محاور الاستراتيجية المشتركة الأميركية ـ «الإسرائيلية» في سورية
حميدي العبدالله
الاطّلاع على ما يُكتب وما يُنشر من توصيات تُعدّها مراكز الأبحاث الأميركية وتُقدّمها لصانعي القرار في الولايات المتحدة، وما تنشره وسائل إعلام إسرائيلية، تمكّن من التعرّف بدقة ووضوح على طبيعة الاستراتيجية المشتركة الأميركية «الإسرائيلية» في سورية تحت دعوى مواجهة النفوذ الإيراني ونفوذ حزب الله في سورية، والحؤول دون حدوث اختلال استراتيجي في معادلات الصراع.
يعتقد كلّ الذين حللوا الأوضاع في سورية في مرحلتها الجديدة بعد الانتصارات التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه، أنّ الوضع في سورية بات صعباً ومعقّداً بعد فشل الوكلاء الإرهابيين في تحقيق ما كانت تصبو وتسعى إليه الاستراتيجية الأميركية الإسرائيلية المشتركة في سورية، والتي كانت تعمل في إطار الحدّ الأعلى وهو إسقاط النظام في سورية واستبداله بنظامٍ موال لـ»إسرائيل» والولايات المتحدة. أما هدف الحدّ الأدنى فهو استمرار عملية الاستنزاف فترة طويلة والحؤول دون قدرة الدولة السورية وحلفائها على فرض النظام والأمن وتحقيق الاستقرار في سورية.
اتّضح في ضوء مكاسب وانتصارات الجيش السوري وحلفائه أنّ الهدفين لم يتحققا، وسورية تقترب من إعادة الأمن والاستقرار إلى كلّ أراضيها بعد أن نجحت في الوصول إلى ذلك في المناطق الأكثر حيويةً، والتي تضمّ غالبية سكان سورية ومعظم ثرواتها ومواردها الاقتصادية، وباتت المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية عبئاً مزدوجاً على محتليها الأميركيين والأتراك، مثلما أنّ معركة تحريرها هي عبء على الدولة السورية وحلفائها.
في ضوء هذا الواقع تغيّر تقييم الأميركيين والإسرائيليين، ومراكز الأبحاث الغربية والإسرائيلية وتوصياتها، ولذلك يتمّ التسليم اليوم بحقيقة أنّ «من الواجب الاستعداد لصراع طويل ومركّب في الساحة السورية بما فيها حصول منعطفات غير متوقعة»، هذا ما صرّح به «أوفير هعبري»، نائب رئيس معهد «هرتسل»، الذي أضاف تعليقاً على ما تحقق بعد اعتداءات طيران العدو في سورية «النجاحات التكتيكية الكبيرة لسلاح الجو الإسرائيلي في تدمير جزء من مراكز الوجود الإيراني في سورية هي تعبير عن فشل استراتيجي». ويوضح ما الذي قصده بالفشل الاستراتيجي قائلاً «إنّ الاستهداف الإسرائيلي دليل واضح على أنّ التحدّيات التي تشكّلها إيران تبلورت وتثبّتت في سورية». وفي ضوء هذا الواقع فإنّ اقتراحات مراكز الأبحاث الإسرائيلية والأميركية، ولا سيما المرتبطة بـإسرائيل»، توصي باعتماد استراتيجية تقوم على ثلاثة عناصر أساسية:
ـ العنصر الأول، عدم انسحاب الولايات المتحدة من سورية، ولهذا قوبلت تصريحات ترامب عن الانسحاب باستهجان وحتى ذعر، وسوف تسعى تل أبيب لممارسة تأثيرها من أجل «تجنيد الولايات المتحدة للتفاهم والعمل في سورية لمصلحة مشتركة».
ـ العنصر الثاني، السعي لترسيخ وجود الاحتلال الإسرائيلي للجولان في مواجهة قلق تل أبيب من فتح سورية جبهة تحرير الجولان بمساندة حزب الله وإيران، ومنذ فترة طويلة تربط تل أبيب أيّ تسوية سياسية في سورية بصفقة تشمل الجولان وتقلل من هيمنة «إسرائيل» عليها، ولهذا يشدّد هعبري على القول من «المهمّ الإيضاح من جديد حيوية الجولان لأمن إسرائيل».
ـ المحور الثالث، العمل على تقسيم سورية، ولكن هذه المرة عبر استثمار وتوظيف الورقة الكردية في العراق، ويوصي هعبري ومراكز أبحاث أميركية أخرى بأنه «ينبغي بذل الجهود لتقدير قوة الإقليم الكردي في شمال العراق، الذي يشكّل حاجزاً أمام سيطرة إيرانية كاملة على سورية».