استعدّوا لخوض غمار الحرب الجديدة في الشرق الأوسط: الجولان المحتلّ

ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

كان القتال الذي اندلع منذ أسابيع قليلة بين «إسرائيل» وسورية أمراً عادياً. فالاستفزازات الإسرائيلية ضدّ الأهداف العسكرية السورية وليس الإيرانية كما ادّعت «إسرائيل» بداية أدّت الى نتائج عكسيّة هائلة، ووضعت قواعد جديدة للاشتباك في بلاد الشام. كما أرسى تبادل الصواريخ على مدار ساعات طويلة في الجولان المحتلّ لأول مرة منذ ما يزيد على العقود الأربعة، ولقّن الإسرائيليين درساً مفاده أنه يمكن إعادة توجيه ضربات السوريين الى الساحات الخلفيّة.

وقد عملتُ في السنوات السبع الماضية على تغطية أحداث الشرق الأوسط بالعمق من الداخل، ولم تكن المنطقة يوماً أقرب إلى الحرب من الوقت الحالي، غير أنها تتطلّب أحياناً مواجهة عسكرية لتهدئة الرؤوس الحامية. وكنتُ قد سألت القائد العام لحزب الله في الجنوب الشيخ نبيل قاووق عام 2010 عن السبب الذي منع المقاومة من استخدام الصواريخ المتوسطة المدى ضدّ «إسرائيل» عام 2006. ولا أخفي أنّ جوابه فاجأني للوهلة الأولى، وما لبث أن جعلني أتيقن أمراً غاية في الأهمية حين أجاب: «لقد استخدمنا بعض هذه الصواريخ بالفعل. غير أننا قمنا بذلك حينها للتخفيف من حدّة الصراع الذي كان مشتعلاً».

وشكّل ذلك نقطة تحوّل مهمة في فهمي لحزب الله والمحور الذي ينتمي إليه. ومن المؤكد أنّ هذا المحور لن يسمح للعدوان الإسرائيلي أن يمرّ بدون محاسبة، فقد وعدوا بإخراج الحرب الى الداخل الإسرائيلي، وها هم قد فعلوا. ويبقى السؤال الوحيد ما إذا كانت «إسرائيل» تنظر الى هذه المرحلة العسكريّة على أنها رسالة ردع.

كتبت شارمين نارواني

لموقع The American Conservative

كان تبادل الصواريخ الأسبوع الماضي على التخوم السورية «الإسرائيلية» أمراً عادياً. وقد وضعت هذه المعركة أسساً جديدة لقواعد الاشتباك في بلاد الشام، وحوّلت مرتفعات الجولان التي تحتلّها «إسرائيل» الى «مسرح للعمليات» في الصراع السوري بين ليلة وضحاها.

وما لبثت أن بدأت النسخة الإعلامية الرئيسية من الأحداث مع «إسرائيل» تنتقم من ضربات الصواريخ الإيرانية، لتدمّر قوات الدفاع الإسرائيلية بعض المواقع العسكرية الإيرانية داخل سورية. غير أنّ هذه المعلومات مشكوكٌ بأمرها: فهي تأتي على وجه الحصر تقريباً من الإسرائيليين الذين نادراً ما يفوّتون فرصة للتغلّب على طبول حرب «التهديد الإيراني».

وفي الفترة التي سبقت مناوشات العاشر من أيار، عقب خروج إدارة ترامب من الاتفاقية النووية عام 2015، بدأ المسؤولون الإيرانيون تحذيرهم من هجوم إيراني وشيك من الداخل السوري. وبعد ذلك، وفي غضون ساعات من إطلاق النار، أعلن متحدّث باسم الجيش الإسرائيلي أنّ «قوة القدس» التابعة لحرس الثوار الإسلامي أطلقت 20 صاروخاً على مرتفعات الجولان التي تحتلّها «إسرائيل»، وبعدها تفاخر وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بأنهم «ضربوا جميع البنى التحتيّة في سورية». ووصف المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي البريغادير الجنرال رونين مانيلاس «بأنها واحدة من أعظم عمليات سلاح الجو الإسرائيلي خلال العِقد الماضي». ولكن مع استقرار الغبار، بدأت صيغة مختلفة تماماً من الأحداث تتبلور بشكل لافت.

ويظهر فحص التسلسل الزمني الفعلي للصراع أنّ «إسرائيل» هي التي بادرت بافتعال الحادث من خلال ضرب أهداف عسكرية سوريّة في الكِسوة في ضواحي دمشق ومدينة البعث في القنيطرة خلال اليومين السابقين. وكانت روسيا قد حذّرت كلاً من سورية وإيران من الضربة الإسرائيلية الوشيكة نتيجة عدم تعرّض أيّ من الأفراد العسكريين الإيرانيين أو أنظمتهم المسلّحة للضرب. وكان الجيش السوري وليس الحرس الإيرانيّ قد ردّ بإطلاق 55 صاروخاً على البؤر الاستيطانيّة والمنشآت العسكرية الإسرائيلية المتواجدة في الجزء المحتلّ من الجولان. وقد حدّد الإعلام العربي هذه الأهداف على أنها مراكز مراقبة إسرائيلية رئيسيّة شلّت «عيون وآذان إسرائيل» على طول خط الترسيم الحيوي. واعترفت «إسرائيل» بفشل نظامها المتبجح «قبّة الحديد» في اعتراض معظم هذه الصواريخ، في حين اعترض الجيش السوري أكثر من نصف الصورايخ الإسرائيلية، وفقاً لمسؤولين عسكريين روس.

ما يمكن تأكيده بلا لبس: أنّ هذا الهجوم العسكري الذي اعتُبر أول تبادل كبير لإطلاق النار بين سورية و»إسرائيل» في مرتفعات الجولان المحتلّة منذ العام 1973 جعل من الجولان مسرحاً للعمليات العسكرية للمرة الأولى منذ أربعة عقود. وللمرة الأولى ايضاً خلال الحرب السورية، ينتقم الجيش السوري ضدّ الضربات الإسرائيلية حيث قصفت قواته – وبعنف المنشآت العسكرية الإسرائيليّة وليس فقط الصواريخ القادمة والطائرات الحربية الإسرائيلية التي تطلقها. وأخيراً، يجب على «إسرائيل» أن تناضل وللمرة الأولى مع حقيقة أنّ المعركة يمكن أن تبدأ من الساحات الخلفية.

ومن الواضح أنّ هذه ليست النتيجة ولا الردّ الذي كانت «إسرائيل» تتوقعه.

إذاً، كيف وصلنا الى هنا؟ يهدف الإسرائيليون الى الحصول على منطقة عازلة على طول حدودهم مع سورية، غير أنّ هذا الجهد واجه انتكاسات خطيرة منذ أن قام الجيش السوري وقواته الحليفة بطرد المسلّحين من ضواحي دمشق الرئيسية لهذا العام. دعمت «إسرائيل» مادياً العديد من هذه القوى المتشدّدة على طول حدودها مع سورية لسنوات، بما في ذلك الدعم الطبي وسواه من أشكال الدعم للمتطرفين، مثل مقاتلي النصرة والدعم المعنوي لمقاتلي داعش التي حافظت على وجودها قريبة من الحدود الإسرائيلية مع سورية. وكانت كلّ من النصرة وداعش من أبرز القوى المعارضة التي نجحت في إيلام الجيش السوري في الأزمة السورية، وبالتالي شكلت أصولاً قيّمة لـ «إسرائيل»، خاصة أنّ أياً من المجموعتين لم يبدِ أيّ ميل لاستهداف الإسرائيليين. فضلاً عن أنّ داعش قام ذات يوم بتقديم الاعتذار لـ «إسرائيل» بسبب الصدام القصير الأمد الذي حدث مع جيش الدفاع الإسرائيلي، وذلك عام 2016.

من الواضح أنّ «إسرائيل» تريد سورية الضعيفة والمقسّمة، لأنها بذلك ستعمل على إفشال إحدى الدول العربية الرئيسية بالإضافة الى الحليف السوري القوي: إيران. هذا ويغصّ الجنوب السوري حالياً بقوى الجيش السوري وحلفائه، الذين يضعون نصب أعينهم مواصلة رحلتهم الى المناطق الجنوبية التي تعتبرها «إسرائيل» من مناطق عمقها الاستراتيجي.

وفي كانون الأول الماضي، تعرّضت منطقة بيت جن، وهي آخر الجيوب المحسوبة على المسلّحين جنوب غربي دمشق بهدف إلحاق الضرر بالجيش السوري، وذلك بحسب ما أوردت مصادر حزب الله والحرس الثوري الإيراني هناك. تقع بيت جن في ممرّ جبليّ يربط بين سورية، لبنان و»إسرائيل» بالقرب من خط ترسيم الجولان وقد أدّت خسارته الى جعل الإسرائيليين يشعرون بالغضب، كما أدّت هذه الخطوة الى جلب حزب الله والإيرانيين والسوريين الى واحدة من أهمّ النقاط الاستراتيجية على حدود الجولان، في تطوّر حاولت من خلاله «إسرائيل» التراجع بشكل محموم عنه منذ تأسيس منطقة «إزالة التصعيد» بين الولايات المتحدة وروسيا في الجنوب السوري العام الماضي.

وفي 9 نيسان، شنّت «إسرائيل» ضربات غير مسبوقة ضدّ أهداف إيرانية في القاعدة العسكرية T4 المتواجدة في حمص، وقتلت سبعة من أعضاء الحرس الثوري الإيراني، بينهم ضابط. وكانت هذه الضربة واحدة من الضربات المائة المنفصلة التي زعمت «إسرائيل» أنها شنّتها منذ بدء ضربها الأهداف السورية عام 2013. غير أنّ هجوم T4 كان مقدّرٌ له ان يغيّر الكثير. وبالنسبة لـ «محور المقاومة» الذين هم أعضاء أساسيون في إيران وسورية وحزب الله فقد حان الوقت لإلقاء بعض العواقب والسيطرة على التصعيد الإسرائيلي.

وبعد مرور أربعة أيام، أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ضربه للموجات الهوائية ليجري تحوّلاً واضحاً لدى الإسرائيليين: «على الإسرائيليين أن يعلموا أنهم قد ارتكبوا خطأً تاريخياً… لا يُصنّف ما حصل ضمن الأخطاء العادية… إنه حادث محوريّ في حالة المنطقة، فقبل هذا الحادث ليس كما بعده».

ونادراً ما ردّت كلّ من إيران، سورية، وحزب الله بشكل مباشر على الضربات العسكرية الإسرائيلية، لأنها، ووفقاً للتصريحات العلنية التي صدرت مؤخراً من نائب الأمين العام لحزب الله في لبنان، أنهم رفضوا السماح لـ «إسرائيل» بـ «السيطرة على قواعد الصراع.»

يعتبر ما حصل ضرباً للتوازن القويّ، وقد بدت «إسرائيل» مشجّعةً لهذا الردّ الثلاثي من خصومها المعروفين. لكن هذه المرة قد يكون بسبب سعي «إسرائيل» إلى تحقيق قواعد اشتباك أكثر ملاءمةً من خلال الهجمات الصاروخية المتكرّرة، حتى بشكل تدريجيّ، نتائج عكسية. وكما يقول إيليا ماجنير، مراسل الشرق الأوسط المخضرم المقيم حالياً بين بروكسل وسورية: «إنّ أيّ هجوم إسرائيلي من الآن فصاعداً، سينقل المعركة الى الجولان. لم يتوقع الإسرائيليون ذلك، فقد توقعوا بشكل خاطئ أنّ الأسد سيكون مشغولاً ومنهمكاً في اليرموك، والبادية وغيرها… وأنه سيردّ على الأكثر بنفس الأساليب السابقة».

وفي خطاب له مؤخراً، يؤكد السيد نصرالله: «أوصلنا رسالتنا الى العدوّ الإسرائيلي. فحقبة عدم الردّ السوري قد ولّت الى غير رجعة». ويشدّد الأمين العام انّ هذا التحالف قد نقل رسالة الى «إسرائيل» من خلال الأطراف الثلاثة بأنه إذا تجاوزت «إسرائيل» مجدّداً «الخطوط الحمراء في سورية، فسيتمّ إطلاق المزيد من الصواريخ باتجاه العمق الإسرائيلي».

توقع الإسرائيليون من الحكومة السورية، إيران وحزب الله أن يبقوا غارقين في إطار معاركهم ضدّ المقاتلين في أماكن أخرى مقيّدين من قبل الروس الذين قرّروا علانية البقاء خارج معارك «إسرائيل» مع حزب الله وإيران. فلم يتوقعوا أن يتمكن هذا التحالف من إعادة المواجهة مع أهداف «إسرائيل» العسكرية البرية داخل مرتفعات الجولان المحتلّة، التي لا تزال سوريّة من الناحية القانونية. إنْ الإجماع الدولي على أنّ «الجولان سوريّ» منصوص عليه في قرارات الأمم المتحدة التي لا تعدّ ولا تحصى، بما في ذلك القرارات الأخيرة الصادرة في كانون الأوّل الماضي والتي خلقت مصدراً حقيقياً لإضعاف الموقف السياسي الإسرائيلي الذي لا يمكنه أن يطالب قانونياً بحدوده الشمالية الشرقية.

وقد تعمّق هذا الضعف منذ العام 2011، حيث كان السكان الدروز في الجولان المحتلّ يراقبون بقلق مضايقات العدوّ لأقاربهم السوريين عبر الحدود، بل مهاجمتهم وقتلهم مراراً وتكراراً على أيدي المقاتلين الإسلاميين. يعتقد الكثير من الدروز أنّ هؤلاء المقاتلين مدعومون من الإسرائيليين. يسعى هذا «المحور» الى تسخير الغضب من خلال دعم مقاتلي المقاومة المعادية لـ «إسرائيل» في الجولان. وببساطة، لقد حان الوقت أن يستحق الجولان المحتلّ بعض التحريك من الداخل والخارج، بعد أن حوّلته الهجمات الإسرائيلية الى هدف واضح المعالم.

قد لا يحبّذ الروس هذا التحوّل الجليّ في الأحداث لربما كانوا يودّون التركيز على التخفيف من حدّة التصعيد وحلّ الصراع السوري، لكن في الوقت الذي تتسامح فيه موسكو مع الضربات الإسرائيلية الصغيرة ضدّ الأهداف العسكرية لسورية وحلفائها، فإنها تتمتع بالقدرة على احتواء حجم وتكرار هذه الهجمات. تدرك «إسرائيل» جيداً قدرة روسيا على تزويد أنظمة الدفاع الجوي S-300 و S-400 وتحميلها بالكامل الى الداخل السوري، الأمر الذي سيشكل تغييراً واضحاً على مستوى اللعبة الإقليمية.

وفي المقابل، وفي حين أنه من غير المحتمل أن يختار أيّ من خصوم «إسرائيل» الثلاثة سورية، إيران وحزب الله خوض معركة مع الإسرائيليين في الوقت الحالي، فمن الواضح أيضاً أنهم جميعاً سينتقمون في حال جرى استفزازهم. ففي السنوات السبع الماضية، لم تكن منطقة الشرق الأوسط قريبة من الحرب كما هي عليه اليوم، ولهذا السبب هناك حاجة ملحة الى ضرورة سيادة الرؤوس الأكثر برودة – حتى لو كانت الحال كما هي مع سورية وإيران وحزب الله التي هي بحاجة ماسة الى الانتقام من أجل تهدئة الصراع وتأسيس قوة ردعيّة.

باحثة ومعلّقة في السياسة الجغرافية في الشرق الأوسط ومقرّها بيروت

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى