الحريري يكلّف غطاس خوري مكان نادر الحريري… والبداية في الاستشارات الحكومية اعتماد الحكومة الحالية كأساس للحكومة الجديدة يُسقط نتائج الانتخابات ويغتال النسبية
كتب المحرّر السياسي
فيما لا تزال المفاوضات الروسية الأميركية حول جنوب سورية في بداياتها، والتفاهمات الروسية الأوروبية حول التفاهم النووي مع إيران قيد التشكل، يتّجه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إلى كوريا الشمالية مستبقاً لقاء الرئيس الكوري كيم جونغ أون بالرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد أقل من أسبوعين، بالسعي لوضع إطار تفاوضي يمكن لروسيا ان تضمن من خلاله طلبات الأمن الكورية، بعدما كشف السلوك الأميركي في التفاهم النووي مع إيران مشكلة كبرى تتصل بغياب ضامن للالتزام الأميركي حتى لو حظي بالمصادقة بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي. وفي مجلس الأمن تصدت موسكو لمشروع بيان عرضته واشنطن في جلسة لمناقشة الوضع في غزة يدعو لإدانة صواريخ المقاومة على المستوطنات وتحميلها مسؤولية التوتر والتصعيد، بعدما رفضت واشنطن وعطلت بالفيتو مشروع بيان لإدانة المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين في تظاهراتهم السلمية في جلسة سابقة للمجلس.
لبنانياً، بانتظار عودة رئيس الحكومة سعد الحريري المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، وما سيحمله من أجوبة على الأسئلة التي وعد الحريري رئيس الجمهورية ميشال عون بالجواب عليها بعد عودته، وعنوانها حصة القوات اللبنانية الوزارية بعدد ونوع الحقائب، والتي تشكل طلباً غير مسبوق في تاريخ الحكومات، قياساً بالحجم النيابي للقوات، حيث الاستجابة لطلبها تستدعي بقياس عدد نوابها حكومة من ستين وزيراً وعشر حقائب سيادية، فيما واصلت القوات هجوماً مركزاً على حصة رئيس الجمهورية في الحكومة، معتبرة أنّ الحصة مشروطة بعدم وجود كتلة نيابية لحزب الرئيس وليس العكس. وفي غياب الحريري بدأ الوزير غطاس خوري مهامه كبديل لنادر الحريري الذي جرت العادة أن يتولى الاستشارات التمهيدية نيابة عن الرئيس الحريري. وقالت مصادر متابعة إنّ خوري يحمل الحكومة الحالية كمسودّة يعرضها على المعنيين لمناقشة التعديلات التي يقترحونها سواء على حصتهم أو على تمثيل سواهم، وتصوّرهم لما يجب تغييره في الحكومة الجديدة قياساً بالحالية.
قالت المصادر إنّ الأمر يبدو طبيعياً لو كنا أمام تبديل حكومي في الولاية النيابية ذاتها، أما بين حكومة أنتجها مجلس نيابي عمره ولايتان ونصف جرى انتخابه وفقاً للنظام الأكثري ومجلس نيابي منتخب حديثاً، ووفقاً لقانون جديد يعتمد النسبية، فالطبيعي هو الانطلاق من تحديد أمرين معياريين للحكومة الجديدة، هما: مهامها وطريقة تشكيلها. فالتصويت الشعبي هو تصويت لنوعية مهام بمقدار ما هو تصويت لكتل ولوائح ومرشحين. والأكيد بحصيلة الانتخابات أن حكومة استعادة الثقة فشلت في مهمة استعادة الثقة، ما يستدعي البدء بالحكومة الجديدة بعيداً عن ميراثها كمشروع وآلية تشكيل، وإذا كان مفهوماً في الحكومة السابقة اعتماد المفهوم الأكثري في تشكيلها بمنح القوى التي تملك أكثرية تمثيلية دوراً حاسماً، فإن الانتقال إلى اعتماد النسبية لم يتم في القانون الانتخابي إلا انطلاقاً من التسليم بفشل هذا المنهج والذهاب إلى النسبية يهدف أولاً وأخيراً إلى إنصاف الأقليات التي يسحقها النظام الأكثري وتمنحها النسبية فرص الحضور. والطبيعي أن ينسحب ذلك على أول حكومة بعد الانتخابات طالما يُراد لها أن تكون حكومة وحدة وطنية، وإلا ستكون الحكومة الجديدة حكومة إلغاء الانتخابات وتجاهل نتائجها، وإسقاط النتيجة الإيجابية الوحيدة التي أنتجتها النسبية وهي عدم حصر تمثيل اللبنانيين بالقوى الكبرى لطوائفهم، وتظهير لون وطني وقومي عبّر عن حضوره بالعديد من المقاعد في عدد من المناطق، من غير المسموح تجاهلها والحديث عن مرحلة واعدة جرى خلالها استيعاب الرسالة التي أراد الناخبون توجيهها عبر صناديق الاقتراع، فيما عنوان هذه الرسالة رفض تجديد التفويض المطلق للأكثريات الطائفية.
الحريري يستطلع السقف السعودي
توقفت مساعي تأليف الحكومة بانتظار عودة الرئيس المكلف سعد الحريري من السعودية التي يزورها لأيام قليلة، وفيما يملأ كلام ومداولات الكواليس الوقت الضائع، لم يُسجل مشهد التأليف أي جديد بعد اللقاء بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس الحريري أمس الأول، باستثناء ظهور عقد ليست في الحسبان تضاف الى العقد التقليدية. وهي حجم حصة كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة التي لم تشهد سوابق بعكس حصة رئيس الجمهورية التي تكرست بحكومات ما بعد اتفاق الطائف. ما يؤشر الى أن مطالبة الرئيس المكلف بحصة له منفصلة عن حصة تيار المستقبل توضع في إطار المناورة والتكتيك التفاوضي بهدف دفع رئيس الجمهورية الى تقليص حصته. وفي المعلومات المتداولة لم يُحسم بشكل نهائي عدد وزراء الحكومة وسط تباين بين الرئيسين عون والحريري حول هذه النقطة، مع ترجيح التوصل الى اتفاق الرئاستين على حكومة ثلاثينية كالحكومة الحالية. كما بات من المحسوم توزيع الوزارات السيادية على الكتل الرئيسية الأربع دون الأسماء، حيث تؤول حقيبة المال لحركة أمل بالاتفاق مع حزب الله الى جانب وزارة خدمية لحزب الله والداخلية والبلديات لتيار المستقبل الى جانب وزارة الاتصالات والخارجية والمغتربين للتيار الوطني الحر الى جانب الطاقة والمياه على أن تبقى وزارة الدفاع بعهدة رئيس الجمهورية.
أما العقدة الأبرز إضافة الى عقدة الحصة الدرزية التي يطالب بها النائب وليد جنبلاط، فهي مطالب حزب القوات اللبنانية المضخّمة وسط ضغوط يتعرض لها الحريري من القوات وتخييره بين تلبية مطالبها كاملة، وإما البقاء في المعارضة. الأمر الذي لن يستطيع الرئيس المكلف تلبيته في ظل تحالفه مع رئيس الجمهورية والتيار الحر من جهة، ونتائج الانتخابات التي أفرزت واقعاً جديداً لا يسمح له بالمناورة كما في السابق. فقصد السعودية مستطلعاً سقفها والهامش الممنوح له في عملية التشكيل. فمن جهة سيقول الحريري للسعودية أنه لا يستطيع تلبية كل المطالب السعودية ما بعد الانتخابات النيابية وفي الوقت عينه سيطمئن المملكة بأنه لن يرأس حكومة معادية للسعودية كما سيعمل على سبر أغوار القيادة السعودية حول مدى تمسّكها بالقوات وبمطالبها التي يراها الحريري تعجيزية.
وقد نقلت مصادر بعبدا لـ «البناء» «استغراب الرئيس عون إزاء الحديث عن حصة الرئيس لا سيما أن من حقه أن تكون لديه حصة وزارية مستقلة عن القوى السياسية الأخرى»، وترى القوات بأن فصل حصة رئيس الجمهورية عن حصة التكتل غير منطقي وذريعة لتقليص عدد وزراء القوات، وتوضح بأن تكتل «لبنان القوي» يقول بأنه تكتل رئيس الجمهورية فلماذا يتم فصل الرئاسة عن التكتل؟ وأكد عضو تكتل القوات النائب أنيس نصار أن «من أشرس المدافعين عن مركز رئاسة الجمهورية هي « القوات اللبنانية »، واعتبر نصار، في حديث تلفزيوني، أن «القوات يجب ان تأخذ حصتها لأنها اخذت تفويضاً من الناس بـ15 نائباً»، مشدداً على «أننا متمسكون باتفاق معراب لأنه الأساس».
وفيما ترصد عين التينة مواقف وسير وقائع التأليف يكتفي رئيس المجلس النيابي نبيه بري بترداد عبارته المعهودة: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، لكن مصادره تؤكد بأن عملية التأليف ستبدأ فعلياً وبزخم كبير بعد عودة الرئيس المكلف، مشيرة الى أن «بري يفضل حكومة ثلاثينية وتمثل فيها مختلف القوى النيابية بمعزل عن عدد الوزراء ونوعها». وكشفت قناة «أن بي أن» عن اجتماع عقد في وزارة المال بين الوزير علي حسن خليل ووزير الثقافة غطاس خوري الذي حضر كل الاجتماعات التشاورية مع الحريري والذي على ما يبدو سيكون «أحد مفوّضيه للتشاور مع القوى السياسية».
