تفعيل دور مجلس النواب عنوان المرحلة المقبلة؟

روزانا رمّال

تبدو تداعيات نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة مسيطرة على معظم الكتل والاحزاب والاوساط السياسية فيما يشوب قلق كبير من نتائج غير مرضية لأغلب الأحزاب عكس ما حاول اكثرهم الإيحاء إعلامياً تطميناً للشارع الذي لم يشارك بالانتخابات. وهذه النسبة التي كانت متوقعة بعد تغيير قانون الانتخاب في وقت تتواصل الاعمال والمراجعات المالية لأغلب الكتل وترتيب البيت الداخلي من جديد وقراءة عميقة لنتائج الانتخابات.

تحاول القوى الأساسية التي فوجئت بنتائج مغايرة أن تداري هذا الواقع باللجوء الى تعويض من نوع آخر يجعل من الديمقراطية اساس الحركة السياسية المقبلة وتفعيل مؤسسات الدولة ككل، خصوصاً مجلس النواب الذي مضى على نشاطه غير الطبيعي اكثر من عشر سنوات بعد سلسلة احداث خطيرة عصفت بلبنان من اغتيال الحريري وصولاً الى التهديد الأمني الذي بات يروج له ويعيشه جزء من النواب، اضافة الى اغلاق مداخل الباحات المؤدية اليه وصولاً الى الإرهاب الأخير الذي تعرض له لبنان وقسم الحدث السوري بين مؤيد ومعارض ومشارك فيه.. كلها امور منعت سير الحياة البرلمانية الطبيعية تحت قبته.

تشير خطابات رئيس الجمهورية الاخيرة اولها بعد الانتخابات، وثانيها خلال الافطار الرمضاني الذي اقيم في قصر بعبدا، وذلك حسب مصادر رفيعة لـ «البناء» الى رغبة واسعة في تفعيل دور مجلس النواب ونقل الخلافات من الحكومة اليه كدور طبيعي، حيث توضع الامور في نصابها المهني والقانوني ويتم عبر ذلك الإفساح بمسائلة الحكومة بشكل يساهم بالمباشرة بعملية التدقيق بما تطلبه مرحلة البدء بمكافحة الفساد التي تبدو نصب أعين التيار الوطني الحر وحزب الله وغيرهما من القوى. وتضيف المصادر «تفعيل دور مجلس النواب الرقابي يهدف من ورائه الى نقل المشاكل من على طاولة مجلس الوزراء الى مكانها الصحيح في البرلمان. وهذا ما سيجعل الحكومة أكثر انتاجية حيث يجب إخراجها من الصبغة السياسية التي تجعل امور المواطن اللبناني ثانوية بالنسبة الى الافرقاء الذين يركزون على تسجيل نقاط لأحزابهم ونقاط مقابلة». وتختم المصادر «بدون شك سيؤثر هذا على التشكيلة الحكومية العتيدة وبالأسماء المفترض أن تكون أكثر ميلاً الى التهدئة وتفعيل المبادرة والانتاج منه الى الصدام بفرض اسماء مستفزة. وهذا ما يعني تنازلات من كل الاطراف بموضوع اختيار الوزراء المكلفين».

هذه الخطة التي يبدو رئيس الجمهورية منكباً عليها قد لا تلقى تجاوباً من الأطراف التي لا يمكن لها ان تحضر في مجلس الوزراء بمنظار الضعيف الذي فشل في اثبات الوجود بمنطق الكيدية الموجودة والتراكمات المعتبرة. وهنا مطلوب تعاون قد لا تساهم فيه التطورات في المنطقة حتى.

على مستوى تيار المستقبل تبدو فكرة الاصلاحات محسومة بالنسبة للحريري. وقد بدأ بذلك من داخل تياره الذي أقال أكثر من شخصية نافذة فيه، اضافة الى استقالة نادر الحريري وإجراء مراجعة من جهة أخرى بنتائج الانتخابات ومحاولة لوضع حد للفساد المالي الذي نهش التيار في فترة الانتخابات في الفترة التي كان فيها الحريري منكباً على متابعة الشارع شخصياً تحضيراً للاستحقاق.

مسألة فصل النيابة عن الوزارة ربما تكون مؤشراُ على إمكانية وضع حجر اساس هذا الطرح والتيار الوطني الحر الذي يجد ذلك اساسياً لا يزال يرسم علامات استفهام حول امكانية استثناء رؤساء الاحزاب من هذا الخيار. فتصبح امكانية توزير باسيل ممكنة عملاً برئاسة الحريري للحكومة ما يعني بطبيعة الحال تسمية الوزير علي حسن خليل وزيراً في حقيبة سيادية «المالية» من جديد فتعود الحكومة لسابق عهدها من المشاكسة ويسقط هذا الطرح.

وبالنسبة للأمر عينه عند المستقبل، فقد أعلن الرئيس سعد الحريري عن قناعته بضرورة حصول هذا الفصل. ما يعني ان أسماء كالوزير نهاد الكشنوق قد لا تتمثل في الحكومة، على الرغم من ان البعض وجد في ذلك مخرجاً جيداً لاستكمال خطة التطهير التي يقوم بها الحريري.

من جهة حزب الله الملتزم بهذا الخيار أي فصل النيابة عن الوزارة. فإن هذا لن يشكل عقبة امام تعزيز فكرة العمل النيابي وتطويره كيف بالحال وقد تم الإعلان عبر امينه العام بتكليف النائب حسن فضل الله بمتابعة ملف الفساد والرغبة بتخصيص وزارة للتخطيط من اجل الغاية المنشودة. وبالتالي صارت الكتل الاساسية المذكورة واقعة ضمن سهولة تسويق الطرح واستبعاد الحساسيات لانطلاق حكومة العهد الأولى، لكن ذلك يبقى دونه عقبات ايضا وايضا..

القوات اللبنانية التي عنونت مرحلة تشكيل الحكومة برفع الخلاف مع التيار الوطني الحر الى اوجه متهمة اليوم بعلاقة مريبة مع المملكة العربية السعودية حيث تأخذها تلقائياً الى التصعيد المحلي وتعطيل التأليف حسب التوقعات باعتبارها ذريعة لفرض النفوذ السعودي في الحكومة. وبالتالي فإن مسألة الاشتباك السياسي الممكن نقله الى طاولة مجلس الوزراء يمكن أن لا يتم ضبطه اذا صارت أهداف القوات طرح مسائل خلافية استراتيجية على طاولته بعدما دعمت استقالة الحريري من الرياض لاعتباره ناتجة عن تسليم الحكومة والبلاد لحزب الله معنوياً في تلك الفترة، وربما يصبح دورها المقبل مواجهة حزب الله في الحكومة ما يجعل الخلاف على طاولتها أمراً من الصعب التخلص منه. وعلى ان ذلك لم يكن واضحاً في ممارسات وزراء القوات الذين اظهروا نجاحاً في وزاراتهم الا ان ذلك لن يمنع هذا الاشتباك إذا كانت السعودية غير راغبة باستقرار حكومي يريح حزب الله الذي اخذ المجلس النيابي بنتائجه لمصلحته.

تفعيل دور مجلس النواب خطة دونها عقبات، لكن الواضح ان الاتجاه نحوها سيحكم المشهد الذي يؤسس جدياً لأرضية مكافحة الفساد وحزب الله اول المنضمين للركب بعد استبعاد نفسه من المسؤوليات المحلية العميقة منذ دخول جناحه السياسي للعمل الفعلي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى