لكم دويركم وانفتاحكم… ولنا تحجّرنا وقضيّتنا
«البناء»
نعم، نحن شعب متحجّر نبغض الانفتاح والعولمة ونمقتهما.
نعم، نحن شعب لغته «خشبية» لا يزال متمسّكاً بما يسمّى «نضالاً»، في حين أنّ بلاد الواق واق وصلت إلى أبعد نقطة في هذا الكون الفسيح.
نعم، نحن قوم صارت كلماتنا وقناعاتنا وتصرّفاتنا من العصر الحجريّ، بيد أنّكم صرتم «أوروبيين»، أو «مثل الأجانب»، بمعنى أنّكم صرتم «متطوّرين» جدّاً جدّاً جدّاً.
نعم، ما زلنا نعشق وننصت لمظفر النوّاب وعمر الفرّا، ونثمّن مواقف ميل غيبسون المعادية للصهيونية والعنصرية، ونشاهد الأفلام «الرجعية» التي تهاجم الصهاينة أنّى حلّوا، ونقاطع كلّ فنان زار الأراضي المحتلّة ليبرّر وجود الاحتلال ويمنحه صكّ اعترافٍ بـ«إنسانيته». وصيروا كما شئتم، طبّعوا كما شئتم، تزواجوا مثلياً مع صهاينة كما شئتم، صوّروا أفلاماً في فلسطين المحتلّة كما شئتم، فنحن سنبقى «خشبيين»… مقاومين، لا نمنح سلاماً لعدوٍّ اغتصب أرضنا، ولا نمنحه حتّى ساعة راحة وطمأنينة.
لنا لغتنا «الخشبية»، لنا المقاومة، لنا المقاطعة، لنا الإيمان بفلسطين جزءاً من بلادنا مهما طال أمد الاحتلال، ولكم انفتاحكم، ولكم «تأوربكم»، ولكم عولمتكم، ولكم دويريكم.
نعم لكم ذلك الدويريّ، الذي رضع حبّ فلسطين من ثدي أمّه، فأحبّ فلسطين حتّى اغتصابها. نعم، هو شريك في الاغتصاب طالما أنّه يمنح الاحتلال شرعيّة الوجود. هو شريك في اغتصاب فلسطين طالما هو مطبّع مع العدوّ ومتعامل ومتعاون ووو…
زياد الدويري السينمائي اللبناني جدّاً جدّاً جدّا، و«المبدع» جدّاً جدّاً جدّاً، والذي يستحقّ الجوائز العالمية حسبما يرى المتأوربون المطبّعون الذين يتهّموننا بالخشبية، لا يستحقّ سوى أن تدّعي عليه أمّهات آلاف الشهداء من لبنان وفلسطين وسورية والعراق والأردن وحتّى مصر، وترفع بحقّه دعاوى قضائية، لمحاكمته بناءً على تطبيعه اللاخجول والعلنيّ مع عدوٍّ قدّم أمثلةً حيّة عن «إنسانيته»، ومن هذه الأمثلة: مجزرة كفر قاسم، مجزرة دير ياسين، مجازر غزّة وجنين، مجزرة صبرا وشاتيلا، مجزرتا قانا، ومجزرة المنصوري وغيرها الكثير الكثير من المجازر الأمثلة.
أمس، قامت الدنيا ولم تقعد بسبب الحملة التي أقيمت ضدّ زياد الدويري، لكون السلطات اللبنانية لم تلجأ إلى القانون وتعتقله بسبب زيارته الأراضي المحتلّة والتعاون «فنّياً» مع العدوّ الصهيوني. اتُّهمنا بأننا أعداء الفنّ، وبأنّنا لا نريد خيراً «عالميّاً» للبنان. وبأنّنا ضدّ أن ينال «مبدعو» لبنان مراتب عليا في هذه المعمورة.
فها هو دويريكم يا سادة، يمنحكم وسطاه، ويدلي بدلوه الدنيء، وأفكاره «المنفتحة»، لجريدة عبرية يهودية صهيونية. ها هو ينكّل بفلسطين ولبنان والعرب الذين وصفهم بالقذرين، ويحلّ ضيفاً على صحيفة «يديعوت أحرونوت».
وطبعاً، عندما لم يرَ إلا المزيد من الحملات لإدانته، لم يجد سوى نفي الخبر، ونفي أنّه أجرى المقابلة، وحتّى أنّه أدلى بتصريح… كيف لا، وهو الذي رضع حبّ فلسطين من ثدي أمّه.
إلى الدويري نقول، بئساً لك ولعالميتكَ ولأفلامك وإبداعاتك. وللمدافعين عنه نقول، خذوا دويريكم هذا واحتفلوا به أنّى شئتم إلا على هذه الأرض الطاهرة. أمّا نحن فسنظلّ متمسّكين بلغتنا «الخشبية» حتّى تحرير ذرّة التراب الأخيرة من فلسطين.