هل تراجع أردوغان عن نظريته الاقتصادية من أجل الفوز بالانتخابات؟

د. هدى رزق

تهدف خطط الرئيس رجب أردوغان الى تخفيض عدد الوزارات إذا أعيد انتخابه وإلى تجاوز مجرد خفض الإنفاق على الجهاز البيروقراطي الضخم في تركيا. فالتخفيض المزمع في عدد الوزارات إلى 14 يهدف إلى إعادة هيكلة جذرية لجهاز الدولة التركية،

إطار إعادة الهيكلة هذه هو استفتاء نيسان/ إبريل 2017 الذي ينقل جميع الصلاحيات التنفيذية إلى الرئيس الذي سيحصل أيضاً على نفوذ إضافي على السلطة القضائية وعلى البرلمان كذلك تمكين الرئيس للحفاظ على منصب رئاسة الحزب.

في النظام الحالي هناك 27 عضواً في الحكومة: رئيس الوزراء وخمسة نواب لرؤساء الوزراء و 21 وزيراً. الاختلاف الأكبر في النظام الجديد هو عدم وجود رئيس للوزراء، سواء تمّ انتخاب أردوغان أو مرشح آخر. سيشكل الرئيس الحكومة ولن تحتاج الحكومة إلى تصويت بالثقة في البرلمان. ثمة تغيير رئيسي آخر، بدأ تنفيذه بالفعل، وهو أنّ رئيس هيئة الأركان العامة ورئيس وكالة الاستخبارات الوطنية سيقدّمان تقارير مباشرة إلى الرئيس بصفته القائد العام وهما كانا يقدّمان التقارير إلى رئيس الوزراء .

المنطق وراء إعادة الهيكلة الجذرية هو مركزية جميع القرارات السياسية في الأيدي الرئاسية. سيعمل الرئيس المنتخب كرئيس للحكومة، التي ستتألف من وزراء ليسوا أعضاء في البرلمان. إذا أراد الرئيس أن يسمّي اسماً معيناً عضواً في حكومته، فسوف يتمّ رفع عضويته في البرلمان. الرسالة الأساسية هي أنه سيكون هناك صوت واحد فقط يعتمد آلية اتخاذ القرار السياسي: هو صوت الرئيس.

في ظلّ هذا القانون الذي سيعتمد تجري استطلاعات الرأي قبل الانتخابات لكنها لم تحقق نتائج متقاربة. فإحدى شركات الاستطلاع «ميديار» وصلت الى نتيجة انّ الرئيس الطيب أردوغان سوف يحصل على بنسبة 43.5 في المائة، لكن تحالفه سيفوز بأغلبية برلمانية. اما الشركة الأخرى «سي اند إي»، وصلت الى نتيجة مغايرة ايّ انه سوف يفوز بنسبة 55 في المائة. وبأنّ التحالف الذي يقوده سيحظى بأغلبية في البرلمان. وسيقوم أردوغان بتنفيذ عملية انتقال كاملة إلى النظام الرئاسي التنفيذي بأقصى سرعة.

يعزو الخبراء الصعوبة في عدم التوصل الى نتائج متقاربة الى انّ المواطنين يرفضون مشاركة آرائهم السياسية. فهم إما يتجنّبون التعبير عن رأيهم أو يتردّدون. لقد كانت استراتيجية أردوغان في الماضي القريب، من اجل حث الناخبين على دعمه ترتكز على إطلاع الناخبين على إنجازاته ونجاح حكومته في تحديث تركيا عبر بناء جسور ومطارات ومستشفيات… وهذا يعني خسارتهم لهذه الإنجازات انْ لم ينتخبوه، ومع تعثر انتخابات عام 2015 تمكن من إعادة الأمور إلى نصابها مع استطلاع مفاجئ في نفس العام. كذلك ظهر الارتفاع في دعم أردوغان بعد محاولة الانقلاب العسكرية التي جرت في يوليو/ تموز 2016 لكن حالة الطوارئ كان لها تأثير سلبي على الاقتصاد. يبدو انّ الناخب التركي قد بدأ يشعر بعدم الأمان، إما بسبب استنفاده في الانتخابات المتتالية وإما بسبب نسبة التضخم الكبيرة والانخفاض الحادّ في قيمة الليرة التركية وانخفاض قدرته الشرائية وانفلات أسعار السلع الاساسية.

لطالما اعتبر المراقبون الدوليون انّ وجود أردوغان في الحكم، وعلى رغم انتقادهم لسياسته التي تنزلق نحو الديكتاتورية مفيد من أجل الاقتصاد فهو براغماتي ووجوده أفضل من وجود سواه، وهذا ما أثبتته الأحداث التي عاشتها تركيا. الا انه خلال زيارته الأخيرة لبريطانيا في منتصف شهر أيار/ مايو أطلق تصريحات أيّد فيها خفض البنك المركزي للفائدة، من أجل محاربة التضخم وأوحى بأنه سيضع يده على البنك المركزي وعلى سياساته ان هو فاز في الانتخابات. مما أزعج المستثمرين الذي يراهنون على تحسّن الوضع الاقتصادي انْ فاز في الانتخابات وهم رأوا بأن هذه التصريحات تعاقب المستثمر والاقتصاد التركي. وهذا ما أدّى الى ارتفاع سعر الليرة في 23 ايار/ مايو مقابل الدولار.

برّر احد مستشاري أردوغان أفكار الرئيس بالقول انّ التفكير الاقتصادي التقليدي هو «مغالطة فاسدة وغير علميّة» وإنّ أردوغان متقدّم إلى حدّ كبير، تماشياً مع «النظرية الاقتصادية العلمية المعاصرة». وهي نظرية أميركية وليست تركية عندما حاولت ناريانا كوتشرلاكوتا، رئيسة المصرف الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، في عام 2010، أن تشرح – بالاعتماد على عمل إيرفينغ فيشر، الخبير الاقتصادي الأميركي في أوائل القرن العشرين – لماذا لم يرتفع التضخم كما كان متوقعاً بعد أن خفضت البنوك الاحتياطية في البلدان المتقدّمة معدلات الفائدة واتباع سياسة التخفيف الكمّي. واقترحت أنه في مثل هذه الظروف، يمكن للبنوك المركزية أن تزيد التضخم عن طريق زيادة أهداف سعر الفائدة الاسمية، وليس عن طريق خفض أسعار الفائدة، حيث يمكن أن تحصل عليها النظرية النقدية الأرثوذكسية. لكن الإجابة من بعض الخبراء الاتراك أكدت على انّ هذه النظرية يمكنها ان تكون ناجحة في الاقتصادات الكبيرة التي تعتمد على الدولار او الين او اليورو وليس في تركيا.

في 23 ايار/ مايو، بدا وكأنّ أردوغان قد طبّق فكرته. لكن بعد انخفاض الليرة إلى 4.93 دولار مقابل الدولار، عقد البنك المركزي اجتماعاً طارئاً لرفع أسعار الفائدة من 13.5٪ إلى 16.5٪ على شفا أزمة عملة واسعة النطاق، كان مؤيّدو العقيدة الاقتصادية، ومن بينهم محافظ البنك المركزي مراد ستينكايا ونائب رئيس الوزراء محمد شيمشك، قد تغلبوا أخيراً على مستشارين أردوغان وفازوا بموافقته على رفع سعر الفائدة. عزّزت الليرة على الفور إلى 4.58.

وطلب الرئيس رجب طيب أردوغان في 31 ايار/ مايو من المواطنين الذين يحتفظون بالأموال بالعملات الأجنبية أن يحوّلوها إلى ليرات وأنّ هذا من شأنه أن يلقن درساً لأولئك الذين يحاولون هزّ تركيا من خلال أسعار الصرف. دافع نائب رئيس الوزراء التركي محمد شيمشك عن السياسات الاقتصادية التركية في 2 حزيران/ يونيو، بعد يوم من وضع وكالة «موديز» تصنيف البلاد للمراجعة من أجل تخفيض التصنيف، وقال: انّ التحوّل السلبي في شعور المستثمرين يشكل تحدّياً كبيراً بالنسبة لبلد يعتمد بشدة على صافي تدفقات رأس المال»، وأنّ تركيا قد عملت على تشديد وتبسيط السياسة النقدية وإدخال إجراءات احترازية شاملة. وأنه يجري العمل على مواصلة تعزيز مزيج السياسة وتشديد السياسة المالية من خلال خفض الإنفاق.

تمّ رفع الليرة من خلال إعلان البنك المركزي في 28 ايار/ مايو أنه سيعود إلى استخدام معدل إعادة الشراء لمدة أسبوع واحد كأسعار فائدة قياسية، مع اتخاذ خطوة تبسيط متوقعة طويلة لجعل السياسة قابلة للتنبّؤ. بعد استئناف تمويل إعادة الشراء للمرة الأولى منذ كانون الثاني/ يناير 2017، ضخ البنك المركزي 29 مليار ليرة لمدة أسبوع واحد في 1 حزيران/ يونيو، مع عروض بقيمة 56.77 مليار ليرة.

تركز اهتمام المستثمرين على بيانات التضخم لشهر ايار/ مايو، والتي ستصدر في 4 حزيران/ يونيو مما قد يعزز التوقعات برفع سعر الفائدة آخر في اجتماع البنك المركزي لتحديد سعر الفائدة في 7 يونيو.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى