دمشق وريفها تحرّرا وعاد الأمان… ماذا بعد؟
محمد ح. الحاج
كان صعباً حتى على المنجّمين معرفة أين ستسقط القذيفة العمياء ومن، وكم ستحصد؟
كانت مغامرة أن تتجوّل في دمشق لإتمام أعمالك وتوفير حاجاتك الضرورية، وكنت تشعر بالقلق والخوف، وفي سرّك تقول: يا رب نجّنا من التجربة والرعب.
كان هذا الحال واستمراره مطلباً أميركياً ردّ عليه السوريون بمزيد من الصمود.
الحجر الأسود الذي سيطرت عليه العصائب والقلوب السوداء سنين طويلة، كان مهر إنقاذه غالياً جداً، كثافة هائلة في الكتل الإسمنتية، وأزقة وممرات ضيّقة وسنوات من التحصينات، كلّ ذلك لم يقف في وجه الجيش الذي كان مقداماً وضحّى أبناؤه بالكثير من الدماء، ردّ كثيرون منهم وديعة الأمة، وسقى بعضهم تراب الوطن من نزف جراحه، كان هدفهم تخليص العاصمة من وباء القصف العشوائي ووقف إزهاق الأنفس البريئة وبينها النساء والأطفال والشيوخ، الجيش كان يستهدف أوكار عصابات داعش والنصرة، وهؤلاء يقصفون الأحياء الآهلة بالمدنيين معبّرين عن حقدهم على شعب لم يتنازل ولم يخذل قيادته التي لم تتزحزح عن موقفها المواجه للصهيو ماسونية الأميركية وإملاءاتها المرفوضة رغم إشهارها سلاح المواجهة أصالة بعد فشل حربها وكالة.
صبر أهل دمشق على المحنة، لم يخيّب أملهم لثقتهم المطلقة بقدرة جيشهم على هزيمة العدو الحاقد، الذي كان يقاتل وكالة عن يهود الداخل والخارج والأعراب العملاء الذين نذروا أنفسهم حماة للكيان الصهيوني وقد حان الوقت للكشف عن حقيقة مواقفهم على الملأ وممارستهم الضغوط على المنطقة بدءاً من الفلسطينيين لتصفية القضية تحت شعار الصفقة الكبرى مع أنّ الشعار الأول «الشرق الأوسط الكبير أو الجديد» لم يتحقق ولم يصب من النجاح إلا القليل بسبب الفشل الذي قادتهم دمشق إلى أبوابه بصلابة وذكاء قيادتها وبطولة جيشها.
حجرنا الأسود صار موضع القداسة، ليفرض على الناس الحجّ إلى دمشق وحجرها الأصيل، هذا الحجر الذي زاره الرسول وبقربه يقع أثر القدم الذي سمّي الحي باسمه، هنا القداسة على أبواب دمشق الجنوبية وإلى هنا سيحجّ العرب والأعراب في المستقبل القريب طلباً للصفح والتقرّب من بركة أثر قدم الرسول الذي كفروا به.
سقطت ورقة تهديد العاصمة وكانت هي جوكر اللعبة الدولية، وصار السؤال ما سيكون موقف الأطراف المهزومة وهل هناك أوراق احتياطية؟ الجواب نعم.
الأميركي لا يراهن على ورقة واحدة، في كل ألعابه يحتفظ بأوراق وخطط احتياطية يلقي بها في الوقت المناسب من وجهة نظره، وبما أن ورقة تهديد العاصمة سقطت ما هي الورقة الجديدة في اللعبة القادمة، ونعلم أنه الأميركي موجود في منطقة التنف، وفي الشمال الشرقي السوري وهو أيضا موجود بالوكالة في الجنوب والغرب من محافظة درعا، هناك الأردني والصهيوني وأدواتهم، وبالفعل تحرك الأردني يبحث عن ضمانات لبقاء الجنوب هادئاً حسب زعمه مستبقاً حركة الجيش السوري المتوقعة كخطوة قادمة الأرجح أن تكون باتجاه درعا ومحيطها، وأيضاً الركبان والتنف لاستهداف بقايا داعش التي نقلها الأميركي ويحتفظ بها لمعركة جانبية وإطالة زمن الحرب ما أمكنه قبل التوجه شمالاً ونعلم أنّ لعبة الزمن تساعد على ترسيخ الوجودين الأميركي والتركي حيث هما، ولا أحسن الظنّ بأيّ منهما فهما ينسقان خطواتهما من تحت الطاولة.