وقالت مصادر مطلعة لـ «البناء» إن «الثنائي الشيعي فوّض الرئيس بري التفاوض على حصص الطائفة الشيعية بالاتفاق مع حزب الله الذي يتجه الى ترشيح وزيرين من مدينة بعلبك وآخر من الجنوب، وذلك انطلاقاً من كلام الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله الذي وعد بإيلاء منطقة البقاع الاهتمام الكامل». كما لفتت الى أن «الحزب سيطالب بوزارة أساسية إما العدل أو الصحة أو الشؤون الاجتماعية أو الأشغال، وفي حال تقرر استحداث وزارة التخطيط ستكون من حصته أيضاً»، موضحة بأن «الحزب سيشارك بفعالية في الحكومة لمكافحة الفساد وبناء الدولة وسيتجه الى المشاركة في الملفات المالية والاقتصادية والاجتماعية بقوة بعدما انشغل في الخارج طيلة العقود الماضية». وأشارت المصادر الى أن «الحزب لن يضع شروطاً على تشكيل الحكومة إذ إن الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية معنيان بالتأليف، ولكن بالتأكيد سيكون له رأي باختيار بعض الوزراء للمواقع ذات الحساسية الأمنية كالداخلية والدفاع، إذ لن يكرّر تجربة اللواء أشرف ريفي في وزارة الداخلية».
وأكد الرئيس عون أن لبنان مقبل على مرحلة سياسية متقدّمة بعد إنجاز الاستحقاق الانتخابي وتشكيل حكومة من شأنها أن تعزز الاستقرار السياسي في البلاد، معرباً عن أمله أن يتمكن الرئيس المكلّف من ان يضم في الحكومة كل الاطراف الوطنية للمشاركة في مواجهة التحديات المرتقبة على مختلف الأصعدة».
وخلال استقباله وفداً من النواب الأميركيين في حضور السفيرة الاميركية في بيروت اليزابيث ريتشارد، دعا الرئيس عون «الولايات المتحدة الاميركية الى مساعدة لبنان على تسهيل عودة النازحين السوريين الى المناطق الآمنة في سورية، وعدم انتظار الحل السياسي الشامل للازمة السورية للمباشرة بهذه العودة». مجدّداً التأكيد على أن لبنان ملتزم تطبيق القرار 1701، فيما «إسرائيل» تواصل انتهاكاتها له.
مصير «سيدر»؟
في غضون ذلك، تطرح تساؤلات حول مصير المؤتمرات الدولية لدعم لبنان التي هُرّبت على عجل قبيل الانتخابات النيابية، لا سيما أن الانتخابات أفرزت واقعاً سياسياً جديداً سيترجم في مجلسي النواب والوزراء مع أكثرية ربما تكون معارضة لإغراق لبنان بمزيد من الديون الذي يؤدي الى تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية وفرض التوطين على لبنان، لا سيما مؤتمر سيدر أو «باريس 4»، ومن جهة ثانية يطرح إشكالية حول تعاطي الدول الغربية مع الحكومة اللبنانية العتيدة التي سيمثل فيها حزب الله وبوزراء حزبيين في ظل قرار العقوبات الأميركية الخليجية على الحزب وتصنيف قيادته على لوائح الإرهاب. وهل هذا سيرتب مقاطعة مالية للحكومة في إطار الضغط السياسي على لبنان لفرض الشروط الخارجية لا سيما في ما يتعلق بسلاح حزب الله والنازحين السوريين؟
وفي سياق ذلك، أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن «حال الترقب بتشكيل الحكومة لا يجب أن تطول لأننا بحاجة الى نمو بنسبة 2.5 بالمئة، وتخفيض نسبة العجز، وهذا يكون أفضل للبنان اقتصادياً واجتماعياً». وفي حديث تلفزيوني أوضح أن «لبنان بحاجة الى إصلاح أهمه إعادة توسيع حجم القطاع الخاص ، لأن توسيع القطاع العام خفض فعالية الإنتاجية ويجب أن يكون هناك حكومة بأسرع وقت وتكون فيها شخصيات قادرة على تنفيذ مقررات مؤتمر سيدر».
وشدد على أن «لا خوف على الليرة ووضعها مستقر وستستمر و مصرف لبنان لديه الاحتياطات الكافية»، مشيراً الى أن «الكلام عن مشكلة قريباً غير صحيح. والكلام الصحيح الوحيد هو بتخفيض العجز بالموازنة وهذا ضروري. وهذا بسبب ارتفاع الفوائد عالمياً وارتفاع سعر البترول».