هل انقلب سحر الانسحاب من النووي على الساحر ترامب؟
حميدي العبدالله
أعلنت طهران عن التوصل إلى اتفاق مع الدول الأوروبية الثلاث الموقعّة على الاتفاق النووي، وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا، يقضي بالحصول على ضمانات أن تستمرّ الواردات النفطية الإيرانية والتعاملات المالية بعيداً عن التأثر بالعقوبات الأميركية، ومعروف أنّ هذه هي أهمّ المزايا التي حصلت عليها إيران مقابل التزامها بالحفاظ على الاتفاق وعدم الانسحاب منه ردّاً على الانسحاب الأميركي. وهذا يعني أنّ الدول الأوروبية لم ترضخ، على الأقلّ حتى الآن، للضغوط الأميركية، ولم تقرّر أنّ شرط استمرارها الالتزام بالاتفاق الاستجابة للمطالب الأميركية.
ومما لا شكّ فيه أنّ هذه التفاهمات الأوروبية الإيرانية، مضافاً إليها التزام روسيا والصين، تساعد على صمود الاتفاق وتحوّل الانسحاب الأحادي الأميركي منه إلى مأزق للولايات المتحدة، بتداعياته الاقتصادية والسياسية، وليس ضغطاً فعّالاً على إيران كما راهنت كلُّ من واشنطن وتل أبيب والرياض، وهي الدول التي تسعى لمواجهة إيران.
هذه الخلاصة أكدتها صحيفتا «واشنطن بوست» و»بلومبيرغ» في مقال نشره الكاتب جنيفر روبن في الدوريتين الأميركيتين، حيث أكد حرفياً «بدلاً من تعاون وعمل الولايات المتحدة وشركائها معاً للضغط على إيران»، ينقل عن دنيس روس المسؤول السابق في الخارجية الأميركية ونصير «إسرائيل» الدائم قوله إنّ «خطراً وإمكانية حقيقية جداً لعدم امتلاك الولايات المتحدة لشركاء ينضمّون إليها في الضغط على الإيرانيين على نحو يمكن أن يغيّر سلوكهم ويعيدهم إلى طاولة المفاوضات من أجل معالجة المشاكل التي يريد ترامب معالجتها». ويضيف روبن مثنياً على استنتاجات دينس روس في مقاله الذي نشره في أهمّ الدوريات الأميركية، وهي دورية «فورين بوليسي»، التي تؤثر على رأي صانعي القرار في واشنطن، «يبدو ذلك هو واقع الحال قطعاً في وقت نرى فيه الاتحاد الأوروبي الآن يسارع إلى حماية إيران من العقوبات الأميركية، وبدلاً من زيادة الضغط على إيران وجعلها تقوم بمعالجة بعض المواد التي حدّدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أخذ الاتحاد الأوروبي ينظر الآن إلى الوسائل المادية التي يمكن أن تكون في غير متناول سلطات واشنطن، إحدى الوكالات التي ستطبّق القانون الأوروبي ضدّ الشركات الموجودة في الخارج، ضمن ردّ بالمثل على إجراءات تتخذها واشنطن ضدّ الشركات غير الأميركية».
واضح أنّ ترامب عندما قام بالانسحاب من الاتفاق النووي لم يأخذ بعين الاعتبار تغيّر الظروف، ومن أبرز التغييرات عدم قبول روسيا والصين مسايرة الولايات المتحدة في السماح لمجلس الأمن باتخاذ عقوبات ضدّ إيران بسبب انسحاب واشنطن من الاتفاق وبسبب تدهور علاقات واشنطن مع موسكو وبكين على خلفيات سياسية واقتصادية، ولم يأخذ بعين الاعتبار أنّ أوروبا لن تسايره أيضاً وهو الذي فرض العقوبات على صادراتها للولايات المتحدة من الحديد والصلب، إضافةً إلى انفراده بالانسحاب من الاتفاق النووي وتوجيه التهديدات لأوروبا.