بين قبّتَيْن ونصرَيْن ضربات سورية موجعة
سعد الله الخليل
لم يكن تسارع الخط البياني للقدرة السورية على المواجهة العسكرية مع العدو الصهيوني خلال سنوات الحرب على سورية وليد الصدفة، ولا ناجم عن تغيّر في القرار السياسي إنما عن حسابات دقيقة لمعادلات الردع والقوة المضادة للمواجهة، وبناء عليه سارت عمليات التصدّي والمواجهات على الأرض وفي الجو والبحر بناء على قاعدة توزيع القوى وفق الأهمية والقدرات المتاحة، لعدم الوقوع في مغامرات غير محسوبة النتائج تشتت القوى وتضعف من النتائج، خاصة أنّ الرؤية السورية لما تواجهه منذ سنوات واضحة بأن مشروع إسقاطها حرب ضد دول، وليست مواجهة شعب يبحث عن تقرير مصيره وحريته، كما صوّرتها دوائر البروباغندا والقرار الدولي، وسار على نهجها قسم من النخب الفكرية والسياسية العربية والسورية والتي أثبتت التطوّرات صواب الرؤية السورية.
نجحت القيادة السورية خلال السنوات الماضية بترميم ما خرّبته المجموعات الإرهابية المسلحة باستهداف منصات الدفاع الجوي والرادار بصمت وبعيداً عن الأضواء، بالتزامن مع توسيع نطاق سيطرتها على الأرض بتضيق مساحات سيطرة الجماعات الإرهابية المسلحة على الأرض السورية، والتي تقصّدت تدمير البنية التحتية العسكرية بشكل عام والدفاعات الجوية بشكل خاص خدمة للأجندات الدولية المعادية لسورية وعلى رأسها «إسرائيل».
بالرغم من أن إسقاط المضادات الجوية السورية للصواريخ الإسرائيلية لم يكن الأول خلال المواجهة الأخيرة، فقد سبقها تصدٍّ ناجح للعدوان الثلاثي الأميركي الفرنسي البريطاني على جملة مواقع عسكرية سورية، حينها تساقطت صواريخ العدوان بالجملة على أكثر من موقع، لتؤكد أن المضادات الجوية السورية باتت في أقوى حالاتها، فحين تفشل 28 طائرة حربية إسرائيلية من نوع أف 15 وأف 16 شاركت في الإغارة على الأراضي السورية، بإصابة أهدافها المباشرة والتي اختارتها بعناية ودقة وأغلبها، رغم إطلاقها أكثر من 60 صاروخاً، فإنّ ذلك يشكل خيبة عسكرية وهزيمة ميدانية مدوّية لا يمكن تجاهلها، خاصة أن العدوان استهدف بحسب وزارة الدفاع الروسية مواقع تمركز قوات ومنظومات الدفاع الجوي التي أسقطت أكثر من نصف الصواريخ الإسرائيلية. وهذا ما يعيد للأذهان صواريخ ترامب الذكية التي فشلت بالوصول إلى أهدافها خلال العدوان الثلاثي منتصف شهر نيسان الماضي.
سقوط الصواريخ يعتبر نصراً لسورية ونصف هزيمة بالمقابل للمعتدي الذي يبدو أنه اقتنع بمعادلة الردع الجديدة، التي فرضتها سورية منذ سبعينيات القرن الماضي، والتي اهتزّت خلال بداية الأحداث السورية والتي سمحت للعدو الإسرائيلي بالاختراق أكثر من مرة بالأجواء السورية لتنفيذ عمليات اغتيال واستهداف لمراكز حساسة سورية قبل أن تعيد سورية بناء قوتها العسكرية من جديد.
التطور اللافت بسقوط الصواريخ من الأراضي السورية على الأراضي المحتلة، والتي تجاوزت الجولان المحتل لتصل طبريا، فأكثر من خمسين صاروخاً فشلت منظومة القبة الحديدية في اعتراضها، واستهدفت أربعة مجمّعات عسكرية إسرائيلية أساسية في الجولان المحتل، يضمّ كلّ مجمع مراكز عسكرية إسرائيلية أساسية حساسة عدة، بحسب ما اعترفت به وسائل الإعلام العبرية، في أول ردّ سريع على العدوان الإسرائيلي وأمام هذا التطور الخطير لم تستطع السلطات الإسرائيلية، سوى اتهام إيران بالوقوف وراء الرد القوي ولتضطر سلطات الاحتلال لجملة تدابير لملمة السقوط المدوي للقبة الحديدية الصهيونية، التي أنفقت مليارات الدولارات على إنشائها، فكان الردّ القوي تجسيداً للمثل العربي القائل «إن أطعمت أشبع وإن ضربت أوجع» فكانت ضربة المقاومة الموجعة والتي أشبعت غرور العدو الإسرائيلي إيلاماً.
سقوط القبة الحديدية الإسرائيلية بالتزامن مع سقوط إرهابيي «إسرائيل» وأميركا والدول العربية المشاركة في العدوان على الأرض السورية بخسارتها مساحات شاسعة ومراكز قوة وازنة بحجم الغوطة الشرقية والبادية ودير الزور، يمنح نصر سورية قيمة مزدوجة سيكتب مستقبل الصراع في المنطقة ككلّ بما يتعدّى تأثيره حدود الجغرافيا السورية.