مَنْ نحن؟
د.رندة شاهين – دمشق
سؤال مُلحّ وضروري، عندما نستطيع الإجابة عليه نستطيع تحدّد ماهية هويتنا التي نبحث عنها… وهذا السؤال الديناميكي يتغيّر باستمرار، وتتمدّد حدوده وتتقلّص حسب المتغيّرات الدقيقة غير القابلة للملاحظة أو القياس، الهدف منه كشف الهويات المنغلقة على ذاتها، والهويات المصطنعة والمزيفة، خصوصاً تلك التي نَمَت بسبب الاستعمار، أمام غياب وعي تاريخي بالذاكرة، ومراوغة القائمين على سياسات الذاكرة من خلال التنكّر للهوية الأصلية.
فالذاكرة هي من العوامل المُحدّدة للهوية الثقافية والتاريخية، لهذا نشأ الصراع في تفتيت الدول وتجزئتها وتحريف الماضي، وعدم كتابة التاريخ بموضوعية. هذا ما يحصل عند انتقالنا من الذاكرة التاريخية إلى الذاكرة الاحتفالية، التي تُخلّد الحدث رغم تفاهته لبسط الهيمنة والسيطرة.
وفي سياق الذاكرة والهوية.. علينا أن نتذكّر أننا اعتمدنا على مفهوم السوق اللغوية، ذلك المصطلح الذي نحته بيير برديو والذي يعني اختيار اللغة التي يعتمد عليها المجتمع ، حيث كان الاهتمام والعناية باللغة العربية أكثر من باقي اللغات الأصلية واللهجات والتعبيرات، وكان ذلك من أجل تكريس السلطة وبسط الهيمنة… والسوق اللغوية بمعنىً من المعاني مرتبطة بالسوق التاريخية، السوق التي تحدّدها سياسات الذاكرة، وهو ما أدّى إلى صراع وجودي عميق بين ذاكرة رسمية، مركزية ومكتوبة، وذاكرة شعبية هامشية وشفهية، ولا سبيل للتصالح إلا بالحقيقة التاريخية حتى يتسنّى لنا تحقيق بناء دولة قوية ديمقراطية… ولذلك علينا تصحيح أعطاب الذاكرة، ليس من أجل الإقامة في الماضي، أي الرجوع إلى الماضي في حدّ ذاته، بل من أجل كسب رهان الحاضر.. وبناء المستقبل…
ومن أجل تحديد هويتنا علينا أن نحدّد إلى أيّ تاريخ ننتمي ووفق أيّ ذاكرة سنعمل.. إننا كسوريين لدينا تاريخ وحضارة وأساطير.. ومن الواجب علينا أن نعرف ماضينا وحقيقتنا ونستخلص منها النصوص التاريخية الكاذبة والمزيّفة، كي نحدّد هويتنا الوطنية… وكي نعود ونبني سوريتنا، علينا العمل لإقامة مجتمع المعرفة الذي يحلّل ويناقش ويردّ الحجة بالحجة والدليل بالدليل، واعتبار الإنسان كائناً يعي نفسه بالزمان والمكان، ونؤكد على الحق في الحقيقة…
وعندما يصبح تأثير الماضي الحقيقي لسوريتنا في الحاضر، تأثيراً قوياً… يؤدّي ذلك إلى هدم كلّ مزيّف وباطل ومحرّف… وبذلك نكون قد انتصرنا للحقيقة التاريخية التي تتحكّم بحاضرنا… ومستقبلنا…