روسيا ترهن «إسرائيل» بموقع «الوسط»

روزانا رمّال

تتقاطع المعلومات التي تُجمِع حول تراجع جدي في الحسابات تجاه سورية، خصوصاً من الجبهة المقاتلة للرئيس السوري بشار الاسد منذ أكثر من 7 سنوات لجهة فرض معادلات استراتيجية جديدة نجحت في الاستفادة مما أرخته الجغرافيا عسكرياً. نجحت روسيا مثلاً بالتقدم نحو سورية كأمن حيوي طبيعي لأمنها المهتز لأقل التهديدات التي عايشتها مدن روسية من العقد الماضي. ومسألة الإرهاب التي تضعها نصب أعينها كأولوية لم تكن سورية مقدمتها، بل سبقتها إليها الحرب في أفغانستان وبعدها العراق وصولاً إلى ليبيا وطرد الروس منها ووصولاً الى سورية. فكان القرار الحازم بدخولها الاراضي السورية يحمل في طياته الكثير من التساؤلات. أبرزها عن الجانب الإسرائيلي وتعاطيه مع هذا الوجود المباغت، خصوصاً أن تل أبيب كانت لعقود هي القوة المسيطرة الوحيدة والاولى عسكرياً في هذه المنطقة الجغرافية الممتدة من لبنان لسورية فالأردن والعراق والاراضي المحتلة بطبيعة الحال، حيث توسعت دائرة قبضتها بحصار غزة وأي تحرك فلسطيني، حتى صارت روسيا مرجعية عسكرية كبرى مقابلها. سؤال مشروع عن مدى تخطي روسيا المصالح الإسرائيلية بعد ان عجزت عن ردع صواريخ وأكثر من استهداف عسكري بغارات فوق الأراضي السورية من دون ان يكون لوجودها فائدة.

ماذا تفعل روسيا في سورية طالما انها عجزت عن صد الاعتداءات الإسرائيلية؟ فهل هذا تناغم مع المصلحة الإسرائيلية وقد بين أثره اليوم؟

بكل تأكيد أثارت زيارات مسؤولين إسرائيليين على مدى السنوات السابقة منذ زيارة الرئيس رؤوفين ريفلين وما تبعها من زيارات متتالية لبنيامين نتنياهو في السنتين الماضيتين. وهي السنوات التي أنجزت فيها روسيا مهمة قتال الإرهاب بنجاح سريع وآخرها زيارة نتنياهو لحضور العرض العسكري الروسي التاريخي في الساحة الحمراء إشارات وضعت روسيا في خانة الريبة. كيف وبالحال أن سورية أنجزت اكثر مرحلة من التقدم الميداني والمقصود بالجيش السوري، وهي صارت في مرحلة متقدّمة من إعلان الإنجاز الكبير؟

أجوبة كثيرة تكشفت إجاباتها اليوم في الوقت الذي بدأت الخارجية الروسية بشخص وزير الخارجية سيرغي لافروف تتحدّث عن رعايتها لاتفاق مع دول الجوار في غرف عسكرية بحثت مسألة الحدود السورية الجنوبية. وهي صلب الحرب السورية بالعين الإسرائيلية وبيت قصيدها على اهميتها التي تفرض القوى المسلحة الحليفة والخصمة على حدود فلسطين المحتلة. والمطلب الروسي الذي تكرر في الـ48 ساعة الماضية يتكفل بالإجابة على الشكوك بما يحفظ لروسيا دور وسيط ناجح أو ربما يؤكدها عبر طلبها انسحاب كل القوى غير السورية من حول الحدود.

قراءة هذا المطلب في خانة طرد حزب الله وإيران أبعد عن الواقع في مرحلة متقدّمة أيام الحرب والإنجاز التي اعلن فيها حزب الله سلفاً نيته الانسحاب بعد أن تنتفي المهمة او ضرورة وجوده. وهكذا اعلن حول العراق بانتهاء العمليات ضد داعش وبالنسبة لإيران الحليف الأساسي لروسيا والتي غطت أكثر من محاولة متبادلة لعزل روسيا التي تشترك معها دول حدودية وشاركت معها استراتيجياً بخطط مكافحة الإرهاب في الاقاليم الأكثر تهديداً للأمن الروسي بعيداً أيضاً عن المنطق الذي يعني نسف هذه العلاقة والتخلي عنها.

شيء واحد يفسر هذا الطلب. وهو نجاح روسي بحصر وجود الجيش السوري وهو خيار «مرّ» يضطر الإسرائيلي الى العودة إليه بدل المطالبة بقوات لحفظ السلام اليونيفيل على غرار القرار 1701 في لبنان. وبالتالي تطرد المجموعات المسلحة التي أتت لملء الفراغ الذي شكله غياب الجيش السوري في الحرب بعد تلقيها الدعم من «إسرائيل» وسيطرتها على الحدود أبرز هذه المجموعات كانت جبهة النصرة.

تعيد روسيا بهذا المطلب الحق السيادي لسورية وتقايض الإسرائيليين بين ملء الفراغ بالجيش السوري. وهو بطبيعة الحال عودة الى حق رسمي لوجود الجيش في سنوات ما قبل الأزمة وبين بقاء جبهة النصرة والمجموعات المسلحة. وبالتالي البقاء على هذا الحال الذي يعني بقاء حزب الله وإيران فأيهما تختاره «إسرائيل»؟

بمجرد اختيار «إسرائيل» العودة الى خيار ما قبل الأزمة فهي بذلك تعلن رسمياً سقوط المشروع الحدودي الأكثر خطورة بالنسبة اليها الذي يعني عودة الجيش السوري كحليف لحزب الله وإيران لقواعده. لكن هذا الخيار في هذه المرحلة من عمر الحرب يحمل أقل الخسائر المعنوية والسياسية على الإسرائيليين وبدون شك تسعى روسيا لتحويله حقيقة لمصلحة كل الأطراف لتبدو في الأمور السيادية الاستراتيجية غير متنازلة او عابثة بالأمن السوري، ليصبح التشكيك مربوطاً بتمرير نقاط لكسب ثقة الإسرائيليين كوسيط ومسألة الفوز بهذه الوساطة تعني رهن الأمن الإسرائيلي بيدها. وهو مفهوم هام جداً.

ليس أكيداً ان تنجح روسيا التي تضغط باتجاه هذا المطلب لجهة تنفيذ إسرائيلي سلس لهذا الخيار، لكن الانتظار سيعني أمرين أساسيين: الاول ان يتم تنفيذ هذا المخطط بدون معركة في الجنوب السوري ويقفل الملف. وهذا ربما ممكن بعد ان حصلت «إسرائيل» على جائزة معنوية بنقل السفارة الأميركية الى القدس. فلا تقدمه بهالة منكسرة. والثاني أن لا يتم تنفيذ هذا إسرائيلياً بطبيعة الحال لأن حلفاء سورية اوضحوا رغبتهم بكل ما يحفظ هذه السيادة. أي مستعدون لإخلاء المنطقة والا يستعاض عن المطلب الروسي بمعركة في الجنوب السوري بين «إسرائيل» والحلفاء. فأيهما أقرب؟ الأيام المقبلة تؤكد أكثر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى