البحث جار… عن فرص عمل
د. لمياء عاصي
تعتبر البطالة من أهمّ المؤشرات الرئيسية المستخدمة لقياس درجة قوة وتعافي الاقتصاد في أي دولة، نظراً لأهمية الدور الذي تلعبه فرص العمل في تحريك عجلة الاقتصاد، من خلال رفع القدرة الشرائية لعموم المستهلكين وزيادة الطلب الكلي بما يحفز العمليات الإنتاجية، وتحسب نسبة البطالة، بقسمة عدد العاطلين من العمل إلى مجموع الأفراد القادرين والباحثين عن العمل ويشكلون قوة العمل، وقد عرف الاقتصاديون أنواعاً كثيرة للبطالة وأهمها، البطالة الهيكلية، وهي الناجمة عن نمو بعض القطاعات وركود بعضها الآخر، البطالة الاحتكاكية، الطبيعية، الموسمية، الإقليمية وأنواع أخرى،
يتحرك مؤشر البطالة عادة، ارتفاعاً وانخفاضاً تبعاً لازدهار أو ركود القطاعات الاقتصادية في البلد، ولكن في ظروف الحرب الاستثنائية التي تخوضها سورية، ارتبطت قضية البطالة بمجمل الظروف والسياسات الاقتصادية الحكومية التي فرضتها الحرب وسببت المزيد من الركود والانكماش الاقتصادي ومنها، أولاً: تخفيض الإنفاق العام وخصوصاً الاستثماري منه، ثانياً: وقف القروض الإنتاجية والاستثمارية من المصارف العامة حتى التي جرى استجرار قسم منها، ثالثاً: خروج الرساميل ورجال الأعمال من سورية كنتيجة لتردي الوضع الأمني بالإضافة إلى العقوبات الدولية، المعوقات الأمنية والعمليات الإرهابية على المصانع والمنشآت، وتعرض خطوط النقل للانقطاع والمخاطر الأمنية، في سورية قبل الأزمة، بلغت نسبة البطالة 14 في المئة، نتيجة تغيير في سياسات الدولة التشغيلية والحد من التوظيف في القطاع العام، وسياسات التحرير التجاري التي سبّبت الإقفال للمعامل الصغيرة والورش الحرفية، وعدم قدرة القطاع الخاص بحجمه الصغير من امتصاص كل القادمين إلى سوق العمل المقدر عددهم بــ 200 ألف باحث عن فرصة عمل سنوياً، وبحسب المكتب المركزي للإحصاء فإن المعدل العام للبطالة وصل إلى 14,9 في المئة عام 2011، أما بطالة الشباب بين 15-24 سنة، فبلغت النسبة 35,6 في المئة، أما في عام 2012 فقد بلغت النسبة 39 في المئة، في حين وصلت في عام 2014 في بعض المحافظات إلى ما يزيد على الـ 60 في المئة، والخيارات محدودة، إما بالهجرة، أو الانضمام إلى المجموعات المسلحة والإرهابية. ومن الجدير بالذكر، أن الكثير من المنخرطين بالأعمال الإرهابية قدموا إليها مدفوعين بعوامل الفقر والبطالة وفق تقرير نشرته قناةCNN .
في سياق الحديث عن البطالة، لا بد من الإشارة إلى أن الموازنات الحكومية التقشفية، لا يكون تأثيرها إيجابياً على خلق فرص العمل. الاقتصادي جون مينارد كينز، يقول، أنه لمعالجة الأزمات الاقتصادية لا بد من دور تدخلي للدولة من خلال موازنة توسعية، وأن عجز الموازنة العامة للدولة يمكن معالجته من خلال معالجة مشكلة البطالة، ومع أن النظريات الاقتصادية لا تختلف حول أسباب البطالة، ولكنها متباينة بالنسبة للمقترحات التي تقدمها للخروج منها، فبينما تدعو المدرسة الكينزية إلى تدخل الدولة والتأثير في سوق العمل من خلال تمويل خلق فرص العمل بشكل قسري ومتعمد، فإن مدارس أخرى تؤكد أنه لدى السوق آليات جيدة وكافية لمعالجة موضوع البطالة، والمتابعين للسياسات الحكومية للبلدان التي تأثرت اقتصادياتها بفعل الأزمة المالية العالمية لعام 2008، يجد أنها استندت في حلولها على إقرار حزم تحفيزية قائمة على إطلاق المشاريع الكبرى التي تخلق فرص العمل.
من المعروف، أنه في الأزمات الاقتصادية، لا يمكن تطوير وهندسة حزم إجراءات خاصة لتنشيط سوق العمل بشكل منفصل عن سياسات التعافي الاقتصادي الشاملة، وفي سورية، وعلى رغم ظروف الحرب والأوضاع الأمنية الصعبة، يمكن تلخيص أهم السياسات المقترحة التي تؤدي لزيادة فرص العمل كما يلي:
تمكين الإنتاج المحلي الصناعي، الحرفي، الخدمي، الزراعي وتعزيز قدرته على المنافسة على الصعيد المحلي والخارجي من خلال تقديم التسهيلات والمزايا للشركات المحلية، وأولها، تأمين المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج، وربط التسهيلات المصرفية والاقتراض والتمويل بالعمليات الإنتاجية وعدد العمال.
تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، نظراً للدور الهام الذي تلعبه في تأمين الوظائف، ومنحها التراخيص التسهيلات الإدارية لإقامة الأعمال سواء في القاعدة الإنتاجية أو الخدمية، ومساعدتها على الوصول إلى رأس المال المطلوب، للإقلاع بمشاريعها الصغيرة.
ضمان المنافسة ومنع الاحتكار لتأمين مساواة المواطنين أمام الفرص الاقتصادية.
إنشاء حاضنات الأعمال الافتراضية، التي تستند فكرتها، إلى تقديم تسهيلات استثنائية لبعض المهن الفكرية والقائمة على المواهب العلمية والذهنية الذاتية، لرواد الأعمال ومنحهم الحق بالقيام بأعمالهم بموجب سجل تجاري موقت، لا يحتاج إلى مقر تجاري لمزاولة الأعمال ومعفى من الضريبة لثلاث سنوات تجدد سنتين، هذا يساعد على اختصار الكلفة العالية التي لا يقدر عليها الشباب عادة، ويقدم لهم التدريب والإشراف على أعمالهم ومساعدتهم في التسويق والارتقاء بالمقاييس والجودة، وبعد خمس سنوات بعدها ينتقل رواد الأعمال إلى الحياة المهنية العادية من حيث الشروط والخضوع للضريبة والأنظمة والقوانين.
وهذه المهام الآنفة الذكر، يجب أن تقوم بها الحكومة خصوصاً الوزارات الاقتصادية مع السلطة النقدية، أما وزارة العمل، فإن عملها الرئيسي هو التأكد من تطبيق قانون العمل، ومراقبة التشريعات والإجراءات والسياسات التي تؤثر سلباً في فرص التشغيل للعمال المحليين، إضافة لتحسين قدرة الباحثين عن عمل من خلال تنفيذ برامج التدريب والتأهيل.
أخيراً لا بد من القول، إنّ للبطالة علاقة وثيقة بمؤشر البؤس الاقتصادي الذي يحسب بجمع نسبتي البطالة والتضخم مضافاً إليهما معدل الفائدة على الإقراض في البنوك في دولة معينة، هذا المؤشر الذي يمكن من خلاله قياس رفاه أو فقر المجتمعات والدول، وعلى رغم ترابط وتداخل العوامل الثلاثة، البطالة، التضخم، معد الفائدة، فإن عامل البطالة من أسوأ مكوناته وأكثرها وزناً، لأنها تأثيراتها خطيرة وتتعدى الجوانب اقتصادية إلى الحياة الاجتماعية.
وزيرة سابقة في سورية