مي عريضة… وداعاً
مي عريضة، أو مي الخوري، ليس اسماً عادياً في المجتمع، بل استمدّ حضوره من قوّة وصلابة معبد باخوس التاريخي، بعدما وقفت عريضة شامخة طوال حياتها كأعمدة بعلبك الصامدة، لإعلاء كلمة الفنّ على الحروب. وأصرّت في حياتها على إنجاح مسيرة الفنّ والثقافة في وطن كلبنان.
مسيرتها ستبقى حية كما الآثار الشامخة في بعلبك، فهي السيدة التي تحدّت الكثير من الظروف لإبقاء مهرجانات بعلبك الدولية صامدة، منذ عهد الرئيس كميل شمعون إلى وقت سلّمت فيه الحمل الثقافي ـ الفنّي إلى السيدة نايلة دو فريج ، وبقيت رئيسة فخرية لمهرجانات بعلبك الدولية.
بدأت مسيرة نجاحات هذه السيدة الأنيقة التي تغنّت فيها المجلات العالمية بعدما خطفت الأنظار بأناقتها وجمالها في المحافل الدولية، فتعرّف إليها المصمّم العالمي كريستيان ديور، واختارها لتكون سفيرة لهذه العلامة التجارية في عالم الأناقة، ومن خلال ذلك المنصب أصبحت صديقة لنجوم عالميين كثيرين.
مي عريضة التي ولدت عام 1926، والتي جمعتها علاقة صداقة كبيرة باللبنانية الأولى في ذلك الوقت زلفا كميل شمعون، شكّلت معها نواة أساسية لإطلاق مهرجانات بعلبك الدولية، وذلك بعدما حضرتا معاً عام 1955 عرضاً لفرقة «الكوميديا الفرنسية» التي أتت إلى لبنان، وقدّمت على أدراج معبد باخوس أربع مسرحيات كلاسيكية، وبعد انتهاء الحفل الساحر، شرحت السيدة زلفا للرئيس شمعون جمالية ما شاهدت، فقرّر إنشاء لجنة لإطلاق تلك المهرجانات وكانت عريضة من بين أعضائها، فانطلقت رسمياً بمشوارها مع مهرجانات بعلبك، إلى أن وصلت عام 1973 لتكون رئيسة المهرجانات.
سنوات طويلة من النجاحات شهدت على أبرز العروض التي تم تقديمها على خشبة مسرح بعلبك، وبين آثارها المميزة، إلى أن أتت لعنة الحرب وأوقفت المسيرة الفنّية الراقية. ورغم ذلك، لم تتوقف عريضة عن العمل خلف الكواليس، وحين هدأت أصوات المدافع استأنفت المهرجانات وجمعت على مقاعد المهرجان من فرّقتهم الحرب، وبقيت عريضة رئيسة للجنة التنفيذية للمهرجانات حتى سنوات قليلة حيث سلّمت هذا الحمل الثقيل بتاريخه العريق إلى السيدة نايلة دو فريج، وبقيت عريضة رئيسة فخرية تكريماً لمشوارها الطويل.
في فترة إدارتها المهرجانات استطاعت أن تجمع في القلعة الموسيقية أبرز الأسماء اللبنانية العربية والدولية، فقدّمت السيدة فيروز والرحابنة «أيام الحصاد» صيف عام 1957. على أدراج هيكل جوبيتر مع فيلمون وهبي و زكي ناصيف ووديعة جرار، كما أعادت الأخوين ماهر وفريد الصباغ إلى المسرح المباشر عام 2011 في مسرحية «من أيام صلاح الدين» التي أدّى بطولتها كلّ من عاصي الحلاني وكارين رميا .
توفّيت مي عريضة أول من أمس بعد هذه المسيرة من العمل الدؤوب لإعلاء اسم لبنان عربياً وعالمياً، فنعاها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ووزير الثقافة غطاس الخوري ، وحزنت عليها أدراج معبد باخوس، تلك البقعة من الأرض التي جعلت منها عريضة قبلة للفنّ الراقي.
مي عريضة، ستبقين في الذاكرة، ما دامت أوابد مدينة الشمس تشعّ نوراً وفنّاً وثقافةً.