لم يقتصر الأمر على الجانب الأميركي، إذ نلاحظ حركة فرنسية، زيادة عديد للقوات وتوسيع رقعة انتشارها في سياق ما يدعى التحالف الغربي الذي فرض وجوده بالقوة خلافاً للعرف والقانون الدولي، ولا يستبعد أيّ من المراقبين والمحللين أن يوضع في الميزان انسحاب التحالف الغربي مقابل انسحاب إيراني كامل وجزئي للوجود الروسي الذي لا يضايق العدو الصهيوني، وهذا الأمر ليس سراً، بل هو مطلب صهيوني تلتزم به الإدارة الأميركية وقد لا تعارض روسيا في فرض هذا الانسحاب إذا ما حصلت على وعد بانسحاب مقابل للتحالف الغربي.
بعد تصفية عصابات النصرة وداعش في المنطقة الوسطى ريفي حمص وحماه المتصلين أصبح الطريق الدولي من دمشق إلى شمال حماه آمناً وتحت حماية الدولة، جيشاً وأمنً داخلياً، ولو فرضنا عدم رغبة الدولة في فتح الطريق الدولي باتجاه الأردن، معنى ذلك أن تصبح الأولوية هي فتح الطريق الدولي بين حماه وحلب عبر ريف إدلب الشرقي، وهناك نقاط مراقبة تركية في أكثر من موقع على هذا المحور، هي ليست وحدات شرطة عسكرية بل وحدات عسكرية مقاتلة، وفي حال قرّر الجيش السوري فتح الطريق ووضعه في الخدمة تحت حمايته، لا بدّ من انسحاب الوحدات التركية من شمال مورك، وخان شيخون والمعرة وموقع البحوث ايكاردا .. أو الصدام مع الجيش السوري إلا أن يكون الاتفاق ما بين الأطراف الثلاثة الضامنة في سوتشي وأستانة يتضمّن الانسحاب بشكل سلمي عند الطلب والابتعاد عن مواجهة الجيش السوري الذي من حقه وواجبه فتح الطرق الدولية وفرض حمايته عليها واستعادة الحركة الطبيعية بين المدن السورية.
في إدلب تجمّعت كلّ حثالات العالم، من الداخل السوري ومن مختلف مناطق المعمورة، عصابات المرتزقة من أنحاء كثيرة في العالم إضافة لقوى عسكرية نظامية، تركية، أميركية، فرنسية، بريطانية إلخ… وهي قوى دخلت الأرض السورية متجاوزة سيادة الدولة في خرق فاضح للقوانين والقرارات الدولية، فهل تشكل هذه القوى جدار حماية للعصابات وتمنع الجيش السوري من استعادة هذه المحافظة والقضاء على الإرهاب فيها لتستعيد أمنها وأمانها ودورة الحياة الطبيعية؟
الأيام القليلة المقبلة تشكل فترة استراحة المحارب للجيش السوري قبل الانتقال إلى جبهة جديدة تقرّرها القيادة طبقاً لأولوياتها، وقد يمكن التوقع في حال بدأ الحشد والتجمع والتحضير لمعركة لا بدّ آتية.
قدر سورية أن تنتصر، وقدر السوريون تصنعه الزنود السمر والجباه العالية… حماة الديار.