الترويكا الأوروبية زائد روسيا والصين… بداية قوة جديدة؟
طارق الأحمد
بعد الصفعة التي وجّهها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليس للاتفاق النووي حول برنامج إيران النووي، وإنما للمضمون الذي كان يعبّر عنه دولياً بمصطلح دول 5 + 1 ، كتعبير عن الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن با ضافة إلى ألمانيا، وهي الدولة المهمة اقتصادياً وعسكرياً، حيث يبدو أنّ قوّتها الاقتصادية وقدرتها على التأثير في دول الاتحاد الأوروبي، هي إحدى الملامح الرئيسية في محاولات رسم سياسة العالم الحديث.
وعلى الرغم من أنّ الاتفاق النووي مع إيران كان يشكل بداية لحلّ الأزمات والنزاعات في العالم، الا أنّ دونالد ترامب قام بالانسحاب منه لينهي بذلك أيّ إمكانية لحلّ النزاعات بين الدول العظمى بشكل سلمي، على الرغم من استغراق الاتفاق ثلاث سنوات من التفاوض السياسي والتقني المُضني حتى أبصر النور، ومعه تمّ إيجاد حلّ لواحدة من أبرز المعضلات التي كانت تواجه العالم، والتي لا تتعلق فقط بموضوع امتلاك إيران للقدرة النووية وإنما وضع دول جديدة في العالم على خريطة الدول المتقدّمة.
لكن يبدو واضحاً أنّ الحسابات الأميركية والضغوط المباشرة، التي أعقبت إعلان الرئيس دونالد ترامب بعد الانسحاب عن الاتفاق النووي، وإعلاء الصوت عالياً وكيْل الوعيد والتهديد للشركات والدول الغربية أولاً، بالإضافة إلى الشركات العالمية التي تستمرّ في التعامل مع إيران لم تجد نفعاً، إذ إنّ الميْل الأوروبي، خصوصاً تلك الدول التي باتت تعرف بدول الترويكا الأوروبية ألمانيا، فرنسا، بريطانيا قد ذهبت باتجاه آخر وهو التمسك بالاتفاق النووي الموقّع مع إيران. وبالتالي بات العالم الآن أمام توازن دولي جديد سوف يتمّ تداوله في الصحافة العالمية، وهو يضمّ دول ترويكا + روسيا والصين، ما يشكل بداية بزوغ قوة جديدة تتمتع بمشتركات اقتصادية ومصلحية تمنع انزلاق العالم وراء السياسات المتهوّرة للولايات المتحدة الأميركية الساعية ليس فقط الى ضرب الاتفاق النووي الإيراني، وإنما الى ضرب اتفاقات عديدة كانت الولايات المتحدة الأميركية قد وقعت عليها على مضض، مثل اتفاقية المناخ أو اتفاقات أخرى قد تتعلق بعضها ببعض منظمات الأمم المتحدة مثل قرار الانسحاب من اليونسكو بذريعة أنها معادية لـ«إسرائيل»، ووقف تمويلها لمنظمة الأونروا غاثة الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم. فهذا الميْل الأميركي نحو ضرب بعض المكتسبات التي تمّ تحقيقها خلال العقود الماضية، رسالة تريد الولايات المتحدة الأميركية القول من خلالها إنها هي التي تقوم بعقد الصفقات والاتفاقات وعلى الشركاء الأوروبيين أن يكونوا في موقع التابع لها.
بناء على ما سبق نجد أنّ رابطاً يتعلق بالمصالح العليا للدول والأمم وليس بمصالح آنية صغيرة أو أهواء أو رغبات، قد بدأ يجمع بين دول الترويكا الأوروبية بالإضافة إلى روسيا والصين، والتي تقود إلى تشابك جملة من المصالح بين البرّ الأوراسي الذي يمتدّ من الصين إلى روسيا اللتين تشكلان القسم الأكبر من المساحة في قارة آسيا، إلى أوروبا التي تشكل الترويكا الأوروبية فيها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، الثقل الضخم والكبير، وبالتالي فإنّ جملة التشابكات المصلحية بين هذه الدول سينتج عنها مركز نفوذ دولي جديد له مقوّماته السياسية والاقتصادية، بمواجهة المحور الأميركي الإسرائيلي، ما يرسم مشهداً جديداً للسياسة الدولية التي باتت خارج القبضة الأميركية.
ربما لا يزال من المبكر الحديث عن دور هذا التحالف الدولي الجديد، والذي لن يكون على غرار دول «بريكس» الذي هو عبارة عن تجمع اقتصادي خالص، لكن الثابت حتى الآن أننا نستطيع أن نتحدث عن جملة أساسية من المشتركات المصلحية بين دول الترويكا الأوروبية زائد روسيا والصين والتي يمكن أن تؤسّس لواقع سياسي مستقبلي جديد، ربما يكون ما نشهده من تفاصيل لحماية الاتفاق النووي مع إيران هو نموذج لهذه الصيغة الدولية الجديدة، والتي قد تنسحب على قضايا وملفات أخرى هامة وأساسية في العالم، كالأزمة السورية أو الحرب على اليمن.
عضو المكتب السياسي للحزب السوري القومي الاجتماعي