واشنطن: حصان الأمن يجرّ عربة السياسة في لبنان = قهوجي رئيساً؟
خاص «البناء» ـ يوسف المصري
مع غروب يوم 29 آذار الماضي حطت طائرات هليكوبتر أميركية في لبنان وعلى متنها عدد من خبراء مكافحة الإرهاب التابعين لكل من جهازي الـ «سي آي أي» والـ «أف بي آي».
وصباح يوم الثلاثين من آذار باشر الخبراء عقد اجتماعات مع مستويات رسمية لبنانية مسؤولة.
مصدر مطلع على حيثيات زيارة وفد خبراء الـ «سي آي أي» و الـ«أف بي آي»، كشف لـ«البناء» معلومات حول أبرز أهداف المهمّة التي أتى من أجلها الوفد إلى لبنان، وسعى لوضع مقاربات عملية من أجل إنجازها.
وكشف المصدر عينه في إطار عرضه لهذه الأهداف، إلى أن زيارة وفد خبراء من الـ «سي آي أي» والـ «أف بيآ»، تأتي في إطار بروز قلق استثنائي بدا في الآونة الأخيرة يساور أعلى المستويات في واشنطن بخصوص إمكان انزلاق لبنان إلى «رحلة أمنية أخطر قد تطيح بحالة الحد الأدنى من الاستقرار الراهن فيه، الذي صار معلوماً أن الحفاظ عليه هو خط أحمر دولي. وسبب القلق الاستثنائي يعود إلى ظهور معلومات مصحوبة مع تطورات ميدانية تعاظمت خلال الأسابيع الأخيرة، وعلى رأسها بروز ظاهرة خطرة تتمثل بانتقال المجموعات السلفية الإرهابية من مرحلة التفجير العشوائي فوق الساحة اللبنانية إلى مرحلة تقصد استهداف الجيش اللبناني عبر إرسال السيارات المفخخة لتفجير حواجزه وثكناته. ويؤشر هذا التطور برأي دوائر الاستخبارات الأميركية إلى أن هذه المجموعات الإرهابية لم تعد تكتفي بإيصال رسائل الموت للبنان خدمة لأهداف حربها في سورية، بل باتت تعمل وفق خطة ممنهجة وشاملة لإيجاد حيثية متينة لها في لبنان تعوّضها عن خسارة مواقعها في منطقة القلمون التي كانت تسمح لها بتأمين تواصل لوجستي بين لبنان وسورية وبالاتجاهين.
ويحتل المرتبة الأولى بين أهداف زيارة وفد خبراء جهازي الـ«سي آي أي» والـ «أف بي آي» هدف مساعدة الجيش اللبناني على اتخاذ التدابير اللازمة من اجل التخفيف من الأخطار التي تستهدفه والناجمة عن قرار المجموعات التكفيرية بالتعرّض لمراكزه وطرق إمدادات انتشاره بالسيارات المفخخة التي يقودها انتحاريون.
يضيف المصدر عينه إن فريق الخبراء الاستخباراتي الأميركي معنيّ أيضاً، كهدف ثانٍ لزيارته، بان تمتلك المؤسسات الأمنية اللبنانية، وبخاصة مخابرات الجيش، قدرات جديدة تمكّنها من جمع المعلومات واختراق عناصر المجموعات السلفية التكفيرية،لا سيما منها اللبنانية ـ وهم الأكثرية ـ والمتكافلة مع عناصر أجنبية. والمقصود بعناصر هذه المجموعات تحديداً هم أولئك العائدون من سورية اثر تعرضهم لسلسلة من الهزائم التي واجهوها أخيراً هناك.
وتلحظ المعلومات الأميركية ـ وفق المصدر عينه ـ أن هذه العناصر جرى تعبئتها على أساس أن لديها مهمة جديدة في لبنان وهي الانتقام من الجيش اللبناني الذي تواطأ ضدها خلال معاركها في سورية عن طريق إعاقة نشاط طرق الإمداد الخاصة بها انطلاقاً من لبنان.
وبحسب المصدر عينه فان فريق الخبراء الاستخباراتي الذي زار لبنان، مهتم على المدى المتوسط ـ وكهدف ثالث ـ بنقل الخبرات الأميركية المكتسبة في العراق إلى الجيش اللبناني، وذلك في إطار تحسين استعداداته لمواجهة هذا النوع من الهجمات الانتحارية الإرهابية.
وذكرت مصادر في واشنطن أن الحرب على الإرهاب في لبنان كان حتى ما قبل تشكيل حكومة المصلحة الوطنية، يصطدم برؤى مختلفة ومتضاربة من قبل جهات أمنية وسياسية لبنانية، وأن قائد الجيش العماد جان قهوجي شكل في تلك المرحلة ويشكل في المرحلة الراهنة والمقابلة، من خلال وجوده على رأس قيادة الجيش اللبناني أو في مركز القرار، صمّام أمان لترشيد الجهد الأمني اللبناني وتجميعه باتجاه إدارة صراع ناجح ضد خطر الإرهاب الذي يواجه لبنان، وذلك من دون أية مساومة.
وبرأي المصدر نفسه المطلع على بيئات سياسية وأميركية وازنة، فإن المرحلة الراهنة في لبنان وفق رؤية واشنطن لها، تتسم بأنها تتفاعل وفق معادلة أن «حصان الأمن عليه أن يقود عربة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي».
وهناك توقع دولي شبه محسوم بخصوص أن الانتخابات الرئاسية في لبنان ستجرى وفق موجبات المعادلة الآنفة، ما يجعل قائد الجيش العماد قهوجي هو المرشح الأوفر حظاً للوصول إلى قصر بعبدا.
وترسم هذه المصادر سيناريو حول كيفية إتمام الاستحقاق الرئاسي، فتقول إن انتخاب الرئيس العتيد لن يجرى تحت الضغط من دون نفاد وقت المهلة الدستورية التي ستنتهي في 25 أيار المقبل، بل سيجرى تحت ضغط بدء الفراغ الدستوري. وعليه تتوقع هذه المصادر، أن يدخل لبنان بفراغ رئاسي قد يستمر لغاية وقت متقدم من الصيف المقبل، حيث سيصار بعد ذلك إلى انتخاب رئيس بمواصفات تدعيم معادلة «حصان الأمن سيجر عربة استقرار كل الاقتصاد الاجتماعي والوضع السياسي».
وبحسب هذه المصادر فإن هذه المرحلة المتسمة بالمعادلة الآنفة بدأت فعلياً في لبنان مع النجاح بتشكيل حكومة المصلحة الوطنية، حيث تمت التضحية بالمكاسب السياسية لمصلحة تحصين الوضع الأمني والاستقرار اللبناني. وبرأي هذا المصدر فإن قرار رئيس حزب «القوات» اللبنانية سمير جعجع مقاطعة الحكومة كان خطأً. وقد عبرت جهة دبلوماسية أمام جهات قريبة من القوات أخيراً عن هذا المعنى وذلك عندما اعتبرت أن استنكاف جعجع عن المشاركة في حكومة سلام يشكل «قصور نظر» وتغليب حسابات ضيقة على معادلات كبرى تتفاعل في المنطقة، واعتبر أن قراره بالمقاطعة اليوم يكرر في بعض وجوهه الخطأ الذي ارتكبه بعد اتفاق الطائف. وذكّر الدبلوماسي عينه محادثيه القريبين من القوات كيف أن ديفيد هل السفير الأميركي في لبنان، وكان آنذاك مسؤول الصلات السياسية في سفارة واشنطن في بيروت، جال بعد سجن جعجع على فاعليات لبنانية وأبلغها أن بلاده لا تستطيع أن تفعل شيئاً للحكيم لأنه أخطأ في تقدير المرحلة السياسية الجديدة وموجباتها الدولية.
الاستحقاق في كواليس بري
إلى ذلك، كشفت مصادر مطلعة لـ «البناء» أن جولة الوفد النيابي الذي كلفه الرئيس نبيه بري بداية هذا الشهر باستمزاج رأي الكتل النيابية لمعرفة موقفها من عقد جلسة نيابية لانتخاب رئيس الجمهورية العتيد، لم تؤد بالعمق إلى النتيجة الحاسمة التي كان يتوخاها رئيس مجلس النواب. وبحسب هذه المصادر فإن بري كان يريد من جولة وفده على الكتل النيابية معرفة موقفها من أمرين اثنين محددين:
الأول هل ستقوم بتلبية الدعوة على نحو يؤمن تحقيق نصاب الثلثين؟
والثاني في حال سارت العملية الانتخابية على نحو يظهر لهذه الكتلة النيابية أو تلك أن اسم مرشحها لن ينال عتبة النجاح، فهل ستبادر للانسحاب وتطيير النصاب؟
واضح أن برّي كان يريد الحصول على ضمانات مسبقة قبل الدعوة لعقد جلسة الانتخاب، ولكن صار واضحاً الآن لجميع القوى اللبنانية، انه لغاية هذه الساعة فان الدعوة لعقد جلسة انتخاب خلال المقبل من الأيام لن تؤدي إلى انتخاب الرئيس العتيد. وفيما يتم الآن من قبل أقطاب نادي المرشحين للرئاسة وناخبيهم الكبار حبس الأنفاس بانتظار ما يسمونه بتوقع تدخل دولي في ربع الساعة الأخير من انتهاء مهلة الاستحقاق الرئاسي، فإن معطيات دبلوماسية دولية رزينة تؤكد أن ساعة التدخل الدولي لن يبدأ مؤشرها بالتحرك قبل وقت متقدم من الصيف المقبل، وبانتظار ذلك فان الدوليين يتركون الآن للبنانيين مساحة وقت خاصة بهم، فان هم أحسنوا استغلالها لمصلحة التوافق على رئيس يلبي موجبات الحد الأدنى من الاستقرار، فان الدوليين لن يعرقلوه، وإلا فالوضع مرشح للانتظار حتى يبدأ الوقت الدولي اللبناني.
وقالت هذه المصادر إن الحملة التي تقودها الاستخبارات الأميركية في مساعدة الجيش اللبناني بمكافحة الإرهاب الذي يتعرض له لبنان تصطدم برؤى مختلفة ومتضاربة مع أجهزة وزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي التي يعتبرها الأميركيون أقرب إلى السعودية، بينما يعتبرون أن مخابرات الجيش أقرب لحزب الله، ومن وجهة نظر أميركية فإن الوحيد القادر على الجمع بين الرؤى المختلفة هو جان قهوجي وهو المقدر له خلافة ميشال سليمان في رئاسة الجمهورية المنتهية ولايته في 25 أيار المقبل.