«آداب التصرّف»… كتاباً لليلى شمس الدين بصمة تستدعي المتابعة والقراءة بتمعّن

عبير حمدان

ليس من السهل تناول إصدار يضمّ باقة من آداب التصرّف بأسلوب متقن ومدروس. إذ إنّ الكتابة في هذا الإطار مسؤولية تتخطّى مفهوم الإضاءة على تجربة غنّية تستند صاحبتها الدكتورة ليلى شمس الدين إلى العلم والوعي والإيمان والمقدرة على التفاعل مع مجتمع يحكمه الاستهلاك الذي يؤدّي إلى تشويه القيم كلّما حاصره التطوّر وجرّده من مفاهيمه وخصوصيته.

ويتجلّى المقصد في الإهداء حيث تتوجّه شمس الدين إلى كل مهتمّ، صغيراً كان أم كبيراً، بتحصيل المعرفة التي تحملنا إلى فتح علاقات إنسانية مبنيّة على الاحترام المتبادل، حيث لكلّ فرد خصوصيته مهما كان موقعه في الحياة.

تعرض شمس الدين في مقدّمة كتابها التفاصيل التي تحكم العلاقات الإنسانية المبنيّة على الاحترام المتبادل بين البشر مهما اختلفت انتماءاتهم أو أعراقهم. وتشير إلى المظهر العام للفرد بدءاً بأسلوب الحديث والجلوس واللباس، وحتى طريقة مشيته، ما يساهم في تكوين السحر الخاص بشخصيته. لتخلص إلى قدرة الفرد على التصرّف بمرونة وصفاء ذهن في كلّ موقف من المواقف، ما يبعده عن الارتباك أو الاضطراب أو إزعاج الآخرين.

تعرّف شمس الدين «الإتيكيت» لناحية المصطلح والمعنى، مشيرة إلى أنه المرآة التي تعكس ما نحمله من رقيّ وأخلاق وإحساس مرهف. ويبقى الفرق بين من يتمسك بها كجزء من شخصيته، ومن يرمي بها عرض الحائط. مؤكّدة أنّ آداب التصرّف لدى كلّ شخص منّا عبارة عن أسلوب ذاتي يحصد إعجاب الآخرين واحترامهم.

وتعود الكاتبة إلى أصل الكلمة حيث يرجّح البعض أنّ الدول الأوروبية هي من أوجدت «الإتيكيت» ووضعت لها أصولها وقواعدها، إلا أنّ شمس الدين رأت في بحثها أنّ لكل مجتمع آدابه وعاداته وتقاليده التي لا يجوز خرقها تحت أيّ مسمّى. وربطت بين خصوصية المجتمع وسلوكيات أفراده، ولم تغفل أن هناك مشتركات عامة بين المجتمعات كافة.

تتناول شمس الدين «آداب المحادثة والاستماع» حيث تؤكد أن المحادثة فنّ في حدّ ذاتها، ولها أسرارها التي تبدأ بمعرفة الشخص الذي نحادثه ونناقشه، مع أهمية معرفة المواضيع التي تهمّه، وضرورة الاطّلاع على الأمور اليومية المتّصلة بالنقاش كي يأتي طبيعياً.

من هنا، تدعونا شمس الدين إلى الهدوء والوعي والاستناد إلى الثقافة والعلم والتلقائية في أسلوب الحوار مع أهمية الإبتعاد عن «الأنا» واعتماد الصدق في القول.

وفي ما يتصل بالنقد، تلفت إلى أنّ الحرص صفة لا يمكن فصلها عن أيّ نقد.

وكما أنّ المحادثة فّن، فكذلك هو الاستماع، من هنا تشير شمس الدين إلى القواعد التي تحكم محادثة اللقاء الأول والتي تبدأ بفنّ الإنصات إلى الآخرين باهتمام، وترك الفرصة لهم للتحدّث. لا بل أكثر من ذلك، إشعارهم بأهميتهم، وفي ذلك قيمة مضافة.

تضيء الكاتبة على آداب المواعيد والزيارات وضرورة إاترام المواعيد، معتبرةً أن أسوأ العادات عدم تحديد موعد واضح للزيارة سواء كانت زيارة عمل أو غير ذلك. مشيرة إلى أن الإلتزام بالمواعيد ليس حكراً على الضيف بل أيضاً على المضيف. وتشير شمس الدين إلى أنّ الزيارة بلا موعد من صفات الثقلاء، إلا إذا كانت في الأعياد ونحوها. وفي المقابل يجب أن تكون هناك أصول في دعوة الضيوف مهما كانت مناسبة الدعوة وظروفها ومكانها ووقتها، حيث يتوجب على المضيف دعوة ضيوفه قبل أسبوع على أقلّ تقدير وإعلامهم بطبيعة المناسبة والتأكيد على حضورهم مع مراعاة عامل المعرفة والانسجام بين الضيوف، إذا كان ينوي دعوة أكثر من شخص.

واللافت في الكتاب الحيّز الذي تناولت فيه شمس الدين «آداب الطريق والقيادة والهاتف» في زمن صار التطوّر يتحكم بتفاصيل الحياة ويسيطر على الجيل الشاب الذي يلتصق أكثر بهاتفه النقّال على حساب التواصل المباشر مع العائلة والأصدقاء حيث تشير شمس الدين الى ضرورة اعتماد اللطف والنبرة الهادئة حين يتم التواصل عبر الهاتف، إذ إن الصوت والأسلوب ينوبان عن تعابير الوجه.

وتحضر الشخصية المغنطيسية في الكتاب حيث تعرّفنا شمس الدين إلى أهم سماتها وقدرتها على جذب الآخرين إليها من خلال فهمها المحيطين بها وعدم بوحها بالمتاعب الخاصّة، إضافة إلى صفتَي التواضع والتفاؤل اللتين تجعلان من أيّ شخصية محبّبة لدى الجميع.

كثيرة هي المحاور التي تناولتها الدكتورة ليلى شمس الدين في بحثها، ولكلّ محور تفاصيله وأصوله. ولعلّها طبعت بصمتها في بداية طريق أكاديمي واجتماعي طويل ويستحقّ المتابعة والتفكّر وحتمية القراءة بتمعّن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى