعدوان جديد على سورية تحت ذريعة وجود قواعد عسكرية إيرانية وبعد فشل المجموعات الإرهابية في تحقيق أهدافها وتمكّن الجيش السوري من ضرب المجموعات الإرهابية وإقصائها عن معظم المناطق نفذت الطائرات الحربية الإسرائيلية عدواناً جديداً على سورية.
وكعادتها تدّعي في كل مرة أنها استهدفت مراكز عسكرية ومستودعات أسلحة تابعة لحزب الله والحرس الثوري الإيراني إلا أن الجيش السوري كان ردّه حاسماً وقوياً واستهدف المواقع العسكرية الهامة في الجولان المحتل .
أمام هذا الاستحقاق والتحدي الكبير تطرح تساؤلات عن التطورات التي يمكن حصولها والنتائج التي آلت إليها من خلال الردّ السوري الحاسم.
في هذا السياق، صرّح الباحث في مركز دمشق للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، العميد تركي الحسن، للبناء قائلاً: «بداية، في الصراع بين سورية و«إسرائيل» في الفترة الماضية مررنا بثلاث مراحل منذ 30/1/2013 عندما تمّ استهداف مركز البحوث في جمرايا كنا آنذاك نعترف بالحادثة، وأن نقول سنحتفظ لأنفسنا بحق الردّ. ودرج أنّ الآخرين والإعلام وحتى الشارع يتقوّلون علينا لا تجيدون إلا هذه العبارة وهذه اللازمة، متى ستنتهون منها؟ ورأيي بأنّ الشارع عاطفياً يرغب بالردّ بأي شكل من الأشكال يعني كان علينا أن نرد».
وتابع بالقول: «إنّ موضوع الردّ يحتاج إلى أسس يجب أن تتوفر، أي شرطين، الشرط الذاتي والشرط الموضوعي، الشرط الذاتي توفر في عملية التصدي للطائرات الإسرائيلية، وبدأ بعد أن تمّ ترميم شبكة الدفاع الجوي»، مشيراً إلى أنّ «الرد بدأ منذ 16/9/2016 آنذاك أسقطت طائرة إسرائيلية وأصيبت أخرى».
ونوّه الحسن إلى أنّ «القرار بالرّد بقي بيد الوحدات المقاتلة ولا تحتاج إلى قرار من القائد العام»، موضحاً بأنّ «هذا القرار أعطاه الرئيس الأسد للأطقم وللتشكيلات مباشرة في حال استهداف أجوائنا أو في حال خرق أجوائنا أو استهداف مواقع على وسائط الدفاع الجوي أن تقوم بالتصدّي . وآنذاك ظهرت بعض الثغرات في شبكة الدفاع الجوي من خلال تلك الاستهدافات وكان يتمّ ترميم كل تلك الوسائط حتى باتت في أتمّ جهوزيتها».
أما في ما يخصّ العامل الذاتي أشار الحسن إلى أنه «يحتاج إلى توفّر القدرات ووضعها في الاستنفار، للتحول إلى إمكانيات لاتخاذ القرار منذ أربع سنوات، واستُهدِفنا من الطيران الإسرائيلي لحوالي سبع مرات انتهت حينها المرحلة الأولى».
وتابع بالقول: «المرحلة الثانية هي عبارة عن 16/9/2016 حتى الآن توّجت في العاشر من شباط الماضي عندما تم إسقاط الطائرة أف 16»، مؤكداً أنها «كانت ذروة الرد الإيجابي، ولكنه يبقى في إطار الدفاع بمعنى أننا نستهدف الصواريخ التي توجّه إلينا والطائرات التي يمكن أن تستهدفنا وأعتقد أنّ هذا الأمر كان موجعاً لإسرائيل حتى جاء هذا اليوم».
وعن استهداف المواقع «الإسرائيلية» قال الحسن: «إننا اليوم أمام مرحلة جديدة وهي الانتقال من العمل الدفاع البحت، وأقصد الردّ على وسائط الطيران والصواريخ الإسرائيلية، إلى العمل الهجومي بأن نستهدف مواقع إسرائيلية لأول مرة منذ عام 1973 أو لنقل منذ حرب الاستنزاف وهذا شيء جديد وتحوّل نوعي في مسار الحرب».
وأضاف في هذا الصّدد، «نحن ندرك جيداً أنّ الحرب التي شنت علينا هي خدمة لـ «إسرائيل» وقائد المشروع هو الولايات المتحدة، وأعتقد أنّ من يصفق اليوم ويبارك لـ «إسرائيل» ويقول بأن لديها الحق في الردّ علينا من الخليجيين إنهم في هذا المشروع نفسه. إذاً نحن أمام مشروع يستهدفنا خدمة لـ «إسرائيل»، وبالتالي، ما جرى أول أمس هو عبارة عن تحول نوعي في مسار هذه الحرب».
وفي متابعته لسياق المراحل التي مرّت بها الحرب على سورية، أشار إلى أنّه «نحن أمام المرحلة الثالثة»، واصفاً اللحظة التي قامت فيها القوات السورية بالردّ بـ «اللحظة التاريخية».
وعن وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» في موسكو تزامناً مع شنّ العدوان، أوضح الحسن بأنّ «نتنياهو قام بعدوان استهدف جنود دمشق، وفي الوقت نفسه ذهب إلى موسكو ليحضر العرض العسكري إلى جانب الرئيس بوتين، ليوحي وهو على علاقة طيبة بالرئيس بوتين بطبيعة الحال وأنّ هذا الأمر متفق عليه!»، متابعاً: «لكن الأشدّ والأسوأ والخبث والدهاء السياسي أنه بعد عودته مباشرة حط في مطار بن غوريون في الساعة 11 وأربع دقائق بالضبط ليلاً، وفي الساعة 12:20 دقيقة استهدف مواقعنا وكان الردّ والقرار الحاسم»، مؤكداً بأنّه «لو تأخر هذا الرد المباشر باستهداف المواقع العسكرية الإسرائيلية، بصليات الصواريخ السورية، لما كان له هذا التأثير الموجع».
وأكد الحسن بأنّ «الصواريخ التي استهدفت المواقع العسكرية الإسرائيلية هي من صناعة سورية والقوات السورية هي التي ردّت على العدوان ولا يتقولنّ أحد علينا أن إيران أو الحرس الثوري الإيراني هو من قام بذلك».
وفي المقاربة بين محور المقاومة ومحور مكافحة الإرهاب، قال الحسن: «علينا أن نميز بين محور المقاومة ومحور مكافحة الإرهاب. روسيا هي جزء أساسي وفاعل في مكافحة الإرهاب على الأراضي السورية، بينما نحن في محور المقاومة سورية وإيران وحزب الله والمقاومات الأخرى ، وبالتالي هذا المحور لا يزال مستمراً وهو مشترك مع روسيا في محور مكافحة الإرهاب ومَن يصطفّ معنا من دول العالم سواء أكان سياسياً أي بالموقف السياسي أو الاقتصادي أو ما شابه ذلك، وخاصة في الأمم المتحدة عندما تقف الصين إلى جانب روسيا». ونوّه إلى أنّ «روسيا هي في جاهزية دائمة كدولة عظمى، في محاربة الإرهاب»، مؤكداً أنّ «القرار هو قرار سوري، وفي الوقت نفسه هو قرار محور المقاومة، وكان محور المقاومة مستعداً وما قامت به الدولة السورية لأنّ العدوان وقع على أرضها ومن الطبيعي أن تردّ».
وعن استعداد وجاهزية محور المقاومة للانخراط في حال تطور الموقف، أكد الحسن أنّ «محور المقاومة جاهز للانخراط لو تطور الموقف، لإنه صدر للمقاومة بيان تقول إنها تتابع الموقف عن كثب وباهتمام شديد، وهي جاهزة إن سارت الأمور أو تدحرجت الأمور لأن تستهدف المواقع الإسرائيلية داخل «إسرائيل» بصواريخها »، واصفاً ذلك بـ «الحكمة» وما قامت به الآن هو «عبارة عن عمل محدود وبالتالي أفضى إلى هذه النتيجة».
وعن احتمالات التصعيد نحو المواجهة المباشرة، قال: «لو عدنا إلى تلك الليلة، كنا نقول نحن أمام ثلاثة احتمالات: الاحتمال الأول هو ما جرى ويكتفى به، والاحتمال الثاني أن يتدحرج إلى ردور متبادلة، والاحتمال الثالث هو الذهاب إلى حرب»، معتبراً أنّ «إسرائيل» ستكتفي، لأنها ستدرس ما جرى، وعليها أن تدرس. وهي الدولة التي بالدرجة الأولى يجب أن تستخلص النتائج، كما نستخلص نحن النتائج»، منوّهاً إلى أنّ «إسرائيل» أصدرت بياناً قالت فيه إننا وجهنا رسائل ونكتفي بهذا الأمر حالياً»، واصفاً بيانها بأنه «عبارة عن النزول من الشجرة».
وعن استهداف «إسرائيل» في الجولان المحتل كبداية، قال الباحث الاستراتيجي «إنها فرض لقواعد اشتباك جديدة وكسر خطوط الحمر الإسرائيلية».
وفي الإشارة إلى إمكانية نشوب حرب مباشرة وأن تذهب الصواريخ السورية نحو العمق «الإسرائيلي» قال الحسن: «إنها كانت عبارة عن رسائل متبادلة بينها وبين العدو الإسرائيلي»، متابعاً: «نبدأ بهذه الضربات المحدودة وفي مناطق محددة وعلى أهداف عسكرية. وإذا تطور الموقف العسكري يمكن أن نذهب إلى أبعد من ذلك وتستهدف الداخل الإسرائيلي»، متطرّقاً إلى عام 2006 «كيف قادت المقاومة معارك مع العدو الإسرائيلي؟ أعتقد أنه بالبدء كانت على الحدود اللبنانية الفلسطينية ثم تدرجت في العمق».
في ما يخصّ التعتيم «الإسرائيلي»، أوضح الحسن «أنّ ذلك سيكون مسار بحث ونقاش وهي قد بدأت بالداخل الإسرائيلي، لماذا سيجرنا نتنياهو إلى حرب؟ ولماذا يأخذنا نتنياهو باتجاه التصعيد؟ وهناك آراء تكتب الآن حتى على الجدران أن نتنياهو يغامر من أجل مصلحته الشخصية ومن أجل مستقبله السياسي في أن يجرنا باتجاه الحرب». وأردف بالقول: «هم يدركون ما معنى هذه الحرب. وبالتالي هذا الأمر التعتيم على الخسائر، وما هي الأهداف التي استهدفت هي كي لا يساءَل في الداخل الإسرائيلي، ولكن هذا الأمر وحتى وإن بقي سراً لأيام محدودة والرقابة العسكرية تفرض ذاتها على الإعلام إلا أنها ستكون في الشارع الإسرائيلي في ما بعد».
وعن ردود فعل القيادات «الإسرائيلية» كتصريحات نتنياهو وقيادة «الكابينيت» وقيادة الأركان «الإسرائيلية»، أكد الباحث السوري بأنهم «يكذبون منذ لحظات قالوا شيئاً بأننا وجهنا الرسالة والدرس القاسي لإيران ودمّرنا كل القواعد الإيرانية وبعده قالوا شيئاً آخر إن إيران لديها القدرة على أن تعود وتستهدفنا مجدداً . وبالتالي هذا الأمر يؤكد أن حالة إرباك موجودة في الجانب الإسرائيلي».
وعند سؤاله ما إذا كان هناكت مواجهة إيرانية «إسرائيلية»، على الأرض السورية، قال: «ليس هناك مواجهة إسرائيلية إيرانية على الأرض السورية»، موضحاً أنه «عندما استهدفت «إسرائيل» مطار التيفور وهو مطار سوري على الأرض السورية وذهب ضحايا من الجنود السوريين والأخوة الإيرانيين، وبالتالي من حقنا أن نردّ».
وأشار إلى أنّ «إسرائيل» في ذهنها أننا لن نقوم بهذا الردّ، وهي كانت تهيئ نفسها من خلال التسويق الإعلامي والتشويه لصورة إيران وحول الدور الإيراني في سورية، أن هذا الأمر هو من قبل إيران وكأن الجيش السوري عاجز»، متسائلاً: «ألسنا نخوض حرباً منذ سبع سنوات، وكنا لفترة خمس سنوات وحدنا؟ أليس الجيش السوري هو من حقق الإنجازات حتى الآن؟ إذاً هذا الأمر الآن كما يُقال يُراد أن تكون إيران».
وفي السياق الإيراني، أضاف الحسن: أنهم «يريدون أن يشيطنوا إيران أكثر وخاصة في اللحظة المفصلية الآن المتمثلة في انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، وبالتالي الآن القوات السورية هي التي ردّت. وهذا من حقها وهذه أرضها. والأهداف التي استهدِفت أهداف سورية وبالتالي من حقها الرد في الزمان والمكان اللذين تختارهما بالطريقة التي تشاء».
الأحمد
فيما أشار عضو المكتب السياسي في الحزب السوري القومي الاجتماعي طارق الأحمد إلى أنّ «الرسالة الأولى التي أرادت دمشق ومعها محور المقاومة توجيهها على العدو تتعلق بإعادة قواعد الاشتباك إلى المحور الذي تكون فيه السيادة إلى محور المقاومة»، مؤكداً أنّه «تم تغيير قاعدة الاشتباك هذه بمعنى التسجيل الأول الذي سجل هو أنّ الطائرات الإسرائيلية رغم فداحة الهجوم على المنشآت الإسرائيلية العسكرية، لكنها لم تجرؤ على الدخول في الأجواء السورية، وبالتالي هي أصبحت تحسب حساباً لما يمكن أن يسقط لها من طائرات خاصة بعد إسقاط طائرة أف 16 الإسرائيلية».
من ناحية أخرى، أشار الأحمد إلى «الانتصارات التي يحققها الجيش السوري مع حلفائه على الإرهاب وتنظيف محيط دمشق من المجموعات الإرهابية من الغوطة الشرقية أو من الغوطة الغربية الجنوبية بمعنى الحجر الأسود وما حولها»، موضحاً أنه «أصبح من الضروري جداً الحفاظ على هذا المكتسب الأهم، وأن لا تحاول إسرائيل أن تُعيد خلط الأوراق، وتعيد المسألة إلى سابق عهدها»، مشيراً إلى أنّ «المشاريع الإسرائيلية كانت تتعلق بالجنوب وتتعلّق بدرعا والسويداء وتتعلق بمشروع أميركي من أجل إدامة حالة في الجنوب السوري بعد أن فشلوا في أن تكون هناك أيضاً إعادة هجوم على دمشق، وذلك قبل أن يتمّ تحرير الغوطة الشرقية».
كذلك تطرّق الأحمد إلى موضوع التعتيم الإسرائيلي على نتائج الضربة السورية على المنشآت العسكرية الإسرائيلية، قائلاً «من الطبيعي أن يكون هناك تعتيم، لأن ما جرى غير مسبوق منذ عقود، وهو غير مسبوق حتى في الحرب السورية»، متابعاً: «أنه ولأول مرة يكون هناك استهداف لمراكز عسكرية محددة. هذه المراكز من الواضح أن العديد منها كان يتّسم بأهمية استراتيجية كبيرة، وبعضها له علاقة بالاتصالات وغيره»، معتبراً أنّ «هذا الهجوم كان هو الردّ الذي حضره محور المقاومة، وكان مركزاً محدداً بأهداف ذات معنى. وهذا يعطي البعد الاستخباري الجيد والتحضير الجيد لمحور المقاومة بعداً إضافياً هاماً في عملية التوازن مع العدو بمعنى إمكانية صد العدوان».
استنتاجاً مما أدلى به العميد الحسن والأحمد، نؤكد لا شك أنّ القيادة «الإسرائيلية» متهوّرة لكنها تعرف أيضاً أبعاد هذه الحرب. فالصراع والمواجهة مع إيران سيدخلان قوى الممانعة والمقاومة بحرب شاملة من العراق إلى سورية ولبنان. من هنا سارع نتنياهو للتواصل مع الرئيس الروسي بوتين للقيام بوساطة مع إيران ومنع تدهور الوضع في المنطقة. فالواضح اشتعال الحرب العبثية في المنطقة ليس لصالح العدوان. وتجربة قصف الصواريخ السورية أول أمس دفعت القيادة العسكرية الصهيونية لمطالبة المستوطنين بالدخول إلى الملاجئ والطلب إلى سكان المستوطنات القريبة من الحدود اللبنانية ترك منازلهم واللجوء إلى أماكن آمنة.
كيف ستتحمّل «إسرائيل» الحرب الشاملة، بخاصة إذا بدأت الصواريخ تقصف العمق الفلسطيني بعد فشل القبة الحديدية في مواجهة الصواريخ التي انطلقت من سورية .
الحرب هذه المرّة ليست نزهة للجيش «الإسرائيلي» ولا لطائراته، فالجيش السوري ومعه إيران وقوى المقاومة سيكونون الحدث والقوة. لكن نتنياهو يريد أن يرفع معنويات جنوده وجمهوره، ولكن المعادلة تغيرت وأصبحت المقاومة عامل انتصار وهجوم وليس فقط في موقف الدفاع.
ختاماً، حكومة العدو لن تتمكّن من الدخول في حرب شاملة فهي تعلم النتيجة وما حصل لا يتعدى تكريس قواعد الاشتباك وتعديلها وفق تطور موازين القوى